0 / 0

لماذا يرفض المهدي البيعة أول الأمر رغم انطباق الأوصاف عليه ؟

السؤال: 230143

أؤمن تماما بخروج المهدي رضي الله عنه آخر الزمان ، ولكن عندي سؤال يحيرني ،
وهو : ما الذي يمنع المهدي من معرفة نفسه أو إعلان نفسه ، بمعني أن هناك وصفا دقيقا له ،
فإن كان اسمي مثلا أحمد أو محمد بن عبد الله ، وأقنى الأنف ، وأجلي الجبهة ، ومن الأشراف ،
فما يمنعني أن أقول : أنا المهدي ، وما الذي يجعل المهدي يفر ممن سيبايعونه
عند الكعبة إذا كان به هذه الصفات وهو يعرفها ، وأيضا يعلم أنه سيتم مبايعة المهدي عند الكعبة من خلال الأحاديث الصحيحة ، وسيفر ممن يريدون مبايعته ، وأنهم سيحاصرونه .
فهل المهدي يعرف نفسه ؟ وما يمنعه من ذلك ؟ أوليس سيقرأ الأحاديث ، أو حتى سيسمعها ، بما أنه سيكون لديه علم شرعي ، والله أعلم .
ولو فرضنا أن الأحاديث عنه مثلا ستختفي ، أو غير ذلك ، فكيف سيعلم المهدي ومن بايعوه والمسلمون في ذلك الوقت أن علامة التأكد منه أنه سيخسف بالجيش الخارج لمحاربته . إذًا فهم يعلمون الأحاديث والبراهين ، فأطلب الإفادة.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

ثمة احتمالات عديدة يمكن أن تجيب على هذا التساؤل :
أولا :
أن انطباق الأوصاف الخلقية والاسمية ، لا يستلزم أبدا أن تنبعث معها في نفس صاحبها عقيدة “المهدية” ، بل إن ما وصف به المهدي من الهدى والتقى والصلاح ، سيؤدي به إلى الفرار من هذه النسبة ، ليس على سبيل التواضع فحسب ، بل من جهة النأي بالنفس عن موارد العجب والتعالي بمقامات الولاية الدينية والدنيوية على الناس ، فهذا دأب الصالحين والمصلحين ، حياتهم مشاعل نور وهداية ، وقيادتهم الناس سلطة أخلاقية تفرضها سيرتهم بين الناس ، وليست سلطة ولاية وبيعة في غالب الأحوال ، وقلوبهم أبعد ما تكون عن أن تظن بنفسها مقاما خاصا دون الناس ، أو منزلة عند الله تعالى أعلى من منازل الناس .
فقد يكون هذا هو حال مهدي آخر الزمان ، لن يمنح الفرصة لنفسه أن تطلب مقام الولاية ، وسيبدأ معها بأسباب الورع والزهد عن كل ما يتنافس حوله الناس من شؤون الدنيا .
وفي نسل آل البيت الكرام – عبر التاريخ – الكثيرون ممن يحمل اسم محمد بن عبد الله ، ويكثر فيهم أيضا قنا الأنف [ ارتفاع وسط قصبته ]، وجلى الجبهة [ أي اتساعها ]، بحكم الوصف الخلقي الوارد للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في كتب السيرة . وقد مر بعضهم بأحداث عظام من أحداث التاريخ الإسلامي ، فلم يستوجب ذلك أن يدعي كل منهم ” المهدية “، ويقبل البيعة .
بل كثيرٌ مِن مُدعي ” المهدية ” زورا إنما أتوا من جهة الفتنة ، والاغترار بظاهر الحال ، من الاسم أو الهيئة ، ويصادف ذلك هوى في النفس وإعجابا ، وجهلا بسنن التاريخ ، ومقاصد السنة النبوية في الحديث عن أحوال آخر الزمان ، فيؤدي بهم إلى ادعاء ” المهدية ” على حساب دماء الناس وأمنهم ومصالحهم ، في حين أن ” المهدي ” الوارد في السنة النبوية يتحقق وجوده في سياق حتمي ، تدفع إليه ظروف الواقع دفعا ، لا يملك أحد معه رفعه ولا الوقاية منه ، وليس عبر اصطناعه وادعائه ، بتكلف وتنطع ، لمجرد انطباق الاسم على الاسم ، أو الهيئة الخَلقية على ما ورد في الأحاديث .
وهذا أمر غاية في الخطورة ، أدى الغلط في فهمه وتحريه إلى أحداث عظام عبر التاريخ الإسلامي.
ثانيا :
ليس بالضرورة أن يكون المهدي قد اطلع على الأحاديث النبوية التي تبشر به ، وليس بالضرورة أنه يحفظها ويستحضرها ، فهي ليست من أركان الإيمان ، ولا من أركان العمل ، ولهذا فإن بقاءها وحفظها ، واستحضار الناس لها : ليس حتما مثبتا لحفظ الدين ، ولو عاش العبد الصالح حياته كلها بالعلم والعمل والخير ، ولم يعرف أحاديث المهدي ، ولم يطلع عليها ، لم يؤثر ذلك في صلاحه وتقواه ، ولم يستلزم نقصا في علمه وفهمه عن الله سبحانه .
ثالثا :
ومن الاحتمالات الواردة أيضا أنَّ تأخُّر المهدي عن قبول البيعة ، ورفضه لها في بادئ الأمر : يقع منه رجاءً من الله سبحانه أن يكتب له التوفيق والسداد ، والعون والرشاد ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة : ( يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ ، لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا ، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا) رواه البخاري (6622) ، ومسلم (1652).
ولم يرد في الأحاديث ما يدل على معرفة المهدي بنفسه من خلال علامات آخر الزمان ، كما لم نجد فيها استدلاله بالخسف الذي يقع للجيش المتوجه إليه على ” مهديته ” .
ولهذا فإن جميع الاحتمالات التي ذكرناها واردة ، وقد يكون لذلك حكم ، واحتمالات أخرى ، لم ننتبه نحن إليها ؛ والناظم لها أولا وأخيرا قضاء الله سبحانه ، في كونه بمقتضى حكمته ، فهو عز وجل إذا أراد أمرا هيأ له أسبابه ، وقد قال عز وجل : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) الأنعام/18، وقال عز وجل : ( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) يوسف/100، وقال جل وعلا : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) الإنسان/30.
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android