إلى أي مدى يمكن للزوج توجيه زوجته فيما تفعل ؟ وهل يمكنه استخدام القوة معها لفعل أي شيء حتى وإن كان تافهاً ؟
هل للزوج إلزام زوجته بالقوة لتفعل ما يريد ؟.
السؤال: 238820
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أمر الله سبحانه الرجال أن يعاشروا أزواجهم بالمعروف , حتى وإن كانوا يَكْرَهونهن قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/19 .
قال الإمام الطبري – رحمه الله – : “عاشروهن بالمعروف ، وإن كرهتموهن ؛ فلعلكم أن تكرهوهن فتمسكوهن ، فيجعل الله لكم في إمساككم إياهن على كُرهٍ منكم لهن خيراً كثيراً ، مِن ولدٍ يرزقكم منهن ، أو عطفكم عليهن بعد كراهتكم إياهن ” انتهى من ” تفسير الطبري ” (8 / 122) .
والرحمة والرأفة والرفق هي أخلاق المؤمنين الذين يتأسون بنبيهم صلى الله عليه وسلم الذي وصفه ربه بقوله : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) التوبة / 128.
وروى مسلم في صحيحه (2594) عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ).
وروى مسلم أيضا (17) أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال لأشج عبد القيس : ( إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ ) .
وعندما أرسل الله تعالى عبديه ورسوليه ، موسى وهارون ، إلى عدوه فرعون ؛ أمرهما بالتلطف معه في الحديث : (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) طه/ 43، 44 .
فالإسلام هو : الحنيفية السمحة التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن خُلُقه : اللطف والرأفة والرفق ، ومِن أولى الناس بذلك : الزوجة التي أمر الله تعالى بمعاشرتها بالمعروف ، والرفق هو من المعروف ؛ بل إنه من أعرف المعروف.
ومن هنا نعلم أن توجيه الزوج لزوجه لا بد وأن يكون في إطار من الرحمة والرفق ، وبما يحافظ على طبيعة العلاقة الزوجية التي جعلها الله تعالى مبنية على المودة والرحمة .
لكن إن فرطت الزوجة في حق من حقوق الله تعالى ، أو حقوق الزوج ، وأصرت على المخالفة مع نصح الزوج لها : فإنها حينئذ تكون ناشزا ، وللزوج أن يتعامل معها وفق ما شرعه الله تعالى بخصوص النشوز ، والذي يشمل الوعظ ، والهجر في المضجع ، والضرب الخفيف غير المبرح .
ولتعلم الزوجة أنها بنشوزها تسقط حقها في النفقة والقسم ، وسائر الحقوق الشرعية التي أوجبها الله تعالى لها على زوجها, ويراجع للفائدة الفتوى رقم : (33597).
فإن كان ما تفعله الزوجة منكرا ظاهرا ، وقدر الزوج على تغيير هذا المنكر ، ولو بالقوة : فليفعل ؛ ما لم يترتب على ذلك شر كبير ، ومفسدة عظيمة .
فلو كانت مثلا تخرج متبرجة ، وقدر على إلزامها بالحجاب الشرعي ، ولو بالقوة : فليفعل ؛ ما لم يؤد ذلك إلى منكر أكبر ، أو مفسدة كبيرة , لأن إنكار المنكر فرض ، في الجملة ، وقد يتعين أحيانا على بعض الناس .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :” وقد يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضَ عينٍ ، وذلك في حق من يرى المنكر ، وليس هناك من ينكره ، وهو قادر على إنكاره ، فإنه يتعين عليه إنكاره لقيام الأدلة الكثيرة على ذلك ، ومن أصرحها قول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) أخرجه مسلم في صحيحه” انتهى من ” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 3 / 212 ) .
وأما الأشياء الصغيرة ، والتي ورد في السؤال وصفها بأنها “تافهة” فإنه لا ينبغي أن تكون مثار اهتمام الزوجين كليهما ، بل ينبغي التغاضي عنها والتجاوز عنها حتى تستقيم الحياة الأسرية .
وإلا فلو أثار كل من الزوجين مشكلة مع الآخر بسبب مثل هذه الأشياء لتحولت الحياة إلى جحيم .
ومعلوم أنه لابد أن يقع بين الزوجين اختلافات في أشياء كثيرة ، والعاقل هو من يتغاضى ويتجاوز ويضيق دائرة الخلاف إلى أضيق قدر ممكن .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة