0 / 0

هل إصابة العبد بالوسوسة والقلق والاكتئاب تعني عدم دخول الإيمان في قلبه ؟

السؤال: 238993

أنا انسان مسلم ومؤمن وموحد أعاني من الوسواس، والقلق، والاكتئاب، فهل هذا يعني عدم دخول الإيمان إلى قلبي ؟
وما تفسير قوله تعالى : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) الأنعام/ 125 ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

إصابة الإنسان بالوسواس لا تعني عدم دخول الإيمان في قلبه ؛ فقد كانت الوساوس تعرض لبعض الصحابة رضي الله عنهم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : “ جاء أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه : إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ، فقال : ( أو قد وجدتموه؟) ، قالوا : نعم , قال : ( ذاك صريح الإيمان) ” رواه مسلم (132).
وفي الصحيحين عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول من خلق ربك؟! فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ).
رواه البخاري ( 3276 ) ، ومسلم ( 134 ) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ” جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَنَا لَيَجِدُ فِي نَفْسِهِ الشَّيْءَ لَأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(اللَّهُ أَكْبَرُ! الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ أَمْرَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ) ” رواه أبو داود (5112) وصححه الألباني .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الإيمان : ” والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان ، بوساوس الكفر التي يضيق بها صدره . كما قالت الصحابة : يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به. فقال ( ذاك صريح الإيمان ). وفي رواية ما يتعاظم أن يتكلم به. قال : ( الحمد الله الذي رد كيده إلى الوسوسة). أي حصول هذا الوسواس ، مع هذه الكراهة العظيمة له, ودفعه عن القلوب هو من صريح الإيمان, كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه, فهذا عظيم الجهاد …” .
إلى أن قال : ” ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعُبَّاد من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم ، لأنه (أي الغير) لم يسلك شرع الله ومنهاجه ، بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه ، وهذا مطلوب الشيطان بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة ، فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله تعالى ” انتهى .
والواجب عليك – أخي الكريم – هو عدم الالتفات إلى هذه الوساوس البتة ، وإذا حصلت فتجاهلها واعتبرها هُراءً ووهمًا وكلامًا لا قيمة له ، وذلك مع كثرة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، والإكثار من ذكر الله تعالى ، والدعاء بأن يصرف الله عنك كيد الشيطان ، وملازمة ذكر الله تعالى ، آناء الليل ، وأطراف النهار ، وفي كل أحوالك ، والانشغال بما هو نافع من عِلم أو عمل أو عبادة أو نحو ذلك مما يعين على تجنب هذه الوساوس .
وهناك أمور أخرى تساعد في علاج تلك الوساوس تجدها في جواب السؤال رقم: (21052) ، و(210592).
مع التنبيه إلى أهمية عرض نفسك على طبيب نفسي أخصائي ، إذا زادت الوساوس عليك ، فالجمع بين العلاجين : الطبي الدوائي ، والمعرفي السلوكي الإيماني ، من شأنه أن يعينك على تجاوز ذلك ، بإذن الله ، ويعجل شفاءك .
أما إصابتك بالقلق والاكتئاب فلا يعني أيضًا عدم دخول الإيمان في قلبك ، وإنما قد يكون ذلك من نقص التوكل على الله ، أو ضعف اليقين بما عنده سبحانه ، أو لضعف في إقبالك على ذكر الله ، وتلاوة القرآن ، فإن ذلك من أعظم أسباب طمأنينة القلب .
وقد سبق الكلام عن علاج القلق والاكتئاب في جواب السؤال رقم: (45847) ، و(21677) فراجعهما.
ثانيا:
أما قوله تعالى : ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) الأنعام/ 125.
فالمقصود من قوله : ( يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ) هو : الكافر الذي لا يؤمن بالله تعالى ، ودل على ذلك خاتمة الآية إذ قال : (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) .
وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ ) يَقُولُ : يُوَسِّعْ قَلْبَهُ لِلتَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ بِهِ .
وقال في قوله تعالى : ( وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ) : يَجْعَلُ اللَّهُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ ضَيِّقًا ، وَالْإِسْلَامُ وَاسِعٌ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ والسُّدِّي : ( ضَيِّقًا حَرَجًا ) شَاكًّا .
وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ : ( ضَيِّقًا حَرَجًا ) لَيْسَ لِلْخَيْرِ فِيهِ مَنْفَذٌ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج ( ضَيِّقًا حَرَجًا ) بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ ، حَتَّى لَا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَدْخُلَهُ . كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ .
انتهى من ” تفسير ابن كثير ” ت سلامة (3/ 334).
وقال الشيخ ابن باز ” فهو سبحانه وتعالى يتصرف في عباده ، فقد يوفق هذا ويشرح قلبه للإيمان ويهديه للإسلام ، وقد يجعل في قلبه من الحرج والتثاقل عن دين الله ما يحول بينه وبين الإسلام ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب”(1/99 ، 100).
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android