0 / 0
14,08930/10/2016

لماذا تأخرت آية (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) في وصف عباد الرحمن عن غيرها من صفاتهم؟

السؤال: 255651

قال تعالى وهو يصف عباد الرحمن : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ………………. وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ .. )
السؤال :
لماذا جاءت آية ” ولا يدعون مع الله إلها آخر ” متأخرة ، ولم تأت في البداية في وصف عباد الرحمن ؟ فالتوحيد وعدم الشرك يفترض أن يكون أولا في الترتيب ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا:
أما الآية الكريمة: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) الفرقان/ 63 ، فالمراد بها أن الله جل جلاله قد مدح عباده هؤلاء بأنهم يمشون على الأرض هونا ؛ يعني : بالحلم والسكينة والوقار ، غير مستكبرين، ولا متجبرين، ولا ساعين فيها بالفساد ومعاصي الله .
ينظر : “جامع البيان” ، لابن جرير الطبري : (17/ 489).
وأما الآية الأخرى: فيقول تعالى ذكره: والذين لا يعبدون مع الله إلها آخر، فيشركون في عبادتهم إياه ، ولكنهم يخلصون له العبادة ويفردونه بالطاعة (ولا يقتلون النفس التي حرم الله) [الفرقان: 68] قتلها (إلا بالحق) [الأنعام: 151] إما بكفر بالله بعد إسلامها، أو زنا بعد إحصانها، أو قتل نفس فتقتل بها (ولا يزنون) [الفرقان: 68] فيأتون ما حرم الله عليهم إتيانه من الفروج (ومن يفعل ذلك) [البقرة: 231] يقول: ومن يأت هذه الأفعال، فدعا مع الله إلها آخر، وقتل النفس التي حرم الله بغير الحق، وزنى (يلق أثاما) [الفرقان: 68] يقول: يلق من عقاب الله عقوبة ونكالا، كما وصفه ربنا جل ثناؤه، وهو أنه (يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) [الفرقان: 69]” “جامع البيان” (17/ 505).
وقد أخرج البخاري (4761)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ـ قال: ” سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك )، قلت: ثم أي؟ قال: ( أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك )، قلت: ثم أي؟ قال: ( أن تزاني بحليلة جارك )، قال: ونزلت هذه الآية تصديقاً لقول رسول الله (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) “فتح الباري” (8/ 492).
ومناسبة هذه الآية ، أن الله تعالى لما ذكر أهل التذكر والشكور ، أتى بصفة عباد الرحمن الذين هم أهل لذلك، كما ذكر الإمام ابن عطية: ” أن الله تعالى قال لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ، جاء بصفة عباده الذين هم أهل التذكر والشكور” انتهى من ” المحرر الوجيز” (4/ 218).
قال الشيخ الطاهر ابن عاشور رحمه الله :
“واعلم هذه أن الصلات التي أجريت على عباد الرحمن جاءت على أربعة أقسام:
قسم هو من التحلي بالكمالات الدينية ، وهي التي ابتدئ بها من قوله تعالى: (الذين يمشون على الأرض هونا إلى قوله سلاما) [الفرقان: 75].
وقسم هو من التخلي عن ضلالات أهل الشرك ، وهو الذي من قوله: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) [الفرقان: 68].
وقسم هو من الاستقامة على شرائع الإسلام ، وهو قوله: (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) [الفرقان: 64]، وقوله (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا) [الفرقان: 67] الآية، وقوله: (ولا يقتلون النفس إلى قوله لا يشهدون الزور) [الفرقان: 68- 72] إلخ.
وقسم من تطلب الزيادة من صلاح الحال في هذه الحياة ، وهو قوله: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا إلى قوله: للمتقين إماما) [الفرقان: 74] .” انتهى من “التحرير والتنوير” (19/68) .
ثالثًا:
وأما عن المناسبة في تأخير هذه الآية عما قبلها ، فيقول فخر الدين الرازي ، رحمه الله :
” اعلم أنه سبحانه وتعالى ذكر أن من صفة عباد الرحمن الاحتراز عن الشرك والقتل والزنا، ثم ذكر بعد ذلك حكم من يفعل هذه الأشياء من العقاب ، ثم استثنى من جملتهم التائب ، وهاهنا سؤالات :
السؤال الأول : أنه تعالى قبل ذكر هذه الصفة نزه عباد الرحمن عن الأمور الخفيفة، فكيف يليق بعد ذلك أن يطهرهم عن الأمور العظيمة مثل الشرك والقتل والزنا ؟ أليس أنه لو كان الترتيب بالعكس منه كان أولى؟
الجواب: أن الموصوف بتلك الصفات السالفة ، قد يكون متمسكا بالشرك تدينا، ومُقْدِما على قتل الموءودة تدينا ، وعلى الزنا تدينا، فبين تعالى أن المرء لا يصير بتلك الخصال وحدها من عباد الرحمن ، حتى يضاف إلى ذلك كونه مجانبا لهذه الكبائر .
وأجاب الحسن رحمه الله من وجه آخر فقال: المقصود من ذلك : التنبيه على الفرق بين سيرة المسلمين ، وسيرة الكفار، كأنه قال: وعباد الرحمن هم الذين لا يدعون مع الله إلها آخر ، وأنتم تدعون ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأنتم تقتلون الموءودة، ولا يزنون ، وأنتم تزنون” انتهى من ” تفسير الرازي” (24/ 483).
وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله:
” وهنا قد يسأل سائل: أبعد كل هذه الصفات لعباد الرحمن ننفي عنهم هذه الصفة (لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ) [الفرقان: 68] ، وهم مَا اتصفوا بالصفات السابقة إلا لأنهم مؤمنون بالإله الواحد سبحانه؟
قالوا: هذه المسألة عقيدة وأساس ؛ لا بُدَّ للقرآن أن يكررها، ويهتم بالتأكيد عليها ” .
انتهى من ” تفسير الشعراوي” (17/10511) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android