0 / 0

هل يقرأ سورة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة ؟

السؤال: 234216

لدي سؤال في القراءة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة , وقد أشرتم في فتوى رقم :(131010) لفتوى ابن باز -رحمه الله-.

السؤال :

ما سبب قياس العلماء حديث أبي قتادة -رضى الله عنه- في عدم القراءة بعد الفاتحة في الثالثة والرابعة على صلاة المغرب والعشاء ولم يقيسوا حديث أبي سعيد -رضى الله عنه-في ذلك ؟
وكيف جزم أبو قتادة في ذلك مع أنها صلاة سرية , أما أبو سعيد فقال (حزرنا..) ؟

الشق الثاني:

في حديث أبي سعيد عند مسلم وغيره : ” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية ، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية أو قال نصف ذلك ، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية ، وفي الأخريين قدر نصف ذلك ‘.
أليس الأوليان من الظهر دليلا على القراءة الطويلة نوعا ما, 30 آية ؟
والأخريان من الظهر والأوليان من العصر دليلا على الزيادة على الفاتحة 15 آية ، والأخريان من العصر ألا تكون دليلا على عدم القرآءة بعد الفاتحة لأنها قد النصف , 7 او8 آيات
تقريبا الفاتحة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
روى البخاري (759) ، ومسلم (451) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ : ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ” .
فهذا الحديث يدل على الاقتصار على الفاتحة في الركعتين الأخريين .

ولكن يعارضه ما رواه مسلم (452) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ – وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ ” .

فاختلف العلماء في العمل بهذين الحديثين ، وأكثرهم قَدَّم العمل بحديث أبي قتادة [وهو مذهب الأئمة الأربعة ، إلا قولا للشافعي وأحمد) ، وذلك لما يلي :
1- أنه أصح من حديث أبي سعيد ، فقد رواه البخاري ومسلم ، أما حديث أبي سعيد فقد انفرد به مسلم .
2- أن حديث أبي قتادة وافق المنقول عن أكابر الصحابة رضي الله عنهم كعمر وعلي وابن مسعود وجابر وعائشة ، بل نقل ابن سيرين رحمه الله ما يفهم منه الإجماع على ذلك .
فقد كَتَبَ عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه إلَى شُرَيْحٍ : ” أَنْ اقْرَأْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ ” انتهى من ” الأوسط ” (3/268) .
وعن علي رضي الله عنه أنه : ” كان يأمر أو يحث أن يقرأ خلف الأمام في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة ، وفي الركعتين الأخريين بفاتحه الكتاب” رواه الدارقطني وقال: وهذا إسناد صحيح ، وصححه الألباني في “إوراء الغليل” (2/283) .
وورى ابن ماجه ( 843 ) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : ” كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ” صححه الألباني في “إوراء الغليل” (2/288) .
وقال ابن سيرين : لا أعلمهم يختلفون في أنه يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة ، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب ” انظر : “المغني” (2/281) .

وهذه طائفة من أقوال العلماء في ذلك :
قال الصنعاني في “سبل السلام” (2/118) عن الجمع بين الحديثين :
“وَلَعَلَّهُ [حديث أبي قتادة] أَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ ، لِأَنَّهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ ، وَمِنْ حَيْثُ الدِّرَايَةُ ، لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَجْزُومٌ بِهِ ، وَخَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ ، وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ حَزْرٍ وَتَقْدِيرٍ وَتَظَنُّنٍ” انتهى .

وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه “الصلاة” (ص 185) :
“وقد احتج بحديث أبي سعيد من استحب قراءة السورة بعد الفاتحة في الأخريين ، وهو ظاهر الدلالة لو لم يجئ حديث أبي قتادة المتفق على صحته : أنه ( كان يقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب) ؛ فذكر السورتين في الركعتين الأوليين واقتصاره على الفاتحة في الأخريين : يدل على اختصاص كل ركعتين بما ذكر من قراءتهما. وحديث أبي سعيد يحتمل لما قال أبو قتادة ، ولما قال أبو سعيد ، وحديث أبي سعيد ليس صريحا في قراءة السورة في الأخريين ، فإنما هو حزر وتخمين” انتهى .
وسيأتي في كلام ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد” أنه يمكن الجمع بين الحديثين .

