0 / 0

يعترض قائلا : إذا كانت النصرانية ملعونة ، فكيف جاز الزواج بها ؟

السؤال: 226591

هناك سائل يقول : بما أن المسيحيات كافرات ملعونات ، وبنفس الوقت يجيز الإسلام أن نتزوج منهن ، فهل يقبل الشرع للمسلم أن يتزوج امرأة ملعونة . شيء لا يعقل !
وربما كان فهمي ناقصا ، فلست بعالم دين أو دارس للشريعة ، فما جوابكم ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

جوابنا على حجتك بعدم التسليم بمقدمتيها ، ولا بنتيجتها أيضا :
فقولك في المقدمة الأولى : إن المسيحيات ملعونات .
إن أردت به أن كل واحدة منهن بعينها ملعونة ، فهذا الكلام بعيد عن الصواب ؛ وذلك أن الملعون هو المطرود من رحمة الله ، والإنسان ما دام حيا ، ولم يغلق عنه باب التوبة ، فلا يملك أحد الجزم بطرده من رحمة الله ، بل لا يملك أحد الاطلاع على حال معين عند الله ، إن كان في الجنة أو في النار ، إلا من أخبر النص الصحيح عنه بذلك ، أما أعيان الكفار اليوم فليس من الجائز شرعا وصفهم باللعن الخاص ، فالهداية مِنَّة من الله سبحانه وتعالى ، ينعم بها على من يشاء من عباده ، وإذا كان الله عز وجل نهى نبيه عن لعن الكفار بأعيانهم ، مقررا سبحانه أن الأمر ليس إليه عليه الصلاة والسلام ، بل إلى الله سبحانه ، هو الذي يعذب أو يتوب ، أو يضل أو يهدي ، فمن باب أولى أن يخاطب بهذا التقرير كل مسلم بعد النبي عليه الصلاة والسلام .
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ – فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ – : ( اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ فِي الأَخِيرَةِ . ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ العَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) [آل عمران: 128] رواه البخاري (7346) .

وانظر في موقعنا جواب السؤال رقم : (36674) ، وجواب السؤال : (203625) .

وأما قولك في المقدمة الثانية : إن الزواج من الملعونة لا يعقل .
فلا يسلَّم أيضا ؛ فاللعن شأن يتعلق بمصير الملعون ، وما يحاسب عليه في الآخرة . وأما الزواج فهو معاشرة دنيوية في إطار الزوجية ، لا يتأثر حكمها بصلاح المعاشر أو فساده ، كما أن البيع والشراء لا يفسد بفساد البائع أو المشتري ، فقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود بيعا وشراء وإهداء . وأيضا حقوق الأبوة والبنوة لا تتأثر باختلاف الديانة ، فالابن مطالب ببر والده ، ولو كان مشركا ، والأب مطالب بنصيحة ولده ، ولو كان فاسقا ؛ قال الله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/14-15 ، وقال تعالى : ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة/8 .

والأحكام والفروع الفقهية التي تدل على فك الارتباط بين منزلة الانسان عند الله في الدنيا والآخرة ، وبين التعامل معه بأنواع العلاقات المختلفة كثيرة معلومة .
وهذا التفريق لا شك أنه من نعمة الله سبحانه وتعالى ، ومن حكمة التشريع ؛ وذلك أنها شريعة واقعية ، صالحة لكل زمان ومكان ، تملك من الأدوات ما يؤهلها لتحقيق صلاح البلاد والعباد ؛ فلو كانت العقود فيها مرتبطة بشخص المتعاقد معه ، لوجد الناس في ذلك من الحرج والمشقة الشيء الكثير .

وبناء على جميع ما سبق ، يتبين للسائل أيضا خطأ النتيجة التي توصل إليها ، وهي عدم معقولية الزواج من النصرانية أو اليهودية ؛ فالشريعة لا تأتي بما تحيله العقول ، والزواج من الكتابية من محاسن الإسلام العظيم ، الذي أثبت في تفاصيله التشريعية أنه الدين المهيمن على الدين كله ، فلم يدعُ إلى إفناء أتباع الأديان الأخرى ، ولم يقطع كل أنواع التواصل معهم ، بل بنى من جسور التواصل والتعارف بالزواج والتجارة وعقود الذمة والمعاهدة وقيم الإحسان والأخلاق مجتمعات متماسكة ، وبلادا قوية ، ومكانا آمنا مستقرا للموافق والمخالف ، فآل الأمر إلى أن يدخل الناس في دين الله أفواجا ، ويتأثر الكتابي بالأخلاق الكريمة ، فيقبل على الدخول في الإسلام عن قناعة تامة ، من غير إجبار ولا إكراه .
وهكذا حال الزوجات الكتابيات ، غالبا ما يتأثرن بأديان أزواجهن وأولادهن ، إذا ما أحسن الأزواج والأولاد دعوتهن بالكلمة الطيبة والأخلاق الفاضلة ، وحينئذ تظهر أعظم حكمة من حكم تشريع الزواج بهن ، كما سبق بيانه في موقعنا في الفتوى رقم : (154606) ، (164144) .

ومع ذلك نذكرك بأن فقهاءنا قرروا العديد من القيود على زواج المسلم من الكتابية ، يمكنك الاطلاع عليها في الأرقام الآتية : (20227) ، (44695) ، (95572) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android