تنزيل
0 / 0

لا يؤاخذ الإنسان بما نطق به من السوء، إذا كان خطأ، أو نسيانا، أو كرها .

السؤال: 242327

قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان) ، لكنه أيضا قال : في حديث لمعاذ عندما قال: " وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : ( ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم ؟) ، وقال في حديث ثالث 🙁 إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم ) فهل المقصود في الحديثين الثاني والثالث هو الحرام الذي ينطق به الإنسان عن قصد أم الكلام سواء كان مقصودا أوغير مقصود ؟ لأنه إن لم يكن كذلك فإنهما يعارضان الحديث الأول .

ملخص الجواب

لا تعارض بين الأحاديث التي ورد فيها ذكر عدم المؤاخذة بالخطأ والنسيان ؛ وبين حديث: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً..) فإن هذا القائل : ليس مخطئا ، ولا ناسيا ؛ بل هو متعمد لكلام السوء ، قاصد له ، مستخف بأمره ، وما عليه فيه عند الله ؛ ولم يكن في حسبانه أن يؤاخذ بها تلك المؤاخذة، ولا يعذب عليها ذلك العذاب كله وعلى المسلم أن يعتني بلسانه ، ويعلم خطره عليه ، وما للكلمة من شأن عند الله عز وجل، فلا يلقيها جزافا ، كيفما اتفق . 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

روى ابن ماجة (2043) عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) .صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (5/161) :
" وَهُوَ حَدِيث جَلِيل ، قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ نِصْف الْإِسْلَام ، لِأَنَّ الْفِعْل إِمَّا عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ أَوْ لَا ، الثَّانِي مَا يَقَعُ عَنْ خَطَأٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إِكْرَاهٍ فَهَذَا الْقِسْم مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقٍ " انتهى .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" معناه : أن الله تعالى أكرم نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في أمته بأن لا يؤاخذ أحدا منهم ارتكب محظورا أو ترك واجبا خطأ أو نسيانا ، لا يكون بذلك في حكمه تعالى آثما " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (4 /401) .

وروى الترمذي (2616) وصححه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ ، فَقَالَ : ( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ؛ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟ ) " وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"

وروى البخاري (6478) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ) .
وروى الترمذي (2314) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ).
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وروى الترمذي (2319) عن بِلَال بْن الحَارِثِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ ) .
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
قال الباجي رحمه الله :
" (مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ) يُرِيدُ: لَا يَعْبَأُ بِهَا ، وَيَسْتَخِفُّهَا، فَلَا يُعَاجِلُ النَّدَمَ عَلَيْهَا وَالتَّوْبَةَ مِنْهَا " انتهى من " المنتقى " (7/ 310) .

والحاصل : أنه لا تعارض بين هذه الأحاديث ، وعدم المؤاخذة بالخطأ والنسيان ؛ فإن هذا القائل : ليس مخطئا ، ولا ناسيا ؛ بل هو متعمد لكلام السوء ، قاصد له ، مستخف بأمره ، وما عليه فيه عند الله ؛ ولم يكن في حسبانه أن يؤاخذ بها تلك المؤاخذة، ولا يعذب عليها ذلك العذاب كله . 

قال النووي رحمه الله : " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّن مَا فِيهَا يُهْوَى بِهَا فِي النَّار ) : مَعْنَاهُ لَا يَتَدَبَّرهَا ، وَيُفَكِّر فِي قُبْحهَا , وَلَا يَخَاف مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا , وَهَذَا كَالْكَلِمَةِ عِنْد السُّلْطَان وَغَيْره مِنْ الْوُلَاة , وَكَالْكَلِمَةِ تُقْذَف ، أَوْ مَعْنَاهُ كَالْكَلِمَةِ الَّتِي يَتَرَتَّب عَلَيْهَا إِضْرَار مُسْلِم وَنَحْو ذَلِكَ " انتهى من "شرح صحيح مسلم" . 

وقال الزرقاني رحمه الله : " ( ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت ) من المؤاخذة بها " انتهى من "شرح الموطأ" (4/516) . 

وينظر أيضا : "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/35) . 
والقصد من ذلك : أن يعتني العبد بلسانه ، ويعلم خطره عليه ، وما للكلمة من شأن عند الله عز وجل، فلا يلقيها جزافا ، كيفما اتفق . 

قال النووي رحمه الله ، في شرح هذا الحديث : " وَهَذَا كُلّه حَثّ عَلَى حِفْظ اللِّسَان كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت) وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ النُّطْق بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلَام أَنْ يَتَدَبَّرهُ فِي نَفْسه قَبْل نُطْقه ، فَإِنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَته تَكَلَّمَ ، وَإِلَّا أَمْسَكَ " انتهى . 
وقال ابن بطال رحمه الله، بعد ذكر هذا الحديث في ( باب حفظ اللسان ): " ما أحق من علم أن عليه حفظةً موكلين به ، يُحصون عليه سقط كلامه ، وعثرات لسانه : أن يخزنه ، ويقل كلامه فيما لا يعنيه ، وما أحراه بالسعي في ألا يرتفع عنه ما يطول عليه ندمه ، من قول الزور ، والخوض في الباطل ، وأن يجاهد نفسه في ذلك ، ويستعين بالله ، ويستعيذ من شر لسانه " . انتهى، من "شرح صحيح البخاري" (10/185) . 

 والله تعالى أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android