الجمع بين الأحاديث التي اختلف ظاهرها في بيان أفضل الأعمال .
كيف الجمع بين الحديثين التاليين ؟ وما الذي لا يعدله شيء الجهاد أم الصوم ، مع الاتفاق على فضلهما جميعا ؟
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: ” قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ )، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ ) ” .
رواه أحمد (22149) ، والنسائي (4/165) وغيرهما ، وصححه الألباني .
وعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ : ” جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ دُلَّنِى عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ ، قَالَ : ( لاَ أَجِدُهُ – قَالَ – هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ ) قَالَ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ ” رواه البخاري .
الجمع بين الأحاديث التي اختلف ظاهرها في بيان أفضل الأعمال .
السؤال: 232966
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
جاءت أحاديث متنوعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم تذكر أفضل الأعمال وأحبها إلى الله ، فمن ذلك : ما رواه البخاري (527) ، ومسلم (85) عن ابن مسعود قَالَ: ” سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: (الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا) ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ) قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ” .
وروى النسائي (2222) – واللفظ له – ، وأحمد (22149) ، وابن خزيمة (1893) ، وابن حبان (3425) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ : ” أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ) ” .
وورى أحمد (17027) عن عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : (عَمَلَانِ هُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِهِمَا: حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ أَوْ عُمْرَةٌ ) وصححه محققو المسند .
وروى البخاري (11) ، ومسلم (42) عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ” قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ) ” .
وروى البخاري (2785) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: ” جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الجِهَادَ؟ قَالَ: (لاَ أَجِدُهُ) ، قَالَ: (هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ المُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ؟) ، قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ “
وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث وغيرها ، التي اختلفت فيها أجوبة النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال : بأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال أو باختلاف الأشخاص ، فمن الأشخاص من يكون الصيام أفضل له ، ومنهم من يكون الجهاد أفضل له ، وذلك يكو بحسب الحال ، وبحسب استعداد الشخص المعين ، وقدرته .. إلخ .
وقد يكون الجهاد في وقت أفضل الأعمال ، وقد يكون في وقت آخر غيره أفضل منه ، وهكذا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند شرحه لحديث ابن مسعود المتقدم :
” مُحَصِّلُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَجْوِبَةُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ:
أَنَّ الْجَوَابَ اخْتَلَفَ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ السَّائِلِينَ، بِأَنْ أَعْلَمَ كُلَّ قَوْمٍ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، أَوْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ رَغْبَةٌ ، أَوْ بِمَا هُوَ لَائِقٌ بِهِمْ .
أَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ ، بِأَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِه ِ، فَقَدْ كَانَ الْجِهَادُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ ، لِأَنَّهُ الْوَسِيلَةُ إِلَى الْقِيَامِ بِهَا وَالتَّمَكُّنِ من أَدَائِهَا، وَقَدْ تَضَافَرَتِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي وَقْتِ مُوَاسَاةِ الْمُضْطَرِّ تَكُونُ الصَّدَقَةُ أَفْضَلَ .
أَوْ أَنَّ أَفْضَلَ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا، بَلِ الْمُرَادُ بِهَا الْفَضْلُ الْمُطْلَقُ ، أَوِ الْمُرَادُ: مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، فحذفت “من” وَهِي مُرَادة ” انتهى من “فتح الباري” (2/ 9).
وقال ابن القيم رحمه الله :
” قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره :
فالغني الذى له مال كثير ، ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه : فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة .
والشجاع الشديد الذى يهاب العدوُ سطوتَه : وقوفُه في الصف ساعة ، وجهادُه أعداءَ الله : أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع .
والعالِمُ الذى قد عرف السنة ، والحلال والحرام ، وطرق الخير والشر : مخالطتُه للناس وتعليمُهم ونصحُهم في دينهم: أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح.
وولىُّ الأمر الذى قد نصبه الله للحكم بين عباده : جلوسُه ساعةً للنظر في المظالم ، وإنصاف المظلوم من الظالم ، وإقامة الحدود ، ونصر المحق ، وقمع المبطل : أفضل من عبادة سنين من غيره.
ومن غلبت عليه شهوة النساء : فصومُه ـ له ـ أنفع وأفضل من ذكر غيره وصدقته .
وتأمل تولية النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما من أمرائه وعماله، وترك تولية أبى ذر، بل قال له: (إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَأَمَّرن على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم) .
وأمر غيره بالصيام وقال: (عليك بالصوم فإنه لا عِدل له) ، وأمر آخر بأن لا يغضب، وأمر ثالثا بأن لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله .
ومتى أراد الله بالعبد كمالا ، وفقه لاستفراغ وسعه فيما هو مستعد له، قابل له، قد هُيئ له، فإذا استفرغ وسعه ، علا غيره وفاق الناس فيه .
وهذا كالمريض الذى يشكو وجع البطن مثلا، إذا استعمل دواء ذلك الداء : انتفع به، واذا استعمل دواء وجع الرأس : لم يصادف داءه .
فالشح المطاع ـ مثلا ـ من المهلكات ، ولا يزيله صيام مائة عام، ولا قيام ليلها !!
وكذلك داء اتباع الهوى ، والإعجاب بالنفس : لا يلائمه كثرة قراءة القرآن ، واستفراغ الوسع في العلم والذكر والزهد، وإنما يزيله إخراجه من القلب بضده .
ولو قيل: أيما أفضل: الخبز أو الماء؟
لكان الجواب: أن هذا في موضعه أفضل، وهذا في موضعه أفضل “.
انتهى من “عدة الصابرين” (ص 114-115) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب