0 / 0

حديث احرموا أنفسكم طيب الطعام حديث مكذوب

السؤال: 252209

ما صحة هذا الحديث و ما معناه :
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( احرموا أنفسكم طيب الطعام ، فإنما قوي الشيطان أن يجري في العروق منها)؟

ملخص الجواب

ملخص الجواب : الحديث موضوع، ومعناه منكر، ومن يبني عليه منهجا في السلوك والعمل فقد رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

هذا الحديث يروى عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (احْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ طَيِّبَ الطَّعَامِ ؛ فَإِنَّمَا قُوَى الشَّيْطَانِ أَنْ يَجْرِيَ فِي الْعُرُوقِ بِهِ) .

يعني أنه : بسبب طيب الطعام تمكن الشيطان من عروق الإنسان والوسواس.

وهذا الحديث : يرويه أبو الحسن علي بن عمر القزويني، فيقول:
أنبأنا أبو جعفر عمر بن محمد الزيات، حدثنا عبد الله بن محمد بن ناجية، حدثنا أزهر بن جميل، حدثنا بَزِيع أبو الخليل الخصاف، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به مرفوعا.
هكذا أخرجه القزويني (ت442هـ) في “الأمالي” (مخطوط في الظاهرية، مجموع 22/7-8) – كما في مخطوط هذا الرابط:
http://www.alukah.net/library/0/101283/
وبحسب نقل الشيخ الألباني رحمه الله في “سلسلة الأحاديث الضعيفة” (رقم1879).
والكتاب هو مطبوع في هذا الرابط:
http://library.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?bk_no=1274&pid=875927&hid=39

ومن طريق القزويني : أخرجه ابن الجوزي في “الموضوعات” (3/30) .

فهو حديث موضوع ، مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم .
والمتهم به هو : بزيع بن حسان، أبو الخليل الخصاف.
قال ابن أبي حاتم: “روى عن هشام بن عروة حديثا ، شبه الموضوع .
روى عنه عبد الرحمن بن المبارك ، سمعت أبي يقول ذلك. وهو يقول: ذاهب الحديث”.
انتهى من “الجرح والتعديل” (2/421) .
وقال ابن حبان: “يأتي عن الثقات بأشياء موضوعة، كأنه المتعمد لها” .
انتهى من “المجروحين” (1/199) .
وقال ابن عدي – بعد أن ساق مجموعة من أحاديثه-: “وهذه الأحاديث عن هشام بن عروة بهذا الإسناد، مع أحاديث أخرى :
يروى ذلك كله بزيع ، أبو الخليل هذا، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة ؛ مناكير كلها، لا يتابعه عليها أحد، وهو قليل الحديث” انتهى من “الكامل في ضعفاء الرجال” (2/ 242) .
وقال الدارقطني: “متروك” انتهى من “الضعفاء والمتروكون” (1/260) .
وقال أبو نعيم: “روى عَن هِشَام بن عُرْوَة، وَمُحَمّد بن وَاسع، أَحَادِيث مَوْضُوعَة” .
انتهى من “الضعفاء” (ص66) .
وقال الذهبي: “وهو متروك، اتهمه ابن حبان، وغيره، أتى بعجائب لا تحتمل” .
انتهى من “تاريخ الإسلام” (4/ 1079) .
ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله – في حكمه على هذا الحديث -:
“هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم” .
انتهى من “الموضوعات” (3/ 183) ، “تلبيس إبليس” (ص: 184) .
وأورده السيوطي في “اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة” (2/209)، وابن عراق في “تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة” (2/240)، والفتني في “تذكرة الموضوعات” (ص151)، والشوكاني في “الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة” (ص183)، والألباني في “سلسلة الأحاديث الضعيفة” (رقم1879) وقال: موضوع.

وقد عقد الإمام ابن الجوزي رحمه الله فصلا في كتابه العظيم “تلبيس إبليس” (ص185- بعنوان “ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في مطاعمهم ومشاربهم”، عالج فيه هذه الظاهرة التي نخرت في المجتمع الإسلامي، وفي بنية العقلية المتدينة، وربطت التدين والنسك والعبادة ببعض أعمال الرهبنة التي تمثل الإعراض عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان يأكل ما تيسر له من الطعام، سواء كان من أطايبه أم دون ذلك.
ونحن نسوق هنا أهم ما أورده في هذا الفصل، لنبين خطر مثل هذه الأحاديث الموضوعة ، فإنها تؤدي إلى انحرافات سلوكية مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
قال ابن الجوزي رحمه الله:
“قد بالغ إبليس في تلبيسه على قدماء الصوفية ، فأمرهم بتقليل المطعم وخشونته، ومنعهم شرب الماء البارد، فلما بلغ إلى المتأخرين استراح من التعب واشتغل بالتعجب من كثرة أكلهم ورفاهية عيشهم.
فكان في القوم من يبقى الأيام لا يأكل إلى أن تضعف قوته، وفيهم من يتناول كل يوم الشيء اليسير الذي لا يقيم البدن…

وقد كان فيهم قوم لا يأكلون اللحم حتى قال بعضهم : أكل درهم من اللحم يقسي القلب أربعين صباحا.
وكان فيهم من يمتنع من الطيبات كلها، ويحتج بما أخبرنا به علي بن عبد الواحد الدينوري نا أبو الحسن القزويني نا أبو حفص بن الزيات ثنا ابن ماجه ثنا أزهر بن جميل ثنا بزيغ عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احرموا أنفسكم طيب الطعام فإنما قوي الشيطان أن يجري في العروق بها) وفيهم من كان يمتنع من شرب الماء الصافي، وفيهم من يمتنع من شرب الماء البارد فيشرب الحار…

وقد حكى أبو حامد عن سهل أنه كان يرى أن صلاة الجائع الذي قد أضعفه الجوع قاعدا أفضل من صلاته قائما إذا قواه الأكل.
وهذا خطأ، بل إذا تقوى على القيام كان أكله عبادة؛ لأنه يعين على العبادة، وإذا تجوع إلى أن يصلي قاعدا ، فقد تسبب إلى ترك الفرائض، فلم يجز له، ولو كان التناول ميتة ، ما جاز هذا، فكيف وهو حلال.
ثم أي قربة في هذا الجوع المعطل أدوات العبادة!
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل القثاء بالرطب، وكان يحب الحلوى والعسل.
وأما كونهم لا يأكلون اللحم : فهذا مذهب البراهمة الذين لا يرون ذبح الحيوان، والله عز وجل أعلم بمصالح الأبدان، فأباح اللحم لتقويتها، فأكل اللحم يقوي القوة، وتركه يضعفها، ويسيء الخلق، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل اللحم، ويحب الذارع من الشاة، ودخل يوما فقدم إليه طعام من طعام البيت، فقال ألم أر لكم برمة تفور؟
كان الحسن البصري يشتري كل يوم لحما .
وعلى هذا : كان السلف ؛ إلا أن يكون فيهم فقير، فيبعد عهده باللحم لأجل الفقر.

وإنما تجتنب فضول الشهوات ، لئلا يكون سببا لكثرة الأكل ، وجلب النوم .
ولئلا تتعود ، فيقل الصبر عنها ، فيحتاج الإنسان إلى تضييع العمر في كسبها، وربما تناولها من غير وجهها، وهذا طريق السلف في ترك فضول الشهوات.

والحديث الذي احتجوا به (احرموا أنفسكم طيب الطعام) : حديث موضوع، عملته يدا بزيغ الراوي.

واعلم أن المذموم من الأكل إنما هو فرط الشبع، وأحسن الآداب في المطعم : أدب الشارع صلى الله عليه وسلم : (ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا بد ، فثلث طعام ، وثلث شراب ، وثلث لنفسه).
[بسنده] سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل قال له عقبة بن مكرم: هؤلاء الذين يأكلون قليلا ويقللون من مطعمهم؟
فقال: ما يعجبني. سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: فعل قوم هذا فقطعهم عن الفرض… ” .
انتهى باختصار من “تلبيس إبليس” (ص185-196) .
والخلاصة أن الحديث موضوع، ومعناه منكر، ومن يبني عليه منهجا في السلوك والعمل فقد رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الاسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android