ما صحة هذا الحديث ، والمراد منه؟
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنِسَائِهِ : ( لَيْتَ شِعْرِي أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الأَدِببِ تَخْرُجُ فَيَنْبَحُهَا كِلابُ حَوْأَبٍ ، فَيُقْتَلُ عَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ يَسَارِهَا قَتْلًا كَثِيرًا ثُمَّ تَنْجُو بَعْدَ مَا كَادَتْ ) .
الكلام على حديث : (أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الأَدبَبِ؟! تَخْرُجُ فَتَنْبَحُهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ).
السؤال: 240359
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
روى الإمام أحمد (24654) ، وابن حبان (6732) ، والحاكم (4613) ، وابن أبي شيبة (7/ 536) – واللفظ له – عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ:
” لَمَّا بَلَغَتْ عَائِشَةُ بَعْضَ مِيَاهِ بَنِي عَامِرٍ لَيْلًا نَبَحَتِ الْكِلَابُ عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قَالُوا: مَاءُ الْحَوْأَبِ ، فَوَقَفَتْ فَقَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً ، فَقَالَ لَهَا طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ: مَهْلًا رَحِمَكَ اللَّهُ ، بَلْ تَقْدَمِينَ ، فَيَرَاكَ الْمُسْلِمُونَ ، فَيُصْلِحُ اللَّهُ ذَاتَ بَيْنهِمْ ، قَالَتْ : مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: ( كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ ) “.
والحديث : صححه ابن كثير في “البداية والنهاية” (6/212) على شرط الشيخين، وكذا صححه محققو المسند ، والألباني في “الصحيحة” (474)على شرط الشيخين.
وصححه الذهبي في “السير” (3/453) ، والحافظ ابن حجر في “الفتح” (13/55) وقال : ” وسنده على شرط الصحيح ” وقال الهيثمي في “المجمع” (7/ 234):
” رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو يَعْلَى ، وَالْبَزَّارُ ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ ” .
ورواه الضياء في “المختارة” (179) ، والبزار – كما في “البداية والنهاية” (6/212) عن ابن عباس ، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو عند أزواجه: ( لَيْتَ شِعْرِي، أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الْأَدْبَبِ، تَخْرُجُ فَيَنْبَحُهَا كِلَابُ حَوْأَبٍ، يُقْتَلُ عَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ يَسَارِهَا قَتْلَى كَثِيرٌ، ثُمَّ تَنْجُو بَعْدَمَا كَادَتْ) .
وقال الحافظ في “الفتح” (13/55) : ” رجاله ثقات ” ، وكذا قال الهيثمي في “المجمع” (7/234) ، وصححه الألباني في “الصحيحة” (1/853) .
والحَوْأَب: قال ابن الأثير رحمه الله :
” مَنْزل بَيْنَ مَكَّةَ والبَصْرة ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَتْهُ عَائِشَةُ لمَّا جَاءَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ فِي وقْعَة الجَمل ” انتهى من ” النهاية ” (1/ 456) .
والجَمَلِ الأَدْبَبِ : أَراد الأَدَبَّ ، فأَظْهَر التَّضْعيفَ ، والأَدَبَّ: هُوَ الْكَثِيرُ الوَبرِ؛ وَقِيلَ: الكثيرُ وَبَرِ الوجهِ، لِيُوازِن بِهِ الحَوْأَبِ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: جَمَلٌ أَدَبُّ: كثيرُ الدَّبَبِ.
” لسان العرب ” (1/ 373) .
والحاصل :
أنه لما وقعت الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ، واختلف الناس ، خرجت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للإصلاح بينهم ، فلما وصلت إلى هذا المكان الذي يسمى ” الحوأب ” نبحتها الكلاب ، فلما سألت عن اسم المكان ، فأخبروها: تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي يخبر فيه عن إحدى زوجاته ، أنها تنبحها كلاب الحوأب ، وأنه يقتل حولها قتلى كثير ، وتنجو هي بعد أن كادت ألا تنجو ، وفي هذا خبر عن حصول الفتنة ، ووقوع المقتلة بين المسلمين .
فعزمت على الرجوع ؛ إذ لا يحسن بها أن تكون طرفا في الفتنة ، أو سببا في المقتلة ، من قريب أو بعيد ، فألحوا عليها في مواصلة السير ؛ عسى الله أن يصلح بها بين الناس ، فكان ما كان .
وقد ثبت عنها رضي الله عنها بعد ذلك أنها ندمت على هذا الخروج .
قال الذهبي رحمه الله :
” روى إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَتْ تُحَدِّثُ نَفْسَهَا أَنْ تُدْفَنَ فِي بَيْتِهَا ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَحْدَثْتُ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَثاً، ادْفِنُوْنِي مَعَ أَزْوَاجِهِ فَدُفِنَتْ بِالبَقِيْعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
قُلْتُ: تَعْنِي بِالحَدَثِ: مَسِيْرَهَا يَوْمَ الجَمَلِ؛ فَإِنَّهَا نَدِمَتْ نَدَامَةً كُلِّيَّةً وَتَابَتْ مِنْ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّهَا مَا فَعَلَتْ ذَلِكَ إلَّا مُتَأَوِّلَةً قَاصِدَةً لِلْخَيْرِ، كَمَا اجْتَهَدَ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ وَالزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الكِبَارِ رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيْعِ ” .
انتهى من “سير أعلام النبلاء” (3/ 462) .
وقال الزيلعي رحمه الله :
” وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مُصِيبًا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْجَمَلِ، وَهُمْ طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَائِشَةُ، وَمَنْ مَعَهُمْ ، وَأَهْلُ صِفِّينَ، وَهُمْ مُعَاوِيَةُ ، وَعَسْكَرُهُ ، وَقَدْ أَظْهَرَتْ عَائِشَةُ النَّدَمَ ، كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِابْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا مَنَعَك أَنْ تَنْهَانِي عَنْ مَسِيرِي؟! قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا غَلَبَ عَلَيْك – يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ- فَقَالَتْ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ نَهَيْتَنِي مَا خَرَجْت ” .
انتهى من ” نصب الراية ” (4/ 69) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَهَا: (تُقَاتِلِينَ عَلِيًّا وَأَنْتِ ظَالِمَةٌ لَهُ)
فَهَذَا لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الْمُعْتَمَدَةِ ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بِالْمَوْضُوعَاتِ الْمَكْذُوبَاتِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، بَلْ هُوَ كَذِبٌ قَطْعًا، فَإِنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُقَاتِلْ وَلَمْ تَخْرُجْ لِقِتَالٍ ، وَإِنَّمَا خَرَجَتْ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَظَنَّتْ أَنَّ فِي خُرُوجِهَا مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهَا فِيمَا بَعْدُ أَنْ تَرْكَ الْخُرُوجِ كَانَ أَولَى ، فَكَانَتْ إِذَا ذَكَرَتْ خُرُوجَهَا تَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا.
وَهَكَذَا عَامَّةُ السَّابِقِينَ نَدِمُوا عَلَى مَا دَخَلُوا فِيهِ مِنَ الْقِتَالِ ، فَنَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَلِيٌّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – أَجْمَعِينَ ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْجَمَلِ لِهَؤُلَاءِ قَصْدٌ فِي الِاقْتِتَالِ .
وَلَكِنْ وَقَعَ الِاقْتِتَالُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَرَاسَلَ عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَقَصَدُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ ، وَأَنَّهُمْ إِذَا تَمَكَّنُوا طَلَبُوا قَتَلَةَ عُثْمَانَ أَهْلَ الْفِتْنَةِ ، وَكَانَ عَلِيٌّ غَيْرَ رَاضٍ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَلَا مُعِينًا عَلَيْه ِ، كَمَا كَانَ يَحْلِفُ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَلَا مَالَأْتُ عَلَى قَتْلِهِ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ فِي يَمِينِهِ، فَخَشِيَ الْقَتَلَةُ أَنْ يَتَّفِقَ عَلِيٌّ مَعَهُمْ عَلَى إِمْسَاكِ الْقَتَلَةِ ، فَحَمَلُوا عَلَى عَسْكَرِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَظَنَّ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَنَّ عَلِيًّا حَمَلَ عَلَيْهِمْ ، فَحَمَلُوا دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَظَنَّ عَلِيٌّ أَنَّهُمْ حَمَلُوا عَلَيْهِ ، فَحَمَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ ، فَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ ، وَعَائِشَةُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – رَاكِبَةٌ: لَا قَاتَلَتْ ، وَلَا أَمَرَتْ بِالْقِتَالِ ، هَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ
” . انتهى من “منهاج السنة” (4/316-317) .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب