0 / 0

حكم من يحفظ القرآن دون معرفة معناه ، وحكم من حفظه وتفلّت منه

السؤال: 227695

ما حكم من يحفظ القرآن دون أن يعرف معاني الآيات ؟ فهناك من حفظ ولكنه لم يعمل بمقتضى ما حفظ فتراه يتساهل في صلواته ويؤجلها متعمداً ، ويدخّن ، ويتلفظ بالبذاءة ، ويسخر من المسلمين ويستهزئ بهم..الخ ، ثم إذا قيل له : اقرأ من المكان الفلاني قال : لست مستعداً بعد ! فكيف إن مات على هذه الحالة وقد حفظ ونسي، هل له أجر في الآخرة ؟ وهل يجب على كل من حفظ أن يحافظ على حفظه ويحرص عليه من التفلت ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
نزل القرآن الكريم ليتدبره الناس ، ويعملوا بأحكامه وشرائعه ، ويتأدبوا بآدابه ، قال تعالى : ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) ص / 29. وقال تعالى : ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) الزمر / 18.
فعلى المسلم أن يعمل جهده في فهم كتاب الله ؛ لأن فهمه سبيل تدبره والعمل به ، إلا أنه مأجور على حفظه وتلاوته ، على كل حال ، فهمه أو لم يفهمه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” الإنسان مأجور على قراءته سواء فهم معناه أم لم يفهم ، ولكن لا ينبغي للمؤمن أن يقرأ قرآناً مكلفاً بالعمل به ، بدون أن يفهم معناه ، فالإنسان لو أراد أن يتعلم الطب مثلاً ، ودرس كتب الطب ، فإنه لا يمكن أن يستفيد منها حتى يعرف معناها وتشرح له ، بل هو يحرص كل الحرص على أن يفهم معناها من أجل أن يطبقها، فما بالك بكتاب الله سبحانه وتعالى ، الذي هو شفاء لما في الصدور وموعظة للناس ، أن يقرأه الإنسان بدون تدبر وبدون فهم لمعناه ، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم ، لا يتجاوزون عشر آيات ، حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل ، فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً .
فالإنسان مثاب ومأجور على قراءة القرآن ، سواء فهم معناه أم لم يفهم ، ولكن ينبغي له أن يحرص كل الحرص على فهم معناه ، وأن يتلقى هذا المعنى من العلماء الموثوقين في علمهم وأمانتهم ” .
انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (5/ 2) بترقيم الشاملة .
ثانيا :
لا يعني ذلك أن الجاهل الذي لا يفهم معاني الآيات يكون معذورا في ارتكابه ما حرم الله ، فإن الله قد يسر القرآن للذكر ، وهيأه للعلم والعمل به ، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) القمر/17 . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” أي: أن من قرأ القرآن ليتذكر به ويتعظ به سهل عليه ذلك، واتعظ وانتفع “.
انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (183/ 7) بترقيم الشاملة .
والكثير من أحكام الإسلام يعلمها كل مسلم ، فلا يغيب على عالم ولا جاهل ، ولا على قارئ ولا أمِّي ، ولا على ذكر ولا أنثى ، ولا صغير ولا كبير ، حفظ القرآن أم لم يحفظه : أن التهاون بالصلوات المكتوبات ، والسخرية بالمسلمين والاستهزاء بهم ، وبذاءة اللسان ، مما حرم الله في كتابه ، ولا يقرأ أحد آيات القرآن المجيد التي تحض على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، والتخلق بالخلق الحسن ونحو ذلك ، وتنهى عن السخرية من الناس ، وفحش القول وسيء الخلق ونحو ذلك : إلا ويفقه معانيها ، ويعلم أحكامها ، ولا يقبل من أحد في مثل هذه الأحكام الظاهرة أن يقول : لا أفقه القرآن ، ولا أعلم معانيه ؛ اللهم إلا أن يكون أعجميا ، حديث العهد بالإسلام ، أو نحو ذلك .
وقد ورد الوعيد الشديد على من ترك العمل بالقرآن الكريم ، وذلك في حديث سمرة بن جندب الطويل ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا التي رآها في عقوبة بعض العصاة في القبر ، قَالَ : ( أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ ) رواه البخاري (1143) .
يقول ابن بطال رحمه الله :
” ( يأخذ القرآن فيرفضه ) يعني : يترك حفظ حروفه والعمل بمعانيه ، فأما إذا ترك حفظ حروفه وعَمِل بمعانيه فليس برافض له ” .
انتهى من ” شرح صحيح البخاري ” (3/135) .
وينظر جواب السؤال رقم : (50591).

هذا مع أن طائفة من هذه الأخلاق والمنكرات : هي مما استقر في الفطر ذمه ، والنفور منه ، حتى لو لم يكن صاحب ذلك مسلما أصلا !!
انظر جواب السؤال رقم : (224035) .
ثالثا :
لا شك أن مدارسة القرآن وتلاوته وحفظه من أفضل العمل الصالح ، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعاهد القرآن خشية نسيانه .
ونسيان القرآن من الأفعال المذمومة ؛ لما فيها من النقص والإعراض عن كتاب الله وهجره .
انظر جواب السؤال رقم : (3704) .

وقد اختلف أهل العلم في حكم نسيان القرآن :
فقيل : كبيرة .
وقيل : معصية وذنب ، ولا يبلغ مبلغ الكبائر .
وقيل – وهو الراجح – : مصيبة أو عقوبة .
ولكن ، لا يليق بالحافظ له أن يغفل عن تلاوته ، ولا أن يفرط في تعاهده ، بل ينبغي أن يتخذ لنفسه منه ورداً يوميّاً يساعده على ضبطه ، ويحول دون نسيانه ؛ رجاء الأجر ، والاستفادة من أحكامه .
ينظر جواب السؤال رقم : (127485) .

فينبغي على كل من حفظ شيئا من القرآن أن يحافظ عليه ، ويتعاهده بالمراجعة ؛ لئلا يتفلت منه ، ولكن لو حفظ شيئا منه ونسيه لم يعاقب على مجرد ذلك ، إلا أن يؤدي به نسيانه إلى هجره ، ومخالفة أحكامه ، واتباع هوى النفس ، فإنه حينئذ يعاقب على ذلك .
ومن حفظ شيئا من القرآن ، ثم نسي بعضه ، فإنه يؤجر يوم القيامة على ما حفظ ، كما يؤجر على ما تلا ولو لم يحفظ ، لعموم قوله تعالى :( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) الزلزلة/ 7، 8 .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android