0 / 0

تحب زوجها بشكل مبالغ فيه ، وتخشى من الوقوع في شرك المحبة

السؤال: 243338

أنا أريد أن أعرف هل محبتي لزوجي تعتبر شركا أو أنني اتخذت مع الله ندّا ؟
فأنا شديدة الغيرة على زوجي ، مع العلم نحن عائلة ملتزمة هذا الظاهر، والباطن لا يعلمه إلا الله ، وإنني شديدة التفكير في زوجي ، ولا أطيق غيابه ساعات العمل ، أتمنى أن يبقى طوال اليوم حذوي ، مع العلم أنني كنت عندما يقترف زوجي معصية أو أقترف أنا معصية ولا يعاتبني عليها زوجي أشعر بنوع من الكره والغضب تجاه زوجي ، وأما الآن عندما تطورت المحبة أصبحت لا أكرهه ، ولكن أغضب وأخاف عليه من عقوبة الله ، وأبدي له عدم الرضا وكأنني أكرهه كي يتراجع ، ويبصر ما فعله .
ويحدث أنني أفكر في زوجي طوال ساعات اليوم ، أحبه أكثر من نفسي ، وأخشى أن يفرقنا الله ، علما أنه إذا ما خرج زوجي من الملة ـ عياذا بالله ـ أنني مستعدة للتخلي عنه ، بالرغم من حبي الشديد له ، فهل في محبتي عيب أو شرك ؟ ، وهل سبب أسر زوجي هو ابتلاء من الله ؛ لأنني كنت لا أفكر إلا في الله قبل الزواج وأما بعد الزواج انشغلت بمحبة زوجي ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
لا تلام المرأة على حبها لزوجها وغيرتها عليه ، مادام أن محبتها له وغيرتها عليه ، لم تتعد الحد الطبيعي المعقول ، أي لم تكن هناك مبالغة وإفراط في المحبة والغيرة ؛ فالمباحات ومنها المحبة التي بين الزوجين ، قد تصبح مذمومة ، إذا زادت عن حدها الطبيعي ؛ حتى أضعفت في قلب المحب ، محبته لله ورسوله ؛ فلا يغار على دين ربه ، إذا خالفه المحب ، ولا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكرا ؛ إلا ما وافق هوى محبوبه .
ومنهم من شغلت قلبه هذه المحبة المفرطة ، عن المهمات في أمر الدين والدنيا ، حتى ربما أدى ذلك إلى مرض البدن ، وتلف النفوس .
قال ابن القيم رحمه الله :
” فمن المحبة النافع ة: محبة الزوجة ، وما ملكت يمين الرجل ، فإنها معينة على ما شرع الله سبحانه له من النكاح وملك اليمين ؛ من إعفاف الرجل نفسه وأهله ، فلا تطمح نفسه إلى سواها من الحرام ، ويعفها، فلا تطمح نفسها إلى غيره .
وكلما كانت المحبة بين الزوجين أتم وأقوى : كان هذا المقصود أتم وأكمل، قال تعالى: (هُوَ الّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف: 189] ، وقال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَل بَيْنَكُمْ مَوَدَّةَ وَرَحْمَةً) [الروم/21] … وصح عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال: (حبب إلى من دنياكم النساء والطيب. وجعلت قرة عيني في الصلاة) .
فلا عيب على الرجل في محبته لأهله ، وعشقه لها ، إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له، من محبة الله ورسوله ، وزاحم حبه وحب رسوله .
فإن كل محبة زاحمت محبة الله ورسوله ، بحيث تضعفها وتنقصها : فهى مذمومة.
وإن أعانت على محبة الله ورسوله ، وكانت من أسباب قوتها : فهي محمودة .
ولذلك كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يحب الشراب البارد الحلو، ويحب الحلواء والعسل، ويحب الخيل، وكان أحب الثياب إليه القميص، وكان يحب الدباء .
فهذه المحبة لا تزاحم محبة الله ، بل قد تجمع الهم والقلب على التفرغ لمحبة الله ، فهذه محبة طبيعية ، تتبع نية صاحبها ، وقصده بفعل ما يحبه .
فإن نوى به القوة على أمر الله تعالى وطاعته : كانت قربة .
وإن فعل ذلك بحكم الطبع والميل المجرد : لم يُثَبْ ولم يعاقب ؛ وإن فاته درجة من فعله متقربا به إلى الله .
فالمحبة النافعة ثلاثة أنواع : محبة الله ، ومحبة في الله ، ومحبة ما يعين على طاعة الله تعالى واجتناب معصيته .
والمحبة الضارة ثلاثة أنواع : المحبة مع الله ، ومحبة ما يبغضه الله تعالى ، ومحبة ما تقطع محبته عن محبة الله تعالى أو تنقصها ” انتهى، من “إغاثة اللهفان” (2/139-140) .

وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم : (95114) .

ثانياً :
محبة غير الله لا تكون شركاً ، إلا إذا جعل الإنسان محبته لغير الله كمحبة الله ، بأن قام في قلبه من الذل والخضوع والتعظيم لذلك المحبوب مع كمال الطاعة له ، فهذا الذي يقع به الشخص في الشرك ، وأما المحبة الطبيعة المباحة التي لا تستلزم التعظيم ولا الذل ، كمحبة المرأة لزوجها ، فهذه ليست من المحبة الشركية .
قال الشيخ سليمان حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله :
” واعلم أن المحبة قسمان ، مشتركة ، وخاصة :
القسم الأول : المشتركة ، ثلاثة أنواع :
أحدها : محبة طبيعية ، كمحبة الجائع للطعام ، والظمآن للماء ، ونحو ذلك ، وهذه لا تستلزم التعظيم.
الثاني : محبة رحمة وإشفاق ، كمحبة الوالد لولده الطفل ، وهذه أيضًا لا تستلزم التعظيم .
الثالث : محبة أنس وألف ، وهي محبة المشتركين في صناعة ، أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر ، لبعضهم بعضًا ، وكمحبة الإخوة ، بعضهم بعضًا .
فهذه الأنواع الثلاثة ، التي تصلح للخلق ، بعضهم من بعض ، ووجودها فيهم لا يكون شركا في محبة الله ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل ، وكان يحب نساءه ، وعائشة أحبهن إليه ، وكان يحب أصحابه ، وأحبهم إليه الصِّدِّيق رضي الله عنه .

القسم الثاني : المحبة الخاصة التي لا تصلح إلا لله ، ومتى أحب العبد بها غيره ، كان شركا لا يغفره الله ، وهي محبة العبودية ، المستلزمة للذل ، والخضوع والتعظيم ، وكمال الطاعة ، وإيثاره على غيره ، فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلاً ، كما حققه ابن القيم ، وهي التي سوَّى المشركون بين الله تعالى وبين آلهتهم فيها ، كما قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) ” انتهى من ” تيسير العزيز الحميد ” (ص/402-403) .

وعليه ، فتُحمدين على حبك لزوجك وغيرتك عليه ، لكن بلا شك دون مبالغة تؤدي بك إلى عدم كراهية وقوع المعصية من زوجك ، فالواجب عليك كراهية المعصية منه مع بقاء المحبة له وجوب إسداء النصح إليه .
وبناء على هذا ، فهذه المحبة التي تسألين عنها هي محبة محمودة ، لأنها تجعل الحياة الزوجية سعيدة مريحة ، مما يعين الزوجين على أمور دينهما ودنياهما .
ثم إننا ننبهك إلى خطر الوسوسة في هذا الأمر ، والمبالغة في التقديرات البعيدة : ” إذا خرج زوجي من الملة .. إذا دخل .. إذا فعل .. ” ؛ بل عيشي حياتك ، كما يعيش الناس ، واضبطي أمر محبتك – كما أشرنا سابقا- وليكن فائدة عيشك وبيتك من زوجك : أن تكوني قاصرة الطرف ، على ما أحل الله لك ، وأنعم عليك من زوج تحبينه ويحبك ؛ واجعلي ذلك كله عونا لك على طاعة الله ، وصلاح بيتك ، واستقامة أمر عيشك ؛ لا أن تبدلي نعمة الله عليك نكدا ، ومبالغة ، وإفراطا يضر بقلبك ، ودينك ، وعيشك .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android