0 / 0
16,69905/04/2016

رد بعض الشبهات عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى

السؤال: 239993

ما ردكم على من يقولى : إن ابن تيمية رحمه الله دلس في تاريخ وفاة جعفر الصادق حيث إنه توفي 148 للهجرة النبوية ، بينما ذكر ابن تيمية في كتابه ” منهاج السنة النبوية ” أنه توفي 48 ؟
وما ردكم على من يقول : إن ابن تيمية رحمه الله بدّع من يغسل اللحم ، وخالف بذلك الإمام أحمد بن حنبل ووصفه بالابتداع ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الشيخ الإمام العالم العلامة ابن تيمية الحراني ، إمام من أئمة الإسلام ، وعلم من أعلام الملة .
وقد حباه الله تعالى علما واسعا وعقلا فذا ، تبحر في شتى العلوم والفنون ؛ فكان مفسرا فقيها أصوليا محدثا لغويا ، إلى جانب علمه بالطب والفلك وغير ذلك من العلوم الدنيوية ، وكان رحمه الله تعالى قوالا بالحق ، لا يخشى في الله لومة لائم ، كما هو معلوم من سيرته .
وقد عرضه هذا لكثير من المحن والأزمات ، ويراجع جانب من ترجمة الشيخ رحمه الله تعالى في الفتوى رقم : (96323).

أما بخصوص ما ذكره السائل في سؤاله فجوابه فيما يلي:
أولا:
ورد في ” منهاج السنة النبوية ” (7 / 532): ما نصه “فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مِنْ أَقْرَانِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ، تُوُفِّيَ الصَّادِقُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ ، وَتُوُفِّيَ أَبُو حَنِيفَةَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُفْتِي فِي حَيَاةِ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِدِ الصَّادِقِ ، وَمَا يُعْرَفُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَخَذَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ، وَلَا عَنْ أَبِيهِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً ، بَلْ أَخَذَ عَمَّنْ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُمَا كَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، وَشَيْخِهِ الْأَصْلِيِّ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ ” انتهى.
هذا نص كلام الشيخ رحمه الله تعالى ورضي عنه ، ومن يتأمله بأدنى تأمل يعلم يقينا أن الكلام صواب ، ليس فيه خطأ ولا تدليس ، فشيخ الإسلام رحمه الله يذكر أن جعفرا كان قرينا لأبي حنيفة ، وأنه توفي سنة 48 هـ ، وأبو حنيفة توفي سنة 150 هـ .
فأي إنسان عنده عقل وإنصاف ، وعنده أدنى معرفة بكتب التواريخ ، وطريقتها في ذكر الوفيات ، ثم يقرأ هذا الكلام سوف يفهم مباشرة ، أن مقصود الشيخ : أن جعفرا توفي سنة 148 هـ ولكنه لم يذكر المائة اختصارا، لأنه ذكره مع أبي حنيفة ، وذكر أنهما كانا قرينين .

وهذه طريقة معروفة عند العلماء : يحذفون المائة والمائتين ، ونحو ذلك من أعداد المئات ، اختصارا ، ويكون في الكلام قرينة تدل عليها ، فيقولون توفي فلان سنة 50هـ ، وقصدهم 150 هـ ونحو ذلك .
ومن يطالع كتاب “تقريب التهذيب” للحافظ ابن حجر يقف على عشرات الأمثلة من هذا ، إن لن تكن بالمئات .
خذ هذين المثالين في صفحة واحدة من هذا الكتاب (ص257) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
-“حفص بن سليمان الأسدي … من الثامنة ، مات سنة ثمانين ، وله تسعون “.
-“حفص بن سليمان المِنْقَري .. من السابعة ، مات سنة ثلاثين ” .
فالمراد في الأول قطعا أنه مات سنة 180 هـ ، والثاني مات سنة 130 هـ ، فحذف المائة واكتفى بما يشير إليها ، وهو ذكر الطبقة ، فالأول من الطبقة الثامنة ، وهي الطبقة الوسطى من أتباع التابعين ، والثاني من الطبقة السابقة ، وهي طبقة كبار أتباع التابعين ، كما ذكر الحافظ ابن حجر في المقدمة ، عند بيانه ماذا يعني بهذه الطبقات .
فكذلك فعل شيخ الإسلام ، حذف المائة ، واكتفى بما يشير إليها ، وهو ذكر جعفر الصادق مع أبي حنيفة ، والنص على أنه كان قرينه .
فليس في الكلام تدليس ، وليس في الكلام خطأ مطبعي أيضا ، ولا خطأ من نسخ النساخ ؛ ولكن الهوى والكذب يحملان الإنسان على البهتان .
ولله در القائل :
وَكَم مِن عائِبٍ قَولاً صَحيحاً وَآفَتُهُ مِنَ الفَهمِ السَقيمِ
وَلَكِن تَأخُذُ الآذانُ مِنهُ عَلى قَدرِ القَرائِحِ وَالعُلومِ

ثانيا:
أما مسألة بدعة غسل اللحم قبل طبخه : فقد ورد ذكرها في ” مجموع الفتاوى” (21 / 522) حيث قال الشيخ رحمه الله تعالى : ” غَسْلُ لَحْمِ الذَّبِيحَةِ بِدْعَةٌ ؛ فَمَا زَالَ الصَّحَابَةُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَأْخُذُونَ اللَّحْمَ ، فَيَطْبُخُونَهُ وَيَأْكُلُونَهُ بِغَيْرِ غَسْلِهِ ، وَكَانُوا يَرَوْنَ الدَّمَ فِي الْقِدْرِ خُطُوطًا؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ ، أَيْ : الْمَصْبُوبَ الْمُهْرَاقَ ؛ فَأَمَّا مَا يَبْقَى فِي الْعُرُوقِ فَلَمْ يُحَرِّمْهُ ، وَلَكِنْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتْبَعُوا الْعُرُوقَ ، كَمَا تَفْعَلُ الْيَهُودُ الَّذِينَ بِظُلْمِ مِنْهُمْ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ، وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا.
وَسِكِّينُ الْقَصَّابِ : يَذْبَحُ بِهَا وَيَسْلَخُ ، فَلَا تَحْتَاجُ إلَى غَسْلٍ ؛ فَإِنَّ غَسْلَ السَّكَاكِينِ الَّتِي يُذْبَحُ بِهَا بِدْعَةٌ ” انتهى.

ومن يتأمل هذا الكلام بإنصاف ، يرى أن الشيخ رحمه الله تعالى ما كان يقصد أن مجرد غسل اللحم بدعة ، بل كان يقصد أن البدعة هي غسل اللحم تعبدا ، واعتقادا أن الدم الذي في العروق محرم نجس يجب غسله وتطهيره ، وهذا لا شك في كونه بدعة ؛ لأنه إذا ثبت أن الله تعالى لم يحرم هذا الدم المتبقي في العروق ، فمن تكلف ـ بعد ذلك ـ تحريمه ، وغسله ، معتقدا أن اللحم لا يطهر ولا يحل إلا بذلك ، فهو مبتدع ولا شك ؛ ” فكل مَن أحدث شيئًا ، ونسبه إلى الدِّين ، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه : فهو ضلالة ، والدين منه بريء “، كما جاء في “جامع العلوم والحكم” (2/128).
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (160876) .

وقد صرح فقهاء المذاهب بأن هذا الدم المتبقي في العروق غير محرم ، قال الكاساني في “بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع” (1 / 61): ” وَالدَّمُ الَّذِي يَبْقَى فِي الْعُرُوقِ وَاللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْفُوحٍ ، وَلِهَذَا حَلَّ تَنَاوُلُهُ مَعَ اللَّحْمِ” انتهى.
وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ الْمالِكِي : “إِنَّمَا يَحْرُمُ الْمَسْفُوحُ ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : لَوْلَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : (أَوْ دَمًا مسفوحا) لَاتَّبَعَ الْمُسْلِمُونَ مَا فِي الْعُرُوقِ ، كَمَا اتَّبَعَهُ الْيَهُودُ ” .
انتهى من ” الذخيرة ” للقرافي (4 / 106).
وفي “الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف” للمرداوي الحنبلي (1 / 327): ” فَأَمَّا الدَّمُ الَّذِي يَبْقَى فِي خَلَلِ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ ، وَمَا يَبْقَى فِي الْعُرُوقِ فَمُبَاحٌ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ إلَّا دَمَ الْعُرُوقِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيهِ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْعَفْوِ عَنْهُ، وَأَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَرَقَ، بَلْ يُؤْكَلُ مَعَهَا. انْتَهَى .
قُلْت: وَمِمَّنْ قَالَ بِطَهَارَةِ بَقِيَّةِ الدَّمِ الَّذِي فِي اللَّحْمِ ، غَيْرِ دَمِ الْعُرُوقِ ، وَإِنْ ظَهَرَتْ حُمْرَتُهُ : الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَالنَّاظِمُ ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، وَالرِّعَايَتَيْنِ ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَنَظْمِهَا. وَغَيْرِهِم” انتهى.

والمقصود من تتبع اليهود للعروق : ما ذكره بعض السلف كأبي مجلز وقتادة في تفسير قوله تعالى : ( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ) آل عمران/93 ، أن يعقوب عليه السلام كان حرم على نفسه أكل العروق من أي حيوان ، فكان بنوه يتبعون العروق ، يخرجونها من اللحم .
انظر ذلك في ” تفسير الطبري ” (6/12) .

وبهذا يعلم أن من غسل اللحم ، معتقدا أن ذلك من الدين : فإنه مبتدع يشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى ، وفيه شبه باليهود .
أما من غسل اللحم قبل طبخه على سبيل النظافة ، أو العادة : ففعله هذا لا يوصف بالبدعة ، ولا بضدها ؛ فإن البدعة المحرمة لا مدخل لها في العادات ، كما سبق بيانه في الفتوى المحال عليها آنفا.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android