تنزيل
0 / 0

لا يجني والد على ولده ، ولا ولد على والده .

السؤال: 242102

عندي سؤال حول الآية : ( ما لهم به من علم وَلا لِآبائِهِمْ كبرت كلمة تخرج من أفواههم… )فما المقصود بـ ” وَلا لِآبائِهِمْ ” ؟ هل يعني ذلك على سبيل المثال لو أن هناك شيخا يعرف كل كلمة في القرآن ، وكان لديه ابن فتحول هذا الابن إلى النصرانية ، فهل يعني ذلك أن الشيخ ـ والد الابن المرتد ـ لا يوجد عنده علم بسبب ردة ابنه؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

قال الله عز وجل 🙁 الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ) الكهف/1-5 .
فقوله تعالى : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) من اليهود والنصارى ، والمشركين ، الذين قالوا هذه المقالة الشنيعة ، فإنهم لم يقولوها عن علم ولا يقين، لا علم منهم، ولا علم من آبائهم الذين قلدوهم واتبعوهم ، بل إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس .
( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) أي: عظمت شناعتها واشتدت عقوبتها، وأي شناعة أعظم من وصفه بالاتخاذ للولد الذي يقتضي نقصه ، ومشاركة غيره له في خصائص الربوبية والإلهية، والكذب عليه؟
ولهذا قال: (إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا) أي: كذبا محضا ما فيه من الصدق شيء.
وتأمل كيف أبطل هذا القول بالتدريج ، والانتقال من شيء إلى أبطل منه ، فأخبر أولا أنه (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ) والقول على الله بلا علم ، لا شك في منعه وبطلانه ، ثم أخبر ثانيا، أنه قول قبيح شنيع فقال: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ)
ثم ذكر ثالثا مرتبته من القبح، وهو: الكذب المنافي للصدق.
انظر : “تفسير السعدي” (ص 469) .

فالمقصود بقوله : (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ) أنهم يتكلمون بكلام باطل لا علم لهم به ، ولا علم لآبائهم الذين سبقوهم إلى هذا القول الفاسد ، ثم جاء الأولاد فاتبعوا آباءهم عليه ، فهو شيء لا يعلمونه ولا يعلمه آباؤهم الذين أخذوه عنهم .
والمقصود بالآباء هنا : الآباء الذين يتكلمون بهذه المقولة الفاسدة الباطلة ، فهم يتكلمون بالظن وما تهوى الأنفس ، ويتابعهم أبناؤهم على ذلك ، فهو قول باطل قال به الأبناء عن غير علم ، متابعين فيه الآباء الجهلة الكذبة ، فما أسوأ أن يجهل العبد ، ويتابع غيره على الجهل .
قال الشوكاني رحمه الله :
” مَا لَهُمْ بِذَلِكَ عِلْمٌ أَصْلًا وَلا لِآبائِهِمْ عِلْمٌ، بَلْ كَانُوا فِي زَعْمِهِمْ هَذَا عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَقَلَّدَهُمْ أَبْنَاؤُهُمْ ؛ فَضَلُّوا جَمِيعًا ” انتهى من “فتح القدير” (3/ 320).

وقد نص أهل العلم على أن المراد بالآباء هنا : الآباء الذين قالوا هذه المقولة الفاسدة ، فأخذها عنهم الأبناء :
فقال ابن عطية رحمه الله :
” قوله ( وَلا لِآبائِهِمْ ) يريد : الذين أخذ هؤلاء هذه المقالة عنهم ” .
انتهى من”تفسير ابن عطية” (3/ 495) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” (وَلا لِآبَائِهِمْ) الذين قالوا مثل قولهم ، ليس لهم في ذلك علم ، ليسَ هناك إلاّ أوهام ظنوها حقائق ، وهي ليست علوماً ” انتهى من ” تفسير العثيمين” ، سورة الكهف (ص 13) .
وقال ابن عاشور رحمه الله :
” كَانُوا يَقُولُونَ (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) الزخرف/ 23 ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِآبَائِهِمْ حُجَّةٌ عَلَى مَا يَقُولُونَ ، فَلَيْسُوا جَدِيرِينَ بِأَنْ يُقَلِّدُوهُمْ ” .
انتهى من ” التحرير والتنوير “(15/ 251)

وأما الآباء الذين لا يقولون هذه المقولة الفاسدة ، وإنما يؤمنون بالله ، ويوحدونه : فهؤلاء غير مقصودين بهذه الآية .
فمن كان من الموحدين ، وكان له ابن قد ارتد عن الإسلام واعتنق النصرانية ، وصار يقول بأن المسيح ابن الله ، فهذا الأب الموحد لا يلام ولا يذم ، ولا ينفى عنه العلم بسبب ما فعله ابنه ، بل كل إنسان يذم أو يمدح بناء على ما فعله هو ، لا ما فعله غيره .

وقد روى أبو داود (4495) عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، قَالَ: ” انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ لِأَبِي: ( ابْنُكَ هَذَا؟ ) قَالَ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: (حَقًّا؟) قَالَ: أَشْهَدُ بِهِ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا مِنْ ثَبْتِ شَبَهِي فِي أَبِي ، وَمِنْ حَلِفِ أَبِي عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ: (أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ) ، وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ” وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” .
قال القاري رحمه الله :
“مرقاة المفاتيح” (6/ 2272)
” (لَا يَجْنِي عَلَيْكَ) أي : لَا تُؤَاخَذُ بِذَنْبِهِ ( وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ) أَيْ: لَا يُؤَاخَذُ بِذَنْبِكَ ” انتهى .
وقال العيني رحمه الله :
” فَأعْلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، مثل مَا أعلم الله ، من أَن جِنَايَة كل امرىء عَلَيْهِ ، كَمَا أن عمله له لَا لغيره ” انتهى من “عمدة القاري” (8/ 79) .
والله تعالى أعلم .

المصدر

موقع الاسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android