سمعت شخصا فى التلفاز يقول : إن المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في الآية (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، ليس الأقصى الذى في فلسطين ، ولكن في الطريق من مكة إلى الطائف كان هناك مسجدان ؛ المسجد الأدنى ، والمسجد الأقصى ، وأنه في ذلك الوقت لم يكن بنيت مساجد في فلسطين ، وأن الذى ألف حكاية المسجد الأقصى هم الدولة الأموية لأسباب سياسية ، وكان يتكلم عن الإسراء والمعراج ، وقال : إن سورة الإسراء وسورة النجم سور مكية والصلاة فرضت فى المدينة أريد تفصيلا حول هذا الموضوع .
الردّ على من زعم أن إسراء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إلى المسجد الأقصى الذي بفلسطين!.
السؤال: 240413
ملخص الجواب
والحاصل : أن هذا الكلام متهافت ، يدل بنفسه على جهل صاحبه ، وضلاله ، ولولا أن مثل هذه الأكاذيب والضلالات ، قد أذيعت في الناس ، لما كان ينبغي للعاقل أن يقف عندها ، ولا أن يلتفت إليها أصلا .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
قال الله تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء/ 1
والمسجد الحرام هو مسجد مكة ، والمسجد الأقصى هو بيت المقدس ، بلا خلاف بين المسلمين ، قال ابن كثير رحمه الله :
” (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) وَهُوَ مَسْجِدُ مَكَّةَ (إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى) وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ الَّذِي هُوَ إِيلِيَاءُ ، مَعْدِنُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ لَدُنْ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ ؛ وَلِهَذَا جُمِعُوا لَهُ هُنَالِكَ كُلُّهُمْ ، فَأمّهم فِي مَحِلّتهم ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (5/ 5) .
وقد دلت على ذلك النصوص الشرعية ، فمن ذلك :
– أن قوله تعالى : ( إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) محمول بالضرورة على ذلك المسجد المعروف بهذا الاسم ، في نصوص الكتاب والسنة ، ولا يختلف أحد أن المسجد الأقصى هو بيت المقدس .
– روى مسلم (162) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ ) ، قَالَ: ( فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ) ، قَالَ : ( فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ ) ، قَالَ ( ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ…)
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ” وَفِي هَذَا السِّيَاقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ” .
قال ابن كثير :
” وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ ” .
انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (5/ 9).
– وروى البخاري (4710) ، ومسلم (170) عن جَابِرَ بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الحِجْرِ فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ المَقْدِسِ ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ) .
– وروى أحمد (23285) عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : ” أَتَيْتُ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: ( فَانْطَلَقْتُ ـ أَوْ انْطَلَقْنَا ـ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ) وحسنه محققو المسند .
– وروى أحمد أيضا (3546) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ” أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَتِهِ ، فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ ، وَبِعَلَامَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَبِعِيرِهِمْ … ) وصححه محققو المسند .
– وروى البخاري (1197) ، ومسلم (827) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) .
وروى مسلم (1397) عن أبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّمَا يُسَافَرُ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ ) .
قال النووي رحمه الله :
” إِيلِيَاءُ هُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ … وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ” .
انتهى من ” شرح النووي على مسلم ” (9/ 168) .
فلا يطلق المسجد الأقصى في الشرع إلا على مسجد إيلياء، وهو بيت المقدس ، وهذا باتفاق المسلمين .
فمن قال : إن هذا ليس الأقصى الذى فى فلسطين ، ولكن فى الطريق من مكة إلى الطائف كان هناك مسجدان: المسجد الأدنى والمسجد الأقصى، فهو هذا : فقد ضل سواء السبيل ، وخالف الكتاب والسنة وإجماع الامة ، وافترى على الله كذبا .
ومن جهله وضلاله قوله : “وأنه في ذلك الوقت لم يكن بنيت مساجد في فلسطين “.
فيقال : فأين كان المسجد الأقصى المذكور في حديث أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ” قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: (المَسْجِدُ الحَرَامُ) ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ (المَسْجِدُ الأَقْصَى) ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ ، قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً) ” رواه البخاري (3366) ، ومسلم (520) .
وهل كانت هناك مساجد بين مكة والطائف في ذلك الوقت ، ولم تكن الصلوات الخمس قد فرضت بعد ؟
وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوجه إلى هذا المسجد المزعوم أولا ، ثم لما حولت القبلة توجه إلى البيت الحرام ؟!
لا شك أن من يقول مثل هذا الكلام : إما جاهل لا يدري ما يخرج من فيه ، أو ضال غوي مبين ، يريد أن يضل الناس عن دينهم ، ويلبس عليهم أمرهم .
قال تعالى : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) البقرة/ 144 .
روى البخاري (399) ، ومسلم (525) عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ ، سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الكَعْبَة ِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) ، فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ ” .
ثانيا :
أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس إنما فرضت ليلة الإسراء ، وأصل الصلاة كان واجبا قبل ذلك ، قال ابن كثير رحمه الله :
” أصل الصلاة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة ، فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف ، فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك، شيئا فشيئا ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (7 / 164) .
وكان أول فرض الصلوات الخمس ركعتان ، ثم بعد الهجرة أقرت في السفر ، وزيدت في الحضر ركعتين ، إلا المغرب فعلى حالها . فروى البخاري (3935) ، ومسلم (685) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ” فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا ، وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأُولَى ” .
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (27 / 52-53) :
” أَصْل وُجُوبِ الصَّلاَةِ كَانَ فِي مَكَّةَ فِي أَوَّل الإْسْلاَمِ ؛ لِوُجُودِ الآْيَاتِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي بِدَايَةِ الرِّسَالَةِ تَحُثُّ عَلَيْهَا ، وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِالصُّورَةِ الْمَعْهُودَةِ فَإِنَّهَا فُرِضَتْ لَيْلَةَ الإْسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ ” انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم : (143111)، ورقم : (145725) .
وقول هذا الجاهل : ” إن سورة الإسراء وسورة النجم مكيتان ، وفرضت الصلاة فى المدينة ” دليل على تهافت قوله وتناقضه :
فالصلاة فرضت أولا قبل الهجرة ، ثم فرضت الصلوات الخمس ليلة الإسراء والمعراج – كما تقدم بيانه آنفا ، وقد كان ذلك في مكة أيضا .
ثم إذا كان يعتقد أن فرض الصلاة كان بالمدينة ، وسورة الإسراء وسورة النجم مكيتان ، فكيف يزعم أنه كان هناك مسجدان في طريق مكة والطائف؟ ومن كان يصلي فيهما؟
فعلى المسلم ألا يصغ لمثل هذه الأقوال المتهافة وألا يعول في دينه إلا على أهل العلم ، فلا يغتر بكل من يتكلم في الدين، حتى يتبين له أنه من أهل العلم .
وينظر للفائدة إجابة السؤال رقم : (84314) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة