قدمني الناس في مسجد الحي أصلي بهم الصلوات الخمس متطوعا منذ ما يزيد على السنة ، ولكن يقولون لي بعد الآذان : “هيا صلي بنا لم يبق وقت ” ، ومنهم من يقول لي : أطلت السجود أو الركوع ، وقد طلبت منهم بأن لا يأمرونني للتقدم للصلاة ، وإنما هذه أمور يقدرها الإمام نفسه ، بالتقدم أو الترقب قليلا ، مع العلم أني ملتزم ـ بفضل الله تعالى ـ على الحضور قبل الوقت ومع الآذان ، كما نصحتهم بترك الحديث الجانبي من قبيل “الدردشة والميعاد الزائد ” ، ونهيتهم عديد المرات عن مثل هذه التصرفات ولكن دون جدوى ، أرجو أن توضحوا لي حكم إلتزام المصلين بأوامر الإمام وعدم أمرهم لإمامهم بأشياء لاتهمهم كما شرحت سابقا ، وبماذا تنصحونني ؟
نصائح للإمام وأهل المسجد الذين يشغّبون عليه .
السؤال: 233051
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
على كل من تقلد منصبا ، أو ترأس الناس ، أو تقدمهم في أمر من أمورهم العامة : أن يتحلى بالصبر ، ويتصف بالحكمة ، وأن يتسع صدره لهم ، وأن يصغي إلى رأيهم ، ولا يصدر منه إليهم ما يبغضهم فيه ، فإن كان أمرا من أمور الدين : فأحكام الشريعة حكم بين الناس .
ثانيا :
ينبغي أن يكون هناك وقت بين الأذان والإقامة يكفي للتطهر ، والذهاب إلى المسجد ، وصلاة السنة الراتبة ؛ فإن ذلك يحقق مقصود النداء للجماعة ، ويعين على مصلحتها ، وهو ـ كذلك ـ أرفق بعموم الناس ، ما دام في حد معقول ، محتمل ، لا إشقاق فيه على أهل المسجد ، بطول انتظارهم ، ولا إشقاق فيه ـ أيضا ـ على الآتين ، أو تضييع الجماعة عليهم ، أو عدم تمكينهم من الإتيان بالسنن الرواتب .
وليس في ذلك تحديد شرعي ، وكل أهل مسجد يختارون الوقت المناسب لهم ، ما دام ذلك محققا لمصلحة الجماعة ، كما سبق ، وكان فيه رفق بعموم الناس .
انظر جواب السؤال رقم : (97009) .
ثالثا :
أولى الناس بالإمامة في المسجد هو الإمام الراتب ، والمشروع انتظاره ما لم يشق ذلك على الناس ، وخاصة إذا كان حافظا متقنا عالما بأحكام الصلاة.
والإمام أملك بالإقامة ، فلا يقيم المؤذن إلا بإذن الإمام ، وعلى الإمام أن يراعي أحوال الناس.
قال النووي رحمه الله :
” وَقْتُ الْأَذَانِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْمُؤَذِّنِ ، لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُرَاجَعَةِ الْإِمَامِ، وَوَقْتُ الْإِقَامَةِ مَنُوطٌ بِالْإِمَامِ ، فَلَا يُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ إلَّا بِإِشَارَتِهِ ” انتهى من “المجموع” (3/ 128) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
” لَا يُقِيمُ – يعني المؤذن – حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ ، فَإِنَّ بِلَالًا كَانَ يَسْتَأْذِنُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – . وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْمُؤَذِّنُ أَمْلَكُ بِالْأَذَانِ، وَالْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ ” انتهى من “المغني” (1/ 302) .
وعلى الإمام الراتب مراعاة حق المأمومين ، فيأتي المسجد لإمامتهم دون تأخير ، إلا لعذر ، وعلى المأمومين مراعاة حق إمامهم ، فلا يقدمون للصلاة بهم غيره ، وينبغي أن ينتظروه ما لم يشق ذلك عليهم.
فإذا تأخر الإمام عن الوقت المتفق عليه بين أهل المسجد ، فأقاموا الصلاة في وقتها المعهود ، وقدموا أحدهم ممن يحسن الإمامة : فلا شيء عليهم في ذلك ، ويُنصح الإمام بعدم التأخر.
انظر جواب السؤال رقم : (146970) .
رابعا :
ينبغي على الإمام أن يحرص على أن يصلي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) رواه البخاري (631).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” والأفضل للإمام أن يتحرى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يصليها بأصحابه ، بل هذا هو المشروع الذي يؤمر به الأئمة … فينبغي للإمام أن يفعل في الغالب ، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في الغالب ، وإذا اقتضت المصلحة أن يطيل أكثر من ذلك ، أو يقصر عن ذلك : فعل ذلك ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يزيد على ذلك ، وأحياناً ينقص عن ذلك “انتهى من “مجموع الفتاوى” (22/315-318) .
وعلى الناس أن يعينوه على ذلك ، ولا يكثروا التشغيب عليه ، ومخالفته ، ونقده ، ما أقام فيهم السنة .
وعلى الإمام أن يبين السنة للناس ، وينصحهم بالحكمة ، ويتروى معهم ، ولا يكثر الجدال ، ويحرص على إقامة السنة ، ومعرفة الدليل ، مع التأكيد على ترفقه بهم في ذلك كله ؛ فإن الناس قد نشؤوا وتربوا على حال غير التي عهدت من السنة ، والفطام عن المألوف أمر عسير ، فالمشروع في حق الإمام ألا يشق على الناس ، وأن يترفق بهم ، ويتوسط في أمره ، ويتدرج معهم ، في نقلهم عما ألفوه ، إلى الحال الفاضلة ، والسنة الكاملة .
وليحرص أهل المسجد جميعا على توافر المحبة والوئام بينهم ، ولإمام المسجد في ذلك دور كبير ، وخاصة في خطب الجمعة ، أو الدروس التي يلقيها ، وإنما شرع الله الصلاة في المساجد للاجتماع على ذكره وعبادته، ولا يتم ذلك كما يحب ربنا ويرضى إلا إذا اجتمع الناس في بيوت الله على الألفة والمحبة ، وقصد وجه الله والدار الآخرة ، لا على الخلاف والنزاع والشقاق والجدال.
ولذلك فإن مهمة الإمام كبيرة ، ومسئوليته عظيمة ، وخاصة إذا كان يخطب بهم الجمعة ، ويلقي عليهم الدروس ، وينظم الدورات العلمية ، فإن مقامه هذا هو مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين من بعده ، وأئمة الهدى والصلاح من بعدهم .
خامسا :
الكلام في المسجد : إن كان فيه تشويش على المصلين والتالين والدارسين فإنه لا يجوز ، أما إن لم يكن فيه تشويش فيجوز، وإن كان في أمور الدنيا ، ما لم يكن محرما في ذاته ، أو كان كثيرا ملهيا شاغلا عن ذكر الله .
وينظر جواب السؤال رقم : (4448)، (127068) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (106526) ، (142325).
والله تعالى أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة