0 / 0

يقدم مصلحة أمه دائما على مصالح زوجته فما حكم ذلك؟

السؤال: 246961

في رمضان الماضي كنت مريضة ، كنت أعاني من قرحة ، وانتفاخ في المعدة ، والأمعاء الغليظة ، وكنت أعاني من ألم شديد ، ولا أستطيع التنفس ، فقلت لزوجي : يأخذني للطبيب ، لكنه لم يرد أخذي ، وقال لي : سأصطحب أمي لتشتري الملابس ، فقلت له : أنا لا أستطيع أن اصبر ليومين آخرين ؛ لأن حالتي تسوء ، رغم ذلك لم يأخذني ، ومرة بعد ولادتي القيصرية تعرضت لإلتهاب في موضع العملية، فرفض اصطحابي ، وقال : سأصطحب أمي إلى الحمام الطبيعي ، وبعد غد سآخذها لتتفسح ، قلت له : المرض أولى ، ويمكنك أن تأخذها في يوم آخر ، دائما يقول لي : الأولوية لأمي حتى لو تموتين ، أمي التي تدخلني الجنة ، وليست أنت ، أعرف أن الأولوية لأمه ، لكن هل حتى في حالة المرض عليه أن يلبي رغبات أمه وزوجته تعاني ، ما حكم الشرع في هذه الحالة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

ليس من شك في أن الأم هي أعظم الناس حقا على ابنها ، وأن برها من أوجب الواجبات عليه ، قال الله تعالى : (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً ) الأحقاف / 15 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ” جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ ، قَالَ : (أُمُّكَ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ ، قَالَ : ( ثُمَّ أُمُّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ ، قَالَ : (ثُمَّ أُمُّكَ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ ، قَالَ : (ثُمَّ أَبُوكَ) رواه البخاري (5971) ، ومسلم (2548) .

لكن ذلك لا يعني ألا يعطي الرجل الآخرين حقوقهم ، بل الواجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه ، ويوازن بين هذه الحقوق ، ويجمع بين ما يقدر عليه من المصالح ، ويحسن سياسة بيته وشأنه .

وإذا كان الله تعالى قد أمر بالإحسان إلى الأم فقد أمر أيضا بالإحسان إلى الزوجة ومعاشرتها بالمعروف ، قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/ من الآية 228 .
وقال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/ من الآية 19 , قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – : ” وهذا يشمل المعاشرة القولية ، والفعلية ، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته ببذل النفقة ، والكسوة ، والمسكن ، اللائق بحاله ، ويصاحبها صحبة جميلة ، بكف الأذى ، وبذل الإحسان ، وحسن المعاملة ، والخلق ، وأن لا يمطلها بحقها ، وهي كذلك عليها ما عليه من العشرة ، وكل ذلك يتبع العرف ، في كل زمان ، ومكان ، وحال ، ما يليق به” .
انتهى من ” تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن ” ( ص 132 ) .
ويراجع الفتوى رقم: (125457).

وإذا كان الإحسان إلى الأم طريقا إلى الجنة ، فالإحسان إلى الزوجة أيضا طريق إلى الجنة لأنه امتثال لأمر الله تعالى ، وكل امتثال لأمره سبحانه يقرب إلى رضوان الله وجنته.
فالواجب على الرجل أن يلتزم العدل وأن يعطي كل ذي حق حقه .

وإذا كان زوجك يحمد على بره بوالدته إلا أنه يحتاج إلى معرفة الموقف الصحيح حينما تتعارض مصالح والدته مع مصالح زوجته ، فليس معنى أن حق الأم آكد عليه من حق الزوجة : أن جميع مطالب الأم تُلبى وتقدم على مطالب الزوجة .
فقد تكون مطالب الأم نوعاً من الكماليات ، كالتنزه ، أو نوعا من الحاجات التي يمكن تأجيلها ولا يلحق الأم بسبب ذلك مشقة ولا أذى كشراء ثياب مثلا ، وفي الوقت ذاته تكون مطالب الزوجة من باب الضرورة أو الحاجة الشديدة التي ينبغي أن تُلبى فورا ، وتأخيرها يضر الزوجة أو يؤذيها أذى شديدا ، ففي هذه الحالة على الزوج أن يقدم حاجة زوجته على مطالب والدته ، ولا يكون بذلك عاقا أو مقصرا في حق الأم ، بل يكون موافقا لحكم الله ، فقدَّم ما أمر الله بتقديمه .
وقد ذكر القرافي رحمه الله الضابط فيما إذا تعارضت الحقوق ، ماذا يقدم منها ؟
فقال في كتابه “الفروق” (2/358، 359) :
“ويقدم الفوري على المتراخي”.
والفوري هو ما لم يأذن الشرع بتأخيره ، والمتراخي ما أذن بتأخيره ، ودفع ضرورة المضطر أو حاجته – كالمرض – فوري ، لأنه إزالة لألم موجود بالفعل .
وقال أيضا : “ويقدم ما يخشى فواته على ما لا يخشى فواته ، وإن كان أعلى مرتبة منه ، كما تقدم حكاية قول المؤذن على قراءة القرآن ، لأن قراءة القرآن لا تفوت ، وحكاية قول المؤذن تفوت بالفراغ من الأذان”.

وقد نص أهل العلم ـ أيضا ـ على أنه “إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى منها” .
انتهى من “تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن” (1 / 169).
ولا شك أن الضرورات تقدم على الحاجيات والحاجيات تقدم على التحسينيات.

وهذا ينطبق تماما على ما ذكرته ، فإغاثة الملهوف ومعالجة المريض المتألم أمر يخشى فواته ، بأن يتفاقم المرض ويزداد الألم ، أما شراء ثوب لوالدته – عندها غيره – ، أو الذهاب إلى الحمام الطبيعي أو التنزه فأمر لا يفوت ، ويمكن تأجيله .

غير أننا نأمل منك أن تعذري زوجك بقصده الحسن ، وأن يكون التفاهم معه حول ذلك ، بنصح هادئ ، وتسامح ، وإغضاء عن بعض الحقوق ؛ ومن ذا الذي ما ساء قط ؟ ومن له الحسنى فقط ؟
نسأل الله أن يصلح لك زوجك ، وأن يصلح ذات بينكما ، ويجمع بينكما في خير حال .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android