0 / 0

تركه أهله في المستشفى رضيعاً بسبب مرضه ، فاعتنى به الطبيب حتى كبر وأعاده إليهم، فكيف يتعاملون مع نفوره منهم ؟

السؤال: 237944

وُلد ابننا البكر قبل أوانه ، وقد عانى من مشاكل صحية متعددة ومكث في المستشفى طويلاً، وأفاد الأطباء حينها أن فرص نجاته ضئيلة ، فما كان منّا إلا أن تساهلنا في الأمر وقلصنا زياراتنا إليه، وحملت بالمولود الثاني ، وانشغلنا ثم نسيناه تماماً، وتوقفنا عن دفع كلفة علاجه ، ونتفاجىء بعد عشر سنوات بشخص من المستشفى يزورنا في البيت ، ويخبرنا أن ابننا تعافى، وقام بإحضاره إلينا ، ومنذ أن أتى وهو بارد المشاعر نحونا ، ولا يتحدث معنا على الإطلاق، ويقتصر فقط على الحديث مع الطبيب الذي عالجه ، فقمنا بتغيير الطبيب لعله يغيّر من سلوكه فلم يتغير ، والغريب أن الطبيب المعالج كان يعامله طيلة تلك المدة كابن ، وتوطدت العلاقة بينهما وبين ابني وابنته التي كان يحضرها من حين لآخر لتلعب معه ، وعلمه كيف يقرأ ويكتب، بل وعلمه القرآن ، ولقد حاولنا أن نفرق بينهم فازداد الأمر سوءاً ، وعندما كان في الثالثة عشرة وافت المنية طبيبه ، وكان يتمنى رؤية الولد فلم نسمح له ، فكانت تلك القشة التي قصمت ظهر البعير إذ ناصبنا العداء التام منذ تلك اللحظة ، وعندما بلغ سن التاسعة عشرة أعلمنا أنه سيتزوج بنت ذاك الطبيب فحاولنا منعه ، فقال : إنه إنما أخبرنا للإعلام لا لطلب الإذن ، وتزوجها وابتعد عنّا ، وجاء لزيارتنا بعد أن أنجبوا الطفل الأول ، ومن حينها وأنا أفكر في طريقة للمّ الشمل من جديد ، فما نصيحتكم ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

بداية ، أيتها السائلة الكريمة ، لا نخفيك سرا ، ولا نكتمك حديثا ؛ لقد هالنا ما حصل منكما ، أنت وزوجك ، تجاه مولودكما الصغير .
لقد “رميتما به” في “غيابة” المستشفى ، وتركتماه ، ومضيتما لحياتكما دون أدنى شعور بالمسؤولية ، أمام الله أولا ، ثم أمام أنفسكما ، ثم أمام المجتمع .
وجئتما إلى بيتكما ، ومضيتما في عيشكما وادعين ، لا تبكيان !!
لقد مضيتما في حياتكما ، وكأن شيئا لم يكن في حياتكما ، هو مولود لكما .
فلنفترض أنه مات ، ألم يكن يستحق منكما أن توارياه التراب ، ثم تمضيا لحياتكما ؟!!
لكن قضاء الله لولدكما كان أمرا آخر ، لقد اصطنع الله البر الرحيم له : من يقوم لولدكما ، بما لا يقوم به أكثر الآباء لأبنائهم .
لقد لطف الله به وصنعه ، وهيأ له هذا الطبيب ، الذي قل أن يجود الزمان بمثله .
فحدثيني بربك : كم من الناس من يصبر على ابنه المريض ؛ ليطببه ، ويرعاه ، ثم يربيه ، حتى يكبر ، ويعلمه ، ويؤدبه ، ويعلمه القرآن ؟!!
فسبحان من اصطنع للصغير الميئوس من عيشه ، الميئوس من نفعه ، سبحان من اصطنع له هذا الطبيب !!
سبحان من أبدله والدا ، خيرا من والده ، وأهلا ، خيرا من أهله ، وعيشا ، خير من بيته ، وهو بعد في هذه الدنيا : رضيع ، مريض ، ميئوس من أن يعيش ، لا يرجى نفعه ، ولا يؤمل خيره !!
ثم جاءكم ذلك العطاء ، تلك الهبة ، هذه الهدية “المجانية” : صبي ، معلم ، في سن العاشرة ، يقول لكم : “طبيبه” ، و”مربيه” إنكم ـ أنتم ـ أهله ، أمه ، وأبوه ، وهو فقط ، أمين ، قد أدى الوديعة ، والأمانة إلى أهلها !!
فـ: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) !!
(لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ ، مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ ) !!
ليتكما تركتما شكر من “وهبكما” جهده ، وعمره ، وثمرة فؤاده ، وهبكما ولدا ، وقال لكما : هذا ابنكما ، ليس لي من “نسبه” ولا “كده” : شيء .
فقط ؛ زودونا منه : الود ، واللقاء ، وحسن العهد ، والوصال !!
فأبيتما أن تزوداه إلا الجفاء ، وجزيتماه ، من بره وعطفه ، جزاء سنمار ، وحُلتما بين الحبيب وحبيبه : أن يلقاه ، أو يراه !!
غفر الله لكما ، وأصلحكما ، ما كان أقساكما على الولد ، و”مربيه” ، الذي هو خير من “أبيه” ، وما كان أشد جحودكما للإحسان ، وكفركما لنعمة بني الإنسان !!
ماذا كنتما تنتظران من الولد ؟
أن يقدم “الأب البيولوجي” الذي لم يكن يعرفه ، ولا يلقاه ، ولا يراه ، عشر سنين طوالا ؛ حتى شب عن الطوق ، وصار صبيا ، مميزا ، مُعلَّما ؛ أم يجعل قلبه ، ووده ، وبره ـ كله ـ لـ”أبيه” الذي عرفه ، ورعاه ، ورباه ؟!!
لم تكونوا بحاجة إلى ذلك “الفطام” المؤلم ، بل إلى ذلك “البتر” القاسي ، لولدكما ، عن ذلك الطبيب الرحيم ، حتى ماتمن غير أن يزود من “ولده” : نظرة ، قبل الرحيل .
ثم كانت الأقسى من ذلك : أن تهدما في نفسه ، ما بقي من ذكرى الوصال ، وطيب العيش ، وماضي الذكريات ، مع “أسرته” التي نشأ في كنفها ؟
ما كان ضركما ، لو أعنتماه على ما أراد ، وزوجتماه بتلك الفتاة .
إما رغبها لأنه تعلق بها ، أو أراد شكر الإحسان ، وحفظ الجميل ، وبقاء الذكر موصولا ؛ فما كان ضركما ، غفر الله لكما ؟!
لكن ، قد مضى ذلك كله ، وكان ما كان ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .
والآن ؛ فإنما نذكر لك ذلك كله ، لتعلمي ـ أنت وزوجك ـ كم كان خطؤكما فادحا ، مركبا ، متتابعا .
لكن ربي رحمن رحيم ، فليكن أول ما تفعلانه : أن تتوبي إلى الله أنت وزوجك مما فات : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ) هود/90 .
واعرفي لربك المنعم ، نعمته عليك وعلى زوجك ، أن جاء إليكما بولدكما ، من بعد أن نزغ الشيطان بينكم ، وحال بين الأسرة ، واجتماع شملها : ( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) يوسف/100 .
فليكن خير كفارة ، لما تركتما من جزاء الإحسان ، وتورطتما فيه من الجحود ، والكفران : أن تحسنا غاية الإحسان لهذه الفتاة التي اختارها ولدكما زوجة له ، أحسنا إليها غاية الإحسان ، وأكرماها كل الكرامة التي تقدرون عليها ، لتكن منكما بمنزلة البنت الأثيرة المحببة إلى والديها ، بل فوق ذلك ، فإنها ابنتكما ، إذا كنتما تريدان أن تردا إحسان والدها إلى ابنكما ، إن استطعتما من ذلك الرد شيئا ، ذا بال .
وهي ، بعد ذلك ، زوجة ابنكما ، وقد كان منكما في حقه ، ما تعلمان ؛ فاستكثرا من الإحسان ، والحفظ والرعاية لهما ، والعناية بإصلاح شأنهما ، جهدكما : ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) هود/114 .
ولا نرى لكما طريقا إلى قلب ولدكما ، وإلى رأب الصدع ، ولم الشمل : إلا ذلك ، واحمدا الله أن ولدكما ، قد بقيت فيه ، رغم ذلك كله ، بقية من الوفاء ، والوصال ، ورغبة في أن يجتمع شمله بأسرته .
فقرباه ، هو وزوجته ، واجتهدا في أن يسكنا قريبا منكما ، وأن يدوم الوصال بينكما ، واجتهدا معه في طي صفحة الماضي ، وألم الذكريات القديمة .
نسأل الله أن يصلح شأنكم ، وأن يجمع شملكم ، بابنكم ، وزوجته ، على خير حال .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android