0 / 0

متابعة تلفزيون الواقع على القنوات المحافظة

السؤال: 230917

هل يجوز للفتيات مشاهدة البرامج الواقعية التي تبثها القنوات المحافظة ، وإذا جائز ، هل هناك ضوابط لمشاهدة تلك البرامج ، مع العلم أن مدة بث هذه النوعية من البرامج تتجاوز العشر ساعات ، وتكون متواصلة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

برامج الواقع كلمة إعلامية مجملة ، يدخل تحتها العديد من أنواع البرامج الفضائية التي تعرض على الناس اليوم ، وتعرف تعريفا مجملا بأنها البرامج التي “يتم فيها جمع أفراد من عامة الناس في مكان محدد ، وبيئة محددة ، وتسجيل حياتهم وردود أفعالهم الطبيعية ، مع عدم وجود نص مكتوب أو مشهدية (سيناريو) ، وعرضه عرضا مباشرا للمشاهدين ” .
فإذا كان البرنامج الواقعي من جنس البرامج الفضائية النافعة ، التي تشتمل على المسابقات العلمية والشرعية ، ومنافسات حفظ القرآن الكريم ، ومسامرات العلماء بالفكر والعلم والذكريات النافعة ، أو البرامج التدريبية القيادية للأطفال والناشئة ، وهي كلها تسمى ” واقعية ” عند كثير من الإعلاميين – فهذه لا بأس بمشاهدتها ومتابعتها ، بل لا حرج في الحرص عليها ، والانتفاع بما يرد فيها من حكمة وخبرة ومعرفة وتجربة .
أما إذا كانت برامج الواقع من جنس البرامج التي تبث لغو المجالس بتمامها ، وما يكون فيها من أحداث وأحاديث كيفما اتفق ، فتنقل كما هي ، من غير تحرير ولا عناية بالنافع منها ، ولا ترتيب لإفادة المشاهد ، وإنما لتشغل المشاهد بما ينشغل به هؤلاء الذين يسلط البث الفضائي عليهم ، على أي حال كانوا عليه – فنحن نربأ بالمسلم أو المسلمة أن يتابع هذه البرامج تلك الساعات الطوال ، ليضيع عمره ووقته – لا نقول في مباحات نفسه وعياله -، بل في لغو غيره ، بعجره وبجره ، والله عز وجل يقول : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ )المؤمنون/ 1 – 3 .
يقول الإمام الحليمي رحمه الله :
” اللغو : الباطل الذي لا يتصل بفعل صحيح ، ولا يكون لقائله فيه فائدة ، وربما كان وبالًا عليه …
فكل ما كان لغوًا : فينبغي أن لا يُشتغل به …
ويعرض عنه ، فلا يكلم المُلاهي ، ولا يشارك في حديثه ، ولا يجلس عنده فيصغي إليه ، وإن دعت الضرورة إلى الجلوس عنده ، سكت عنه ، ولم يتلق حديثه منه … ، وإن أمكن وعظه وردعه عما هو عليه ، وصرفه إلى ما هو أولى وألزم ، فعل …
هذا كله وراء الآيات التي كتبناها ، والسنة التي رويناها لوجهين :
أحدهما : إنَّ ترك الإعراض عن اللغو إنما يكون بالإقبال عليه ، والكلام نحو الكلام ، والسمع مستنطق اللسان ، فلا يؤمن أن يكون من المقبل على اللاغي ، والمخالط له ، مشاركة له ، ومجاراة إياه ، وفي الإعراض أمان منه . فلذلك كان أولى .
والوجه الآخر : إن مجالسة اللاغي والإصغاء إليه تضييع للزمان ، فاغتنامه بإنفاذه في الحق والجد أولى من تضييعه وشغله بما لا فائدة منه ” .
انتهى باختصار من ” المنهاج في شعب الإيمان ” (3/ 401-402) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” إذا كان الله تعالى قد مدح وأثنى على من أعرض عن اللغو ، ومر به كريما لم يستمعه ، كيف يكون استماع كل قول ممدوحا ؟!” انتهى من ” الاستقامة ” (1/ 218) .
وإذا كانت برامج الواقع في القنوات المحافظة ، خالية من المحرمات ؛ من علاقات محرمة أو معازف أو كشف للعورات – وهو الأمر المفترض فيما يعرض في هذه القنوات – فذلك لا يعني فتح الباب للاسترسال في مثل هذا النوع من البرامج ، فالمباح شيء ، وما نُخلص به نصيحتنا لمن يسألنا شيء آخر .
ويتأكد الإعراض عما لا منفعة فيه ، في دين أو دنيا ، في زماننا هذا الذي عظمت فيه مسؤوليات المسلمين جميعا ، وألحت عليهم واجباتهم ، ولاحقتهم ضرورات الهموم الإصلاحية والدعوية ، التي نحن أحوج ما نكون إليها اليوم ، في ظل هذا التسارع الهائل في التغيرات العالمية ، الأمر الذي يقتضي تضحيات عملية من المسلمين ، بالحكمة والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والفكر المتقدم وبناء النفس والجيل ، وهي هموم كبار تنقطع دون تحقيقها الأعمار لو شغلت بتمامها .
ولهذا فلا ينبغي للمسلم أن يتَقَحَّم أبواب المباح على حساب واجباته وغاياته السامية في أيامه ولياليه ، والإنسان الحقيقي هو الذي يضن بالدقيقة أن يفرط في قضائها بعيدا عن مسيرة خطته لحياته ، فكيف بقضاء الساعات الطوال في متابعة ما لا يعنيه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ) رواه الترمذي في ” السنن ” (رقم/2317)، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي “.
يقول ابن رجب رحمه الله :
” إذا حسُن الإسلام ، اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات ، وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها ، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه ، وبلغ إلى درجة الإحسان … فمن عبد الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه ، أو على استحضار قرب الله منه واطلاعه عليه ، فقد حسن إسلامه ، ولزم من ذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام ، ويشتغل بما يعنيه فيه ، فإنه يتولد من هذين المقامين الاستحياء من الله ، وترك كل ما يستحيا منه ، كما وصى صلى الله عليه وسلم رجلا أن يستحيي من الله كما يستحيي من رجل من صالحي عشيرته لا يفارقه ، وأكثر ما يراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام ” .
انتهى من ” جامع العلوم والحكم ” (1/289-290) .
ورغم أن الإعلام اعتاد على تسمية هذه البرامج بأنها ” واقعية “، إلا أننا نعتقد أن التسمية الصحيحة لهذه البرامج هي : برامج ” الخيال “، أو ” الافتراض “، وذلك أن الأثر الذي تحدثه في قلوب المتابعين هو نفس الأثر الذي تحدثه برامج الخيال فعلا ، وهو تعليق الناس بأوهام لا حقيقة لها إلا ضمن إطار شاشة التلفاز هذه .
فالبيئة الواقعية ـ بزعمهم ـ التي يحياها أفراد البرنامج : هي بيئة مصطنعة ، وبيئة مستحدثة لهذا الغرض ، ليست من صميم حياة الناس في مجتمعاتهم الطبيعية ، ولا من جنس ما يألفون ويحيون.
وعلى فرض انطلاق البرنامج فعلا من واقع الناس وحياتهم ، فإن عرض حياة الأفراد الطبيعيين على الملأ ، يكسبها نجومية وسحرا لا حقيقة لهما ، فالناس لا يحفلون بحياة بعضهم للوقوف على جميع تفاصيلها ، ولا ينشغل بمتابعة أدق تفاصيل حياة الناس وواقعهم إلا الحسود أو الغيران أو الفضولي ، أو نحو هؤلاء من مرضى النفوس والقلوب ؛ فكيف بنا أن ننقل ذلك كله ، ونغذي أمراض القلوب التي تسري في النفس فتسقمها ، وتزيدها سقما مثل هذه البرامج التي تسمى ” واقعية “.
وإذا اجتمع إلى هذه المفاسد كون المتابعة من قبل الفتاة المسلمة ، أو المرأة المسلمة ، فقد زادت هنا شرور التعلق المحرم ، وخطر إطلاق البصر الذي أمرت المرأة بغضه ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِن )النور/ 31 ؛ إلا أن تكون ثمة حاجة أو فائدة ؛ والواقع أنه لا حاجة في النوع الثاني من برامج ” الواقع ” هذه .
ومحاذير اعتياد الكسل والقعود عن الإنجاز والعمل ، كل ذلك كاف لتوضيح نظرتنا إلى هذه البرامج ، ونصيحتنا التي نخلصها للسائلين عنها .
وللمزيد يرجى النظر في الأرقام الآتية : (134595) ، (91142)، (128670) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android