أود السؤال عن معنى اللغو في قول الله تعالى : ( والذين هم عن اللغو معرضون ) في سورة المؤمنون ، وكيف يتجنبه المسلم في حياته ؟
إذ قرأت أن معناه الباطل أي كل ما لا يفيد من العمل حسب تعريف الشيخ الألباني رحمه الله وغيره.
فهل هو تعريف مطلق يشمل كل الأفعال المباحة غير المفيدة ، على سبيل المثال ؛ مشاهدة برنامج في التلفاز ، أو اجتماع في جلسة مع الأصدقاء القدماء في العطلة ، والتحدث في أمور دنيوية ، وربما أجلس مع اخي ساعة في الأسبوع للعب في أمور مباحة والتي لا داخلة في حديث الرسول صلى الله عله وسلم “كل لهو ابن ادم باطل…”
فهل إذا فعلت مثل هذه الأمور خرجت من دائرة الذين امتدحهم الله تعالى في أول سورة المؤمنون ولم أحظ بهذا الأجر العظيم؟
هل الأقوال والأفعال المباحة تدخل في اللغو المذكور في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ )؟
السؤال: 242065
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قال الله تعالى في وصف عباده المؤمنين :
( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) المؤمنون/ 3 ، وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) الفرقان/ 72، وقال عز وجل : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ) القصص/ 55 .
واللغو المذكور في الآيات: هو كل كلام ساقط لا خير فيه ، ولا وجه له ، ويدخل فيه كل قول مستقبح كالكذب والسب ، وكل قول ساقط من العبث الذي لا تنشغل به أنفس أصحاب المروءات ، وكل ما كان تركه أولى بالمسلم من قوله والانشغال به.
فكل ما عاد على المسلم بالضرر ، أو عاد عليه بالنقص ، فهو من اللغو الباطل .
وذلك يشمل الأقوال والأفعال على السواء .
قال الطبري رحمه الله :
” اللغو في كلام العرب : كلّ كلام كان مذمومًا ، وسَقَطًا لا معنى له ، مهجورا ” .
انتهى من ” تفسير الطبري ” (4/ 446) .
وقال أيضا :
” هو كل كلام أو فعل باطل ، لا حقيقة له ولا أصل .
أو : ما يستقبح ، فسبّ الإنسان الإنسانَ بالباطل الذي لا حقيقة له : من اللغو ” .
انتهى من ” تفسير الطبري ” (19/ 315) .
وقال البقاعي رحمه الله :
” هو الذي ينبغي أن يطرح ويبطل ، سواء كان من وادي الكذب ، أو العبث الذي لا يجدي ” انتهى من ” نظم الدرر ” (13/ 432) .
وقال القرطبي رحمه الله:
” هُوَ كُلُّ سَقْطٍ ، مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغِنَاءُ واللهو ، وغير ذلك مما قاربه، ويدخل فِيهِ سَفَهُ الْمُشْرِكِينَ وَأَذَاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَذِكْرُ النِّسَاءِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: اللَّغْوُ الْمَعَاصِي كُلُّهَا. وَهَذَا جَامِعٌ ” انتهى من ” تفسير القرطبي ” (13/ 80) .
وقال النسفي رحمه الله :
” كل كلام ساقط ، حقه أن يلغى ؛ كالكذب والشتم والهزل ” .
انظر : ” تفسير النسفي ” (2/ 459) .
وعلى ما تقدم :
فلا يدخل في معنى اللغو: القول المباح ، والفعل المباح ، الذي أذن فيه الشرع .
فإذا أدى المسلم ما عليه من حقوق شرعية ودنيوية ، ثم أراد أن يروح عن نفسه ببعض المباحات ، كاللعب ، أو مجالسة الأصحاب ، والتحدث إليهم في بعض أمور الدنيا ، وممازحتهم ، أو مشاهدة بعض البرامج المفيدة ، ونحو ذلك من أنواع التروح : فلا حرج عليه ، وليس هذا ونحوه من اللغو المذموم أو اللهو الباطل ؛ لما يترتب عليه عادة من المصالح .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ويمازحونه ، فروى الترمذي (1990) وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا : ” يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا قَالَ: ( إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا ) وصححه الألباني في ” الأدب المفرد ” .
وروى أحمد (24334) عن عَائِشَةَ قَالَتْ : ” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ – يعني يوم أن لعب الحبشة في المسجد : ( لتعلم يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً ؛ إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ ) ” وصححه الألباني في “صحيح الجامع” (3219)
وروى مسلم (670) عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، قَالَ : ” قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ : أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا ، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ ، أَوِ الْغَدَاةَ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ ” .
ورواه النسائي (1358) ولفظه : ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَيَتَحَدَّثُ أَصْحَابُهُ ، يَذْكُرُونَ حَدِيثَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَيُنْشِدُونَ الشِّعْرَ ، وَيَضْحَكُونَ ، وَيَتَبَسَّمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” .
وروى البخاري في “الأدب المفرد” (266) عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ” كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَبَادَحُونَ بالبَّطِيخ ، فإِذا كَانَت الحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالُ ” صححه الألباني في ” صحيح الأدب المفرد ” .
يتبادحون: أي: يترامون .
فالترويح عن النفوس بين الحين والحين ، بالممازحة والمحادثة واللعب والمشاهدة المباحة والمسامرة والتنزه ونحو ذلك : لا حرج فيه ، وليس هو من اللغو المذموم ، ولا اللهو الباطل ، إلا إذا أدى إلى ترك واجب ، أو فعل محرم ، أو غلب على طبع الإنسان حتى صار من عادته الدائمة ، وحاله اللازمة .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب