تنزيل
0 / 0
112,52122/04/2016

من هو الذي ينشأ في الحلية ؟

السؤال: 234802

في أحد المواقع الإسلامية ، تم تفسير حديث ( ناقصات عقل ودين ) كما سيرد في الكلام الآتي:
” يبين أن المرأة لا تقل في عقلها عن الرجل ، من حيث إنها ناقشت الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنها جزلة ، أي : ذات عقل وافر . ومن حيث أن الواحدة منهن تَذهب بعقل اللبيب ، أي الوافر العقل . فكيف تَذهب بعقله إذا لم تكن أذكى منه ، أو أنه ناقص عقل على أقل الاحتمالات .
بالإضافة إلى ذلك فإن الإسلام يعتبر أن المرأة والرجل سواءٌ أمام التكاليف الشرعية ، من حيث الأداء والعقوبة ، فلو كانت المرأة ناقصة عقل ، فكيف يكون أداؤها وعقوبتها بنفس المستوى الذي للرجل ، فهذا ينافي العدل الذي يتصف به الله ، وينادي به الإسلام ، فناقص العقل لا يُكلَّف بمثل ما يكلف به من هو أكمل منه عقلاً ، ولا يُحاسب بنفس القدر الذي يُحاسب به ، على فرض أن الرجل أكمل عقلاً من المرأة ”
وهذا التفسير أوضح لي الأمر ، لكن الإشكالية هنا :
عن قتادة ، قوله : ( أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) قال : الجواري يسفههنّ بذلك ، غير مبين بضعفهنّ .
ثنا ابن ثور، عن قتادة : وأما قوله : ( وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) يقول : قلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها .
كيف يكون معنى الآية الكريمة تسفيه النساء ، وأن حجتها على نفسها ، بينما أثبت تفسير الحديث عكس ذلك تماما .
وفي بعض التفسيرات الأخرى حسب ما أذكر يقال : كيف تجعلون أدنى الجنسين بنات لله .
ولو كانت الآية المقصود بها النساء ، فلِمَ لَمْ يقل الله عز وجل : ( أو من تنشأ في الحلية وهي في الخصام غير مبين )
وأخيرا ، هناك تفسير للآية في مقطع على اليوتيوب ، أن المقصود به هم الكفار الذين نسبوا لله البنات ، وهم في الخصام غير مبينين لحجتهم ، والحلية لها تفسير آخر ؛ لأنه لم يتبعها كلمة تلبسونها ، تفسير صحيح ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

اختلف المفسرون في المقصود بقول الله عز وجل : ( أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي
الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) الزخرف/18، على قولين :
القول الأول :
المقصود النساء اللاتي يُنشأن على لبس الزينة والحلي ، وهن لضعفهن وحيائهن لا يتمكن
من إقامة حجتهن ، ولا يقدرن على الحجاج والخصام .
وهذا قول جماهير المفسرين من المتقدمين والمتأخرين ، ثبت عن مجاهد ، وقتادة ،
والسدي ، كما أسنده عنهم الإمام الطبري في ” جامع البيان ” (21/579)، واستقرت عليه
معظم التفاسير المطبوعة ، المختصرة والموسعة .
وليس في هذا القول تسفيه للنساء ، ولا تقليل من شأنهن وقدرهن ، وإنما مرتكزه : جبلة
الحياء الذي خلقت عليه المرأة ، وإيثارها اجتناب الجدال والخصام ، كما هو مركوز في
فطرتها وطبيعتها التكوينية ، وهذا ثناء عليها ، واعتبار للقيمة التي تحوزها في
تركيبها .
وقد نفى رب العزة عن نفسه اتخاذ الصاحبة والولد مطلقا ، فقال سبحانه : ( وَأَنَّهُ
تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ) الجن/ 3 .
فقد تنزه سبحانه عن ذلك : لأنه يتنافى وخالقيته وأزليته ووحدانيته وصمديته ، وليس
لأن الزوجة والولد نوعٌ ناقصٌ محتقرٌ بين أنواع المخلوقات ، فإن مثل ذلك كمال في حق
المخلوق ، ونقص في حق الخالق سبحانه ، ولم يستلزم ذلك في دلالة اللغة أو الشرع
التنقص من الزوجة والأولاد عموما ، فكذلك الشأن في هذه الآية الكريمة الواردة في
السؤال ، لا تستلزم نسبة الاحتقار لجنس الإناث .
القول الثاني :
المقصود الأوثان والأصنام التي يصنعها الكفار من ( الحلية ) الذهب والفضة ، وهي لا
تملك سمعا ولا بصرا ولا نطقا ، فلا تستطيع أن تُبين أو تعرب عن نفسها .
قال ابن زيد :
” هذه تماثيلهم التي يضربونها من فضة وذهب ، يعبدونها ، هم الذين أنشئوها ، ضربوها
من تلك الحلية ، ثم عبدوها ( وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) قال : لا
يتكلم ، وقرأ (فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) ” انتهى من ” جامع البيان ” (21/580)

وبعد التأمل في ما يمكن أن يستدل له لكلا القولين ، يتبين أن الراجح هو القول
الأول ، إذ يمكن الاستدلال له بدليلين ظاهرين :
الدليل الأول :
أنه يعضده سياق الآيات ، فهو يتحدث عن نظرة المشركين إلى الأنثى من الجهة العقائدية
، حيث جعلوهن بنات الله ، ومن الجهة المجتمعية حيث نسبوا إليهن النقص والعيب والعار
، وهذا سياق الآيات : ( أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ
بِالْبَنِينَ . وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ
وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ . أَوَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ
فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ . وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ
الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ )
الزخرف/16-19.
ولا شك أن تفسير الآية بما يناسب السياق ، ويتوافق معه : أولى من قطع معناها عن
سِباقها ولِحاقها .
يقول الإمام الطبري رحمه الله :
” أولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عُنِي بذلك الجواري والنساء ؛ لأن ذلك
عقيب خبر الله عن إضافة المشركين إليه ما يكرهونه لأنفسهم من البنات ، وقلة معرفتهم
بحقه ، وتحليتهم إياه من الصفات والبخل ، وهو خالقهم ومالكهم ورازقهم ، والمنعم
عليهم النعم التي عددها في أول هذه السورة ؛ ما لا يرضونه لأنفسهم ، فإتباع ذلك من
الكلام ما كان نظيرا له، أشبه وأولى من إتباعه ما لم يجر له ذكر ” انتهى من ” جامع
البيان ” (21/580) .
وقال أبو إسحاق الزجاج رحمه الله :
” الأجود أن يكون : يعني به المؤنث ” انتهى من ” معاني القرآن ” (4/407) .
ولو رجحنا القول الثاني الذي يقصد الأوثان ، لتخللت هذه الأوثان في سياق آيات قبلها
تتحدث عن الإناث ، وآيات بعدها تتحدث عن الإناث أيضا في عقائد المشركين ، وهو
انقطاع في المعنى والسياق لا يليق ، لذلك كان القول الأول هو الأرجح .
الدليل الثاني :
قوله تعالى : ( وهو في الخصام غير مبين ) ، فالأنثى تخاصم ، ولكنها لا تظهر في
حجتها ولا في قوة خصامها .
أما الأوثان فلا يخاصمون أبدا ، لا خصاما مبينا ، ولا غير مبين .
يقول أبو حيان الأندلسي رحمه الله :
” ويبعد هذا القول [يعني القول الثاني] قوله : ( وهو في الخصام غير مبين ) ، إلا إن
أريد بنفي الإبانة : نفي الخصام ، أي : لا يكون منها خصام ” .
انتهى من ” البحر المحيط في التفسير ” (9/ 363) .

وأما الاستدلال على ترجيح القول الثاني بأن الضمير في قوله تعالى ( وهو في
الخصام ) للمذكر ، وهذا لا يناسب تفسير الآية بالإناث ؛ فهذا استدلال خاطئ من جهة
اللغة وقواعدها ، ولم يحتج به ( ابن زيد ) رحمه الله .
فالضمير ( هو ) يعود على ( من ) الموصولة في أول الآية ( أَوَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي
الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ )
و ( من ) الموصولة يجوز أن يعود الضمير عليها بصيغة التذكير ، باعتبار أن لفظ ( من
) مذكر ، حتى لو كان معناها هو المؤنث ، فالعرب قد تقصد تذكير اللفظ ولا تلتفت
للمعنى .
ويجوز أن يعود الضمير بصيغة التأنيث ، إذا كان معناها يدل على الأنثى .
يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
” تذكير ضمير ( وهو في الخصام ) مراعاةً للفظ ( مَن ) الموصولة ” .
انتهى من ” التحرير والتنوير ” (25/182) .
ويشبه هذا أيضا : (مَنْ) الشرطية ، فإن لفظها مذكر ، وقد يكون مدلولها مؤنثا .
تأمل معنا قول الله عز وجل : ( وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ
وَتَعْمَلْ صَالِحًا ) الأحزاب/31 ، لماذا استعمل صيغة التذكير في الفعل ( يقنت ) ،
رغم أن ( مَن ) المقصود بها هنا أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن ؟
وجواب ذلك ، هو ما ذكرناه آنفا من أن ذلك أمر معروف ، شائع في لغة العرب . والملحظ
فيه تذكير لفظ ( مَن ) ؛ بل هذا هو الكثير المستعمل في القرآن .
يقول الأخفش رحمه الله :
” ( يَقْنُتْ ) فجعله على اللفظ ؛ لأن اللفظ في ( مَن ) مذكّر ، وجعل ( تَعْمَلْ )
و ( نُؤْتِهَآ ) على المعنى ” انتهى من ” معاني القرآن ” (1/37) ، وانظر ” معاني
القرآن ” للزجاج (4/228) .
ويقول ابن خالويه :
” ذكّر على لفظ ( مَن ) وهو يريد نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : ( وتعمل
صالحا ) فأنّث ” انتهى من ” ليس في كلام العرب ” (ص220) .
ويقول الزمخشري رحمه الله – عن الاسم الموصول ( من ) -:
” توقع على الواحد والاثنين والجمع ، والمذكر والمؤنث . ولفظها مذكر ، والحمل عليه
هو الكثير .
وقد يحمل على المعنى . وقرئ قوله تعالى : ( وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا ) [الأحزاب: 31]، بتذكير الأول ، وتأنيث الثاني .

وقال تعالى : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ) [يونس: 42]. وقال الفرزدق
: نكن مثل من يا ذئب يصطحبان ” انتهى من ” المفصل في صنعة الإعراب ” (ص: 187).
وانظر ” معاني القرآن ” للفراء (2/111) ، ” الأصول في النحو ” للسراج (2/396) .
وشرح كلام الزمخشري هذا العلامة ابن يعيش رحمه الله فقال :
” اعلم أن ( مَنْ ) لفظُها واحدٌ مذكرٌ ، ومعناها معنى الجنس لإبهامها ، تقع على
الواحد والاثنين والجماعة ، والمذكر والمؤنث .
فإذا وقعتْ على شيء من ذلك ، ورددتَ إليها الضميرَ العائد من صلتها ، أو خبرِها على
لفظها نفسِها ، كان مفردًا مذكّرًا ؛ لأنه ظاهرُ اللفظ ، سواء أردتَ واحدًا مذكرًا
، أو مؤنثًا ، أو اثنين ، أو جماعةٌ .
وإن أعدتَ الضمير إليها على معناها ، فهو على ما يقصِده المتكلمُ من المعنى .
فأمّا ما أُعيد إليه على اللفظ فنحو قوله تعالى : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ
إِلَيْكَ )، وقوله : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا )، ( وَمَنْ
يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )، وعليه أكثرُ الاستعمال …
وأما المؤنّث ، فنحو قولهم فيما حكاه يونس : ” مَنْ كانت أُمَّك “، أُنّث ” كَانَتْ
” حيث كان فيها ضميرُ ” مَنْ ” وكان مؤنثًا ؛ لأنه هو الأمُّ في المعنى .
ومن ذلك قراءةُ الزعْفَراني ، والجَحْدَري : ( وَمَنْ تَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا )، بالتاء فيهما ، حيث أراد واحدة من النساء ، جعل
صلته ، إذ عني المؤنّث : كصلة “التي”. وقرأ حَمزَةُ والكِسائي: ( يَقْنُتْ ويعْمَلْ
) بالياء على التذكير حملًا على اللفظ فيهما .
وقرأ الباقون من السبعة : ( يَقْنُتْ ) بالتذكير على اللفظ ، و ( تَعْمَلْ )
بالتأنيث على المعنى ” انتهى من ” شرح المفصل لابن يعيش ” (2/ 415) .

وهذا الجواب اللغوي – كما ترى – دقيق قد يخفى مثله على من يتجرأ على التفسير ،
ويتحدث فيه من منطلق آرائي محض ، وليس من منطلق موضوعي ، أو تأصيل علمي ، أو تأويل
مأثور عن العلماء الأولين .
وأما باقي ما ورد في السؤال ، في تفسير حديث ( ناقصات عقل )، وقضية مساواة المرأة
بالرجل ، فقد سبق الخوض فيها بالتفصيل في موقعنا ، في الفتوى رقم : (111867) ،
(115534) .

ولسنا في صدد متابعة مقاطع الفيديو ، وإعداد الردود على ما ورد في كل كلمة
منها ، وإنما مقصدنا الحديث عن المسألة العلمية بتجرد وموضوعية .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android