سمعتُ أن الدعاء للآخرين يعتبر بمثابة كفارة لهم ، ولا سيما الدعاء لهم بالاسم ، فهو يحفظ الناس من جهنم ؛ إذ يمنحهم أعمالاً صالحة ، ومن ثم ترتفع درجاتهم ، ولذلك فأنا أسأل الله أن يغفر لمن أسعدني وأثّر في ، ومن هؤلاء نصرانية ، كانت تحب الله كثيرًا ، ويحبها كثيرٌ من الناس ، أنا أدعو الله لها باسمها أن يغفر لها ذنوبها ، وأهدي ثواب قراءة القرآن لها وما إلى ذلك
فهل يمكن أن يحفظها ذلك من نار جهنم أو من عذاب القبر إن شاء الله ؟
وكيف نُهدِي شخصًا ثواب صلاة أو نخصص صلاة باسمه ؟
وماذا نقول قبل أن نبدأ هذه الصلاة ؟
حكم إهداء ثواب الأعمال الصالحة للنصراني الميت ، وحكم الدعاء والاستغفار له .
السؤال: 251591
ملخص الجواب
مخلص الجواب : لا يجوز لك أن تدعو لتلك المرأة غير المسلمة ، ولا يجوز أن تهدي لها ثواب الأعمال الصالحة، ولن ينفعها ذلك ما دامت قد ماتت على غير الإسلام .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
بيّنت النصوص الشرعية أن الميت قد ينتفع ببعض الأعمال الصالحة التي يهديها إليه الحيّ .
وهي : الدعاء له ، والصدقة عنه ، وقضاء الحج والصوم الواجبين إذا توفي بعد أن وجبا عليه وقبل أن يتمكن من أدائهما ، وقضاء دينه .
قال النووي رحمه الله تعالى :
” الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها ، وهو كذلك بإجماع العلماء .
وكذا أجمعوا على وصول الدعاء ، وقضاء الدين ، بالنصوص الواردة في الجميع .
ويصح الحج عن الميت إذا كان : حَج الإسلامِ .
وكذا إذا وصى بحج التطوع ، على الأصح عندنا .
واختلف العلماء في الصوم ، إذا مات وعليه صوم .
والراجح : جوازه عنه ؛ للأحاديث الصحيحة فيه ” انتهى من ” شرح صحيح مسلم ” (7 / 90) .
أما إهداء ثواب العبادات التي لم يرد فيه نص ولا تصح النيابة فيها ، كالصلاة وقراءة القرآن ، فقد اختلف فيه أهل العلم :
فبعضهم أجازه ، قياسا على ما وردت به النصوص .
وبعضهم لم يجز ذلك لعدم وجود نص ، ولأن الإنسان ليس له إلا ما سعى .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
” وأي قربة فعلها ، وجعل ثوابها للميت المسلم ، نفعه ذلك ، إن شاء الله ، أما الدعاء ، والاستغفار ، والصدقة ، وأداء الواجبات ، فلا أعلم فيه خلافا ، إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة ” انتهى من ” المغني ” (3 / 519) .
وقد سبق بيان هذه المسألة في أجوبة عديدة . ينظر رقم : (9014) ، و (9979) .
وأيا ما كان الأمر ؛ فإن الأفضل للمسلم أن يفعل العبادات لنفسه ويدعو لإخوانه المسلمين الموتى ، فإن هذا هو الموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعمل السلف الصالح رضي الله عنهم .
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
عمن يقرأ القرآن العظيم ، أو شيئا منه ، هل الأفضل أن يهدي ثوابه لوالديه ، ولموتى المسلمين ؟ أو يجعل ثوابه لنفسه خاصة ؟
فأجاب:
“أفضل العبادات ما وافق هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة ، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته: ( خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ) .
وقال ابن مسعود : “من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات ؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد”.
فإذا عرف هذا الأصل ، فالأمر الذي كان معروفا بين المسلمين في القرون المفضلة ، أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة ، فرضها ونفلها ، من الصلاة والصيام والقراءة والذكر وغير ذلك ، وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات ، كما أمر الله بذلك لأحيائهم وأمواتهم في صلاتهم على الجنازة وعند زيارة القبور وغير ذلك …
فلم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا وصاموا وحجوا أو قرءوا القرآن يهدون ثواب ذلك لموتاهم المسلمين ولا لخصوصهم ، بل كان عادتهم كما تقدم ، فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف ، فإنه أفضل وأكمل . والله أعلم ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (24 / 321 – 323) .
ثانيا :
الاستغفار وإهداء ثواب الأعمال الصالحة للنصارى الموتى ، أمر لا يجوز .
فقد نهى الله تعالى عن الاستغفار للمشركين .
قال الله تعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) التوبة /113 .
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى :
” يقول تعالى ذكره : ما كان ينبغي للنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به ، ( أَنْ يَسْتَغْفِرُوا ) ، يقول: أن يدعوا بالمغفرة للمشركين ، ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم ذوي قرابة لهم ، ( مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) ، يقول: من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان ، فتبيَّن لهم أنهم من أهل النار ، لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك ، فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله ” .
انتهى من ” تفسير الطبري ” (12 / 19) .
والنصارى من أهل الشرك ، كما هو مقرر ، معلوم بالضرورة من دين الإسلام .
قال الله تعالى : ( وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ، اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة /30 – 31 .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
” فإذا تبين أن الرجل ينتفع بغيره وبعمل غيره ، فإن من شرط انتفاعه أن يكون من أهله ، وهو المسلم ؛ فأما الكافر فلا ينتفع بما أهدي إليه من عمل صالح ، ولا يجوز أن يهدى إليه ، كما لا يجوز أن يدعى له ويستغفر له ، قال الله تعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن جده العاص بن وائل السهمي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة ، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة ، وأراد ابنه عمرو بن العاص أن يعتق عنه الخمسين الباقية ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( إنه لو كان مسلمًا فأعتقتم ، أو تصدقتم عنه ، أو حججتم بلغه ذلك ) . وفي رواية: ( فلو كان أقر بالتوحيد ، فصُمتَ ، وتصدقت عنه نفعه ذلك ) . رواه أحمد وأبو داود ” انتهى من” مجموع فتاوى ابن عثيمين ” (2 / 315 – 316) .
ثالثا :
مجرد إدعاء الإنسان بلسانه أنه يحب الله تعالى لا يكفي لنجاته من نار جهنم ، حتى يصحح عقيدته فيؤمن بأن الله تعالى واحد لا شريك له ، ويؤمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ويتبع شريعته .
قال الله تعالى :( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) آل عمران /31 – 32 .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
” هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله ، وليس هو على الطريقة المحمدية ، بأنه كاذب في دعواه في نفس الأمر ، حتى يتبع الشرع المحمدي ، والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
ولهذا قال : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) ؛ أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه ، وهو محبته إياكم ، وهو أعظم من الأول ، كما قال بعض الحكماء العلماء: لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُحِبّ ، إِنَّمَا الشَّأْنُ أَنْ تُحَبّ …
ثم قال آمرا لكل أحد من خاص وعام : ( قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا ) أي : خالفوا عن أمره ( فإن الله لا يحب الكافرين) .
فدل على أن مخالفته في الطريقة : كفر ، والله لا يحب من اتصف بذلك ، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه يحب الله ، ويتقرب إليه ، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل ، ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (2 / 32) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ! لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ) رواه مسلم (153) .
فالحاصل : أنه لا يجوز لك أن تدعو لتلك المرأة ولا يجوز أن تهدي لها ثواب الأعمال الصالحة، ولن ينفعها ذلك ما دامت قد ماتت على غير الإسلام .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الاسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة