0 / 0

حكم السفر من البلد الذي ينتشر فيه وباء الإيبولا

السؤال: 225592

كنت في زيارة لإحدى الدول التي تفشى بها وباء فيروس الإيبولا حيث سافرت هناك لقضاء الإجازة وزيارة عائلتي ، وأنا أعلم أنّه ورد في الحديث أنّه لا يجوز للرجل الذهاب أو مغادرة بلد انتشر به الطاعون ، ولكنني لم أمانع السفر هناك لإنني أعلم أنّه ستتم عملية فحص المسافرين قبل السفر للتأكد من خلو المسافر من هذا المرض ، ومع انتهاء إجازتي يضغط علي مديري للعودة إلى العمل ، في الوقت الذي لا يزال فيه هذا المرض منتشراً ، ولم يتم القضاء عليه في هذه البلد ، فهل يجوز لي مغادرة البلاد ، أم ينبغي علي الانتظار بدون عمل إلى أن يعلن القضاء على هذا المرض في البلاد ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
“الإيبولا” : مرض فيروسي يؤدي إلى الإصابة بحمى نزفية ، وينتج عن الإصابة بأحد خمسة أنواع من فيروس الإيبولا. كما يؤدي إلى وفاة ما بين 25 و90% من المصابين ، بحسب نوع الفيروس ، وللإصابة بهذا المرض أعراض منها: الحمى – الصداع – القيء – الإسهال – التعب الشديد في الجسم – الطفح الجلدي – النزيف من العين والأنف والفم والشرج – تضخم المنطقة التناسلية .
وقد أخذ اسم مرض (الإيبولا) من مكان التفشي الذي حدث في (يامبوكو) بجمهورية الكونغو ، إذ ظهر في قرية تقع على مسافة قريبة من نهر إيبولا ، فأطلق اسم النهر عليه.
وهذا المرض ينتقل للإنسان من الحيوانات تارة ، ومن البشر تارة أخرى ، فأما انتقاله عن طريق الحيوانات فيحدث بملامسة الحيوان المصاب بالإيبولا، ويشمل هذا أعضاءه وإفرازاته وسوائل جسمه. وقد سجلت حالات إصابة بالعدوى عبر التعامل مع عدة حيوانات مصابة ، مثل خفافيش الفاكهة وقردة الشمبانزي والغوريلا والنسناس والظباء .
وأما انتقاله من البشر فيحصل بملامسة دم المريض أو إفرازاته أو منيِّه ، أو حتى جثته بعد وفاته .
ولمزيد من المعلومات حول هذا الوباء يمكن مراجعة هذا الرابط:
http://goo.gl/GVLS2R

ثانيا :
جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنهى المسلم عن الدخول إلى أرض وقع بها الطاعون ، ونهيه أيضا عن الخروج من أرض وقع بها الطاعون .
روى البخاري (5739) ، ومسلم (2219) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني : الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه) .
وروى البخاري (3473) ، ومسلم (2218) عن أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) .

والطاعون : قيل : هو مرض خاص معروف عن العلماء والأطباء ، وقيل : بل هو كل مرض عام (وباء) ، يؤدي إلى وفاة الكثيرين من الناس .

وهذه الأحاديث تدل على أن النهي خاص بمن خرج من بلد الطاعون (أو الوباء) فرارا منه ، أما من خرج لقصد آخر ، كتجارة أو دراسة أو عمل … : فلا يشمله النهي .
وقد نص على هذا التفريق غير واحد من أهل العلم، بل حكى بعضهم اتفاق العلماء على ذلك.
قال النووي في “شرح صحيح مسلم” :
“الطَّاعُون قُرُوح تَخْرُج فِي الْجَسَد …
وَأَمَّا ( الْوَبَاء ) فَقَالَ الْخَلِيل وَغَيْره : هُوَ مَرَض الطَّاعُون ، وَقَالَ آخرون : هُوَ كُلّ مَرَض عَامّ ، وَالصَّحِيح الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ: أَنَّهُ مَرَض الْكَثِيرِينَ مِنْ النَّاس فِي جِهَة مِنْ الْأَرْض ، دُون سَائِر الْجِهَات ، وَيَكُون مُخَالِفًا لِلْمُعْتَادِ مِنْ أَمْرَاض فِي الْكَثْرَة وَغَيْرهَا ، وَيَكُون مَرَضهمْ نَوْعًا وَاحِدًا ، بِخِلَافِ سَائِر الْأَوْقَات ، فَإِنَّ أَمْرَاضهمْ فِيهَا مُخْتَلِفَة …
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث : مَنْع الْقُدُوم عَلَى بَلَد الطَّاعُون ، وَمَنْع الْخُرُوج مِنْهُ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ .
أَمَّا الْخُرُوج لِعَارِضٍ : فَلَا بَأْس بِهِ …
وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَاز الْخُرُوج بِشُغْلٍ وَغَرَض غَيْر الْفِرَار ، وَدَلِيله صَرِيح الْأَحَادِيث ” انتهى .
وقال ابن عبد البر في “التمهيد” (21/183( :
“وفي ذلك إباحة الخروج ذلك الوقت ، من موضع الطاعون ، للسفر المعتاد ، إذا لم يكن القصد الفرار من الطاعون” انتهى .
وقال ابن مفلح في “الآداب الشرعية” (3/367) :
“وَإِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدٍ وَلَسْت فِيهِ : فَلَا تَقْدَمْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كُنْت فِيهِ : فَلَا تَخْرُجْ مِنْهُ ، لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ ، وَمُرَادُهُمْ فِي دُخُولِهِ ، وَالْخُرُوجِ مِنْهُ : لِغَيْرِ سَبَبٍ ، بَلْ فِرَارًا ؛ وَإِلَّا : لَمْ يَحْرُمْ ” انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين في “شرح رياض الصالحين” (6/569) :
“والطاعون وباء فتاك والعياذ بالله ، قال بعض أهل العلم : إنه نوع خاص من الوباء ، وأنه عبارة عن جروح وتقرحات في البدن تصيب الإنسان …… وقيل : إن الطاعون اسم لكل وباء عام ينتشر بسرعة كالكوليرا وغيرها ، وهذا أقرب ، فإن هذا إن لم يكن داخلا في اللفظ ، فهو داخل في المعنى ، كل وباء عام ينتشر بسرعة : فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على البلد الذي حل فيها هذا الوباء ، وإذا وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منه .
أما خروج الإنسان منها ، لا فرارا منه ، ولكن لأنه أتى إلى هذا البلد لحاجة ثم انقضت حاجته ، وأراد أن يرجع إلى بلده : فلا بأس” انتهى .
وقال أيضا في “الشرح الممتع” (1/110-111) : “وبالنسبة للطاعون هل يجوز للإنسان أن يخرج من البلد إذا وقع فيه؟
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تخرجوا منه ـ أي من البلد الذي وقع فيه ـ فراراً منه) ، فقيد النبي صلّى الله عليه وسلّم منع الخروج بما إذا كان فراراً ، أما إذا كان الإنسان أتى إلى هذا البلد لغرض أو لتجارة وانتهت، وأراد أن يرجع إلى بلده ، فلا نقول: هذا حرام عليك، بل نقول: لك أن تذهب” انتهى.
وقد زاد الحافظ ابن حجر رحمه الله في “فتح الباري” (10/1990) هذه المسألة تفصيلا ؛ فذكر أن الخروج من بلد الطاعون له ثلاث حالات :
الأولى : أن يخرج فراراً منه لا لقصد آخر ، فهذا يتناوله النهي بلا شك .
الثانية : أن يخرج لقصد آخر غير الفرار ، كالعمل ونحوه ، فلا يدخل في النهي ، وهذا القسم هو الذي نقل النووي رحمه الله الاتفاق على جوازه .
الحالة الثالة : أن يخرج لعمل أو غيره ويضيف إلى ذلك قصد السلامة من الوباء ، فهذا قد اختلف العلماء فيه ، وذكر الحافظ ابن حجر أن مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه جواز الخروج في هذه الحالة .
وهو ما اختاره الإمام البخاري فإنه قد ترجم في صحيحه : “من خرج من الأرض التي لا تلائمه” ، وساق حديث العرنيين ، يستدل به على جواز ذلك ، وفي هذا الحديث : أن جماعة أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وأظهروا الإسلام ، ولكنهم أصابهم مرض من جو المدينة ، حيث لم يوافق أجسامهم ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتداووا من ذلك بألبان وأبوال الإبل ، فخرجوا من المدينة لأن تلك الإبل كانت في مراعيها .
وقد ذكر البخاري ذلك قبل ذكره للحديث الذي فيه النهي عن الخروج من أرض الطاعون فرارا منه ، فقال الحافظ ابن حجر تعليقا على ذلك :
“قوله : ” بَاب مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْض لَا تُلَايِمُهُ ” … وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْحَدِيث الَّذِي أَوْرَدَهُ بَعْده فِي النَّهْي عَنْ الْخُرُوج مِنْ الْأَرْض الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّاعُون : لَيْسَ عَلَى عُمُومه ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوص بِمَنْ خَرَجَ فِرَارًا مِنْهُ ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيره إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى” انتهى .

وخلاصة الجواب : 

أن سفرك من هذه البلد للعودة إلى عملك : جائز باتفاق العلماء ، لأنه ليس الغرض منه 
الهروب من الوباء ، وإنما هو سفر مرتب قبل ذلك من أجل العمل . 
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android