وإذا كان حديث أبي قتادة أرجح ، فقياس القراءة في الأخيرة من المغرب ، والأخريين من العشاء ، عليه : أولى وأظهر ، وهو ما ذهب إليه أكثر العلماء ، ولم يقيسوا الأمر في المغرب والعشاء على حديث أبي سعيد .
وكذلك فعل ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (2/281) حيث قال :
” مَسْأَلَةٌ : قَالَ الخرقي رحمه الله ( وَلَا يَزِيدُ عَلَى قِرَاءَةِ أُمِّ الْكِتَابِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَالرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَغْرِب)
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ : أَنَّهُ لَا تُسَنُّ زِيَادَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى أُمِّ الْكِتَابِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ … ثم استدل بحديث أبي قتادة ” انتهى .

ثانيا :
وقد ذهب الإمام الشافعي رحمه الله في أحد قوليه إلى تقديم حديث أبي سعيد ، وقاس عليه سائر الصلوات ، إلا أن الصحيح عند أكثر أصحابه القول الآخر الموافق لحديث أبي قتادة ، ولجماهير العلماء ، كما ذكر ذلك النووي رحمه الله في “المجموع” (3/351) .

ثالثا :
ذهب بعض العلماء إلى الجمع بين حديثي أبي قتادة وأبي سعيد ، بأن حملوا حديث أبي قتادة على الغالب والأكثر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحديث أبي سعيد على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يزيد على الفاتحة في الركعتين الأخريين أحيانا .
قال الصنعاني رحمه الله في “سبل السلام” (2/118) :
” وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصْنَعُ هَذَا تَارَةً ، فَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ مَعَهَا ، وَيَقْتَصِرُ فِيهِمَا أَحْيَانًا ، فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا فِيهِمَا سُنَّةً تُفْعَلُ أَحْيَانًا ، وَتُتْرَكُ أَحْيَانًا” انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد” (1/239) :
“وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا أَكْثَرُ فِعْلِهِ [يعني العمل بما في حديث أبي قتادة] ، وَرُبَّمَا قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِشَيْءٍ فَوْقَ الْفَاتِحَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أبي سعيد ” انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” الذي يظهر أن إمكان الجَمْعِ حاصلٌ بين الحديثين ، فيُقال: إن الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم أحياناً يفعل ما يدلُّ عليه حديث أبي سعيد ، وأحياناً يفعل ما يدلُّ عليه حديث أبي قتادة ” .
انتهى من “الشرح الممتع” (3/ 215).
وينظر تقرير الشيخ ابن باز رحمه الله ، في النص المنقول عنه ، في السؤال رقم :(131010).

رابعا :
أما جزم أبي قتادة رضي الله عنه بذلك مع أن الصلاة كانت سرية ، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بذلك ، ويحتمل أنه قامت عنده قرائن على هذا الحكم ، وقويت عنده فأخبر بهذا على سبيل الجزم .
قال ابن دقيق العيد تعليقا على حديث أبي قتادة :
” فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الْحَالِ فِي الْإخْبَارِ ، دُونَ التَّوَقُّفِ عَلَى الْيَقِينِ .
لِأَنَّ الطَّرِيقَ إلَى الْعِلْمِ بِقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي السِّرِّيَّةِ : لَا يَكُونُ إلَّا بِسَمَاعِ كُلِّهَا .
وَإِنَّمَا يُفِيدُ الْيَقِينُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي الْجَهْرِيَّةِ .
وَكَأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ سَمَاعِ بَعْضِهَا ، مَعَ قِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَى قِرَاءَةِ بَاقِيهَا .
ويحتمل أن يَكُونَ أَخْذَ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهو بعيدٌ جداًّ” .
انتهى من ” إحكام الأحكام ” (ص 275) ، ونقله عنه الحافظ ابن حجر في ” فتح الباري” (2/286) .

خامسا :
أما دلالة حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ في الركعتين الأخريين شيئا بعد الفاتحة ، فليس كذلك ، لأن الظاهر أنه أراد بقراءة خمس عشرة آية في الأخريين من الظهر ، ونصف ذلك في الأخريين من العصر أي : بعد قراءة الفاتحة .
ولذلك قال الطحاوي رحمه الله : “ففي ذلك ما قد دل على أنه قد كان يقرأ في الركعتين الأخريين من الظهر ، وفي الركعتين الأخريين من العصر : زيادة على فاتحة الكتاب ، التي هي سبع آيات لا غير” انتهى من “بيان مشكل الآثار” (11/212) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android