0 / 0

بعض الأحكام المتعلقة بغسل اليدين لمن قام من نوم الليل

السؤال: 228607

قرأت حديثاً يقول بضرورة غسل اليدين بعد الاستيقاظ من النوم لأن المرء لا يعلم أين باتت يده ، فهل هذا الحديث صحيح ؟ وكم مرة يجب غسلهما ؟ وهل يُعمل بذلك بعد نوم الليل فقط أم بعد أي نوم كقيلولة بعد الظهر وما شابه ذلك ؟ وهل غسلهما واجب أم مستحب ؟ وماذا لو مسّ شيئاً قبل غسلهما هل يتنجس ذلك الشيء ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
نعم ، الحديث صحيح ؛ فقد روى البخاري (162) ، ومسلم (278) – واللفظ له – : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ) .

 

ثانياً :
غسل اليدين للقائم من نوم الليل ، جاء في بعض روايات الحديث ، أنها تغسل ثلاثاً ، وفي البعض الآخر التخيير بين غسلها ثلاثاً أو اثنتين ؛ ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الاقتصار على المرتين في غسل اليدين لمن قام من نوم الليل ؛ أخذاً برواية التخيير .

 

فحديث مسلم السابق ، فيه التنصيص على الثلاث : ( حتى يغسلها ثلاثاً ) ، وجاء عند النسائي وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن النسائي " .

جاء في " شرح أبي داود للعيني " (1/280) :
" وذكر فيه الغسل مرتين أو ثلاثاً نحو ما ذكره في الرواية الأولى ، ويستفاد من هذه الرواية : أنه إذا اكتفى بالغسل مرتين ، يجوز ؛ لأنه مستحب ثلاثاً " انتهى .

ثالثاً :
اختلف أهل العلم رحمهم الله : هل غسل اليدين لمن استيقظ من النوم خاص بنوم الليل ، أو هو عام في نوم الليل والنهار ؟ على قولين :
والذي عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله : أن الحكم عام في نوم الليل والنهار .

قال العراقي رحمه الله في " طرح التثريب" (2/42-43) .
" احتج الجمهور بعموم قوله : (من نومه) على أنه لا فرق في ذلك بين الليل والنهار ، وخالف في ذلك أحمد وداود ، فخصصا هذا الحكم بنوم الليل ؛ لقوله في آخر الحديث : ( أين باتت يده ) ، ولرواية أبي داود وابن ماجه : ( إذا قام أو استيقظ أحدكم بالليل ) …. .
قال أحمد فيما رواه الأثرم عنه : فالمبيت إنما يكون بالليل . قال ابن عبد البر : أما المبيت فيشبه أن يكون ما قال أحمد صحيحا فيه ؛ لأن الخليل قال في كتاب العين : البيتوتة دخولك في الليل …. .
وقد خالف أحمد في ذلك صاحبه إسحاق بن راهويه فقال : لا ينبغي لأحد استيقظ ليلًا أو نهارا إلا أن يغسل يده قبل أن يدخلها الوضوء ، قال : والقياس في نوم الليل أنه مثل نوم النهار .
وما قاله إسحاق هو الذي عليه عامة العلماء ، وأجابوا عن الحديث بأن ذلك خرج مخرج الغالب ، ويدل لذلك رواية أبي داود : (أو كانت تطوف يده ) ، ورواية الدارقطني: (أو طافت يده ) ، ولا يلزم من صيغة (أو) في الروايتين أن يكون ذلك شكا ، بل يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال : الأمرين معا يريد أين باتت يده في المبيت ؟ أو أين كانت تطوف يده في نومه مساء كان أو نهارا . انتهى .
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى : ويؤيد ما ذهب إليه أحمد وداود ما في رواية الترمذي ، وابن ماجه ، وأخرجه أبو داود ، وساق مسلم إسنادها " إذا استيقظ أحدكم من الليل " وما في رواية لأبي عوانة ساق مسلم إسنادها أيضا " إذا قام أحدكم للوضوء حين يصبح " ، لكن التعليل بقوله " فإنه لا يدري أين باتت يده " يقتضي إلحاقَ نوم النهار بنوم الليل ، إنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة .
وقال النووي رحمه الله : وحكي عن أحمد في رواية أنه إن قام من الليل كره له كراهة تحريم ، وإن قام من النهار كره له كراهة تنزيه . قال : ومذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم ، بل المعتبر الشك في نجاسة اليد ، فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها ، سواء كان قام من نوم الليل ، أو النهار ، أو شك " انتهى .

رابعاً :
غسل اليدين ثلاثاً بعد الاستيقاظ من نوم الليل ، مختلف في حكمه ، والذي عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله : أن غسل اليدين في تلك الحال مستحب وليس واجباً ، فلو خالف الشخص ولم يغسل يديه ، فلا إثم عليه ، كما أنه إذا مس شيئاً قبل أن يغسل يديه ، فإنه لا يحكم بنجاسة ذلك الشيء الممسوس .

قال ابن قدامة رحمه الله :
" فَأَمَّا عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ ، فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي وُجُوبِهِ ؛ فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وُجُوبُهُ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْهُ ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا الْإِنَاءَ ثَلَاثًا ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ : ( فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي وَضُوءٍ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا ) . وَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ، وَنَهْيُهُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ .
وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ . وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) [المائدة: 6] . الْآيَةَ .
قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي تَفْسِيرِهَا : إذَا قُمْتُمْ مِنْ نَوْمٍ . وَلِأَنَّ الْقِيَامَ مِنْ النَّوْمِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْآيَةِ ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ فِي أَوَّلِهِ ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي حُصُولَ الْإِجْزَاءِ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَائِمٌ مِنْ نَوْمٍ ، فَأَشْبَهَ الْقَائِمَ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، لَتَعْلِيلِهِ بِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : ( فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ) وَطَرَيَانُ الشَّكِّ عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا ، كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ النَّدْبَ " .
انتهى من " المغني " (1/73) .

وقال النووي رحمه الله :
" النَّهْيُ عَنْ غَمْسِ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، لَكِنَّ الْجَمَاهِيرَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى : أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ ، فَلَوْ خَالَفَ وَغَمَسَ لَمْ يَفْسُدِ الْمَاءُ ، وَلَمْ يَأْثَمِ الْغَامِسُ " انتهى من " شرح مسلم للنووي " (2/180) .

وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية " (4/19) :
" قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) رواه مسلم .
هل من قام من نوم ليلا ووضع يديه في إناء به ماء ، هل سلب طهورية الماء ولا يجوز الوضوء به أم باق على الطهورية ويجوز الوضوء به ، فأيهما أصح وأولى ؟
الجواب : النهي الوارد في هذا الحديث أمر تعبدي لا يقتضي تنجيس الماء ، والصحيح جواز الوضوء به " انتهى .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
"وفي قوله: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يدُه)، دليل على أنَّ الماء لا يتغيَّر الحكم فيه ؛ لأن هذا التَّعليلَ يدلُّ على أن المسألةَ من باب الاحتياط ، وليست من باب اليقين الذي يُرفَعُ به اليقينُ.
وعندنا الآن يقينٌ ؛ وهو أن هذا الماء طَهُورٌ، وهذا اليقينُ لا يمكنُ رفعُه إلا بيقين، فلا يُرفَعُ بالشَّكِّ" انتهى .الشرح الممتع (1/50) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android