سؤالي هو: هل الحديث الذي يتحدث عن أن النبي موسى عليه السلام أراد أن يكون جزءاً من أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم صحيح؟
هل صح أن موسى عليه السلام تمنى أن يكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟
السؤال: 258493
ملخص الجواب
ملخص الجواب : هذا الحديث لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقصى ما فيه أنه من مرويات أهل الكتاب .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذا الحديث روي مرفوعا بأسانيد لا تصح .
فرواه ابن أبي عاصم في كتاب “السنة” (1 / 305 – 306) ؛ قال :
ثنا أَبُو أَيُّوبَ الْجَنائِزيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا رَبَاحُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْشِي ذَاتَ يَوْمٍ فِي طَرِيقٍ، فَنَادَاهُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا مُوسَى فَالْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمْ يَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نَادَاهُ الثَّانِيَةَ: يَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، فَالْتَفَتَ يَمِينًا، وَشِمَالًا فَلَمْ يَرَ أَحَدًا، فَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ، ثُمَّ نُودِيَ الثَّالِثَةَ: يَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، إِنِّي أَنَا اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا. فَقَالَ: لَبَّيْكَ، وَخَرَّ لِلَّهِ سَاجِدًا. فَقَالَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ … فَقَالَ: يَا مُوسَى … إِنَّ الْجَنَّةَ لَمُحَرَّمَةٌ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِي حَتَّى يَدْخُلَهَا مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. قَالَ مُوسَى: وَمَنْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: أُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ، يَحْمَدُونَ صُعُودًا وَهُبُوطًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، يَشُدُّونَ أَوْسَاطَهُمْ،، وَيُطَهِّرُونَ أَطْرَافَهُمْ، صَائِمُونَ بِالنَّهَارِ، رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ، أَقْبَلُ مِنْهُمُ الْيَسِيرَ، وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: إِلَهِي اجْعَلْنِي نَبِيَّ تِلْكَ الْأُمَّةِ. قَالَ: نَبِيُّهَا مِنْهُمْ. قَالَ: اجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ. قَالَ: اسْتَقْدَمْتَ وَاسْتَأْخَرُوا يَا مُوسَى، وَلَكِنْ يَا مُوسَى سَأَجْمَعُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فِي دَارِ الْجَلَالِ ).
وهذا الحديث إسناده ضعيف جدا .
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في “ظلال الجنة” المطبوع بحاشية كتاب “السنة” (1 / 306):
” إسناده ضعيف جدا، بل موضوع، ولوائح الوضع عليه ظاهرة ، وآفته أبو أيوب الجنائري واسمه سليمان بن سلمة الحمصي قال أبو حاتم: متروك لا يشتغل به. وقال ابن الجنيد: كان يكذب. وقال الخطيب: سعيد بن موسى مجهول، والجنائزي مشهور بالضعف.
ثم رجعت إلى ترجمة سعيد بن موسى الأموي من “الميزان” ، فإذا به يقول:
اتهمه ابن حبان بالوضع. ثم ساق له ثلاثة أحاديث هذا أحدها ، وقال: موضوع.
فالحمد لله على توفيقه ” انتهى .
وروى أبو نعيم في “دلائل النبوة” (ص 68 – 69) ؛ قال :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: ثنا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ، قَالَ: ثنا الرَّبِيعُ بْنُ النُّعْمَانِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ مُوسَى لَمَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِ التَّوْرَاةُ، وَقَرَأَهَا فَوَجَدَ فِيهَا ذِكْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَقَالَ: يَا رَبِّي، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ، فَاجْعَلْهَا أُمَّتِي قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ … قَالَ: يَا رَبِّ فَاجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ أَحْمَدَ. فَأُعْطَى عِنْدَ ذَلِكَ خَصْلَتَيْنِ … ) .
قَالَ أبو نعيم عقب هذا الحديث : ” وهذا الحديث من غرائب حديث سهيل، لا أعلم أحدا رواه مرفوعا إلا من هذا الوجه، تفرد به الربيع بن النعمان، وبغيره من الأحاديث، عن سهيل، وفيه لين ” انتهى .
وجبارة بن المغلس الراوي عن الربيع : ضعفه أهل العلم ، وذكروا أنه يروي الموضوعات وإن لم يكن يتعمد الكذب.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى :
” قال عبد الله بن أحمد: عرضت على أبي أحاديث سمعتها من جبارة ، منها :
ما حدثنا به عن حماد بن يحيى الأبح، عن الحكم، عن ابن جبير، عن ابن عباس حديث: ( صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ) ؟
فأنكر هذا، وقال في بعض ما عرضت عليه مما سمعت: هذه موضوعة ، أو : هي كذب.
وقال الحسين الرازي، عن ابن معين: كذاب.
وقال البخاري: حديثه مضطرب.
وقال ابن أبي حاتم:كان أبو زرعة حدث عنه في أول أمره، ثم ترك حديثه بعد ذلك، وقال: قال لي ابن نمير: ما هو عندي ممن يكذب، كان يوضع له الحديث، فيحدث به، وما كان عندي ممن يتعمد الكذب.
وقال ابن عدي: في بعض حديثه ما لا يتابعه عليه أحد، غير أنه كان لا يتعمد الكذب، إنما كانت غفلة فيه ” انتهى . “تهذيب التهذيب” (1 / 289) .
وروي هذا الخبر من كلام ابن عباس رضي الله عنه .
رواه ابن أبي حاتم كما في تفسيره (5 / 1587)؛ قال:
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ السَّكَنِ الْبَصْرِيُّ بِبَغْدَادَ، ثنا أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ أَوْسٍ النَّحْوِيُّ، ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ( قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ أَجِدُ أُمَّةً يُعْطُونَ صَدَقَةَ أَمْوَالِهِمْ ثُمَّ تَرْجِعُ فِيهِمْ فَيَأْكُلُونَهَا بَعْدُ، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةٌ تَكُونُ بَعْدَكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ … قَالَ: يَا رَبِّ اجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ أَحْمَدَ) انتهى .
وهذا الإسناد فيه ضعف؛ فهو مسلسل بالرواة الذين لهم أوهام؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في “تقريب التهذيب” (ص 233، 457، 493، 547) :
“المنهال بن عمرو الأسدي ، مولاهم الكوفي : صدوق ربما وهم .
قيس بن الربيع الأسدي أبو محمد الكوفي : صدوق ، تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه ، فحدث .
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، الكوفي، القاضي، أبو عبد الرحمن، صدوق سيء الحفظ جدا .
سعيد بن أوس بن ثابت ، أبو زيد الأنصاري النحوي البصري : صدوق له أوهام ” انتهى .
ثم إن صحت نسبة هذا الأثر إلى ابن عباس رضي الله عنه ، فإنه لم يرفعه ولم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلعله مما قد سمعه ممن أسلم من أهل الكتاب ، خاصة أنه من رواية سعيد بن جبير.
وذكر صاحب كتاب “التقرير في أسانيد التفسير” (ص 51) :
” من أصح الروايات عن عبد الله بن عباس : رواية سعيد بن جبير وكان مكيّا مقدما ، فهذا علي بن المديني يقدمه على سائر أصحاب عبد الله بن عباس ، وهو أكثر الرواة عنه رواية ، وأكثر التابعين من المكيين عناية بالإسرائليات .
وما يروى عن ابن عباس من هذا النوع فأكثره من طريقه ، ويروي عن ابن عباس في أمور الغيبيات من أخبار السابقين وأحوال القيامة ، مما يحتمل أخذه من بني اسرائيل ” انتهى .
وقد روي هذا الأثر من كلام كعب الأحبار منسوبا إلى التوراة .
رواه أبو نعيم في “حلية الاولياء” (6 /33) .
وفي سنده عِصَامُ بْنُ طَلِيقٍ ، وقد ضعفه ابن معين وأبو زرعة ، ونص البخاري أنه منكر الحديث . قال الذهبي رحمه الله تعالى في ” ميزان الاعتدال” (3 / 67) :
” عصام بن طليق :
قال ابن معين: ليس بشيء .
قلت: روى عنه طالوت بن عباد، والأسود شاذان.
قال ابن عدي: لا نعرف له حديثاً منكرا.
وقال البخاري: مجهول منكر الحديث.
وضعفه أبو زرعة ” انتهى .
ورواه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (17 / 367 – 369) في قصة طويلة ؛ حيث قال :
أخبرنا أبو سهل محمد بن إبراهيم المزكي، أنبأ أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن، أنبأ جعفر بن عبد الله، نا محمد بن هارون الروياني، ثنا أحمد يعني ابن أخي ابن وهب، ثنا عمي، ثنا سعيد بن عبد الرحمن بن نافع أنه سمع أباه يذكر أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب : دلني على أعلم الناس . فقال : ما أعلمه إلا ذو قَرَبات ، وهو باليمن يا أمير المؤمنين . قال : فبعث إليه معاوية فأتي به ومعاوية يومئذ بالغوطة ، غوطة دمشق قد نصبت الأبنية والأروقة والفساطيط … ).
قال ابن عساكر رحمه الله تعالى عقبه :
” ولا أرى هذا الحديث صحيحا، لأن كعبا لم يدرك خلافة معاوية، وإنما مات في خلافة عثمان ” انتهى .
وروي من كلام نوف البكالي رواه الطبري في “التفسير” (10 / 489 – 490) ونوف البكالي هو ابن امرأة كعب الأحبار ؛ فلعله أخذه منه .
وروي من قول قتادة؛ رواه الطبري رحمه الله تعالى في “تفسيره” (10 / 452)، قال :
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ” قال -موسى عليه السلام -: رب إني أجد في الألواح أمة، خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد … قال: وذكر لنا أن نبي الله موسى عليه السلام نبذ الألواح وقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد …) .
وعلق عليه ابن كثير رحمه الله تعالى بقوله :
” ثم ظاهر السياق [أي : سياق آيات سورة الأعراف والتي فيها إلقاء موسى عليه السلام الألواح] أنه إنما ألقى الألواح غضبا على قومه، وهذا قول جمهور العلماء سلفا وخلفا.
وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولا غريبا، لا يصح إسناده إلى حكاية قتادة، وقد رده ابن عطية وغير واحد من العلماء، وهو جدير بالرد، وكأنه تلقاه قتادة عن بعض أهل الكتاب، وفيهم كذابون ووضاعون وأفاكون وزنادقة ” انتهى . “تفسير ابن كثير” (3 / 477) .
فالحاصل :
أن هذا الحديث لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقصى ما فيه أنه من مرويات أهل الكتاب .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب