لدي سؤال لبعض الأخوات ، حيث إن زوجها يسب الدين ، وأحيانا الذات الإلهية وهو غضبان ، وهي لم تكن تعلم حكم أنها تصبح محرمة عليه بعد ذلك ، ولا هو أيضا ، ولهم فترة خمس سنين متزوجين ، لكن هو دائماً يستغفر ، ويندم بعد ما يبدر منه ، وهي دائماً تنصحه بتجنب هذه الألفاظ ، ففي الخمس سنين تذكر له أربعة مواقف سب بها ، ولكن يساورها الشك ، وهو أيضا أنه قد يكون تلفظ بمثل تلك الألفاظ خلال فترة العقد قبل الدخول ، فهل حياتهم بذلك كلها حرام ؟ وهل يجب عليهم إعادة العقد ؟ وماذا عن حياتهم حاليا معا ، وهم لا يعلمون إذا كان حلال أو حرام فهل عليها إثم ؟ وتسأل إن كانت تستطيع تجديد العقد من خلال الهاتف بسبب بعدها عن أهلها ؟ وهل يجب الإشهاد ، حيث إن كل الناس يعلمون أنهم متزوجون ؟ وهل يجب أن يخبروا الناس إنهم جددوا العقد ؟ هي خائفة جدا ؛ لأنها تعيش معه حاليا ، ولا يمكن أن تذهب إلى مكان آخر ، وكذلك هنالك ألفاظ منها حلي عن ربي ، أو ديني ، أو سماي ، أو جننتي ربي ، ديني سماي ، كذلك فهي ألفاظ شائعة جدا ، فهل هذه الألفاظ مخرجة عن الملة أيضا ؟
قوله حل عن ربي وعن سماي وجننت ربي وأثر الردة على النكاح
السؤال: 258756
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
سب الدين، أو سب الله عز وجل: كفر وردة عن الإسلام، وعلى فاعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى وأن يحذر غضبه وأليم عقابه، وأن يحمد الله أن أمهله ليتوب وينيب.
وأما كونه حال الغضب : فليس هذا عذرا، ما لم يصل به الغضب إلى حال لا يدري فيه ما يقول.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب ، ولو كان ذلك سب الدين : فإن توبته تقبل ، إذا استوفت الشروط التي ذكرناها .
ولكن ليُعلم أن الكلمة قد تكون كفراً وردة ، ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها ، لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره .
فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب ، نقول له : إن كان غضبك شديداً بحيث لا تدري ما تقول ، ولا تدري حينئذ أنت في سماء أم في أرض ، وتكلمت بكلام لا تستحضره، ولا تعرفه : فإن هذا الكلام لا حكم له ، ولا يحكم عليك بالردة ؛ لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد ، وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ به ، يقول الله تعالى في الأيمان (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (24/2) .
ثانيا:
أما أثر الردة على النكاح: فإن وقع السب قبل العقد، وعقد الساب النكاح قبل التوبة : لم يصح العقد. ولزم تجديده بعد توبته إن رغبت الزوجة .
وإن وقعت الردة بعد العقد، وقبل الدخول : بانت المرأة منه، ولم تحل له إلا بعقد جديد.
وإن كان ذلك بعد الدخول : توقف الأمر على انقضاء العدة ؛ فإن تاب وعاد إلى الإسلام قبل انقضائها : فالزوجية قائمة.
وينظر: جواب السؤال رقم (134339) .
وقد ذكرت أن الزوج دائماً يستغفر ويندم بعدما يبدر منه السب، وهذا يعني أنه يتوب قبل انقضاء العدة.
وأما احتمال أنه فعل ذلك بعد العقد وقبل الدخول ، فيقال فيه : إن الأصل بقاء النكاح، ولا يحكم بزواله ولا بالردة لمجرد الاحتمال والشك، بل يلزم التيقن من ذلك.
وعليه : فما لم يحصل اليقين بحدوث الردة قبل الدخول، فالنكاح الصحيح، ولا يجب تجديد العقد، ولا يستحب، بل الأولى الإعراض عن هذا التفكير، والحذر من الوسوسة.
وتجديد العقد –في حال وجوبه- يمكن أن يتم بتوكيل الولي من يعقده في محل إقامة المرأة، ويلزم فيه شهادة شاهدين مسلمين، سواء علموا بأمر النكاح الأول أم لا.
ولا يلزم إذاعة تجديد العقد بين الناس ، ولا إشاعة أمره ، ما دام قد حضره شاهدان ، وعقده الولي ، ويعلم الناس أنهما : متزوجان .
ويصح العقد عبر الهاتف إذا أُمِن التلاعب ، وحصل الوثوق بصوت الولي، كما سبق بيانه في جواب السؤال (105531) .
ثالثا:
الألفاظ المذكورة وهي " حلي عن ربي أو ديني أو سماي أو جننتي ربي ديني سماي" : لم نعلم على وجه اليقين : ما مراد القائل بكل واحد منها، وماذا يفهم الناس من قائل مثل ذلك ؟
مع أن أشنعها ، فيما يبدو لنا : قول القائل : "جننتني ربي" ؛ ففيه من الجرأة على مقام رب العالمين، وسوء الأدب معه : ما يستبشع المسلم قربانه ، أو سماعه ، فضلا عن قوله والنطق به .
والقاعدة العامة هنا : أن كل ما كان من باب : السب لرب العالمين ، جل جلاله ، أو الاستخفاف بمقامه العظيم، أو الاستهانة به، والجرأة عليه، أو السب لدينه ، والاستهانة به : فهذا كله كفر ظاهر بواح.
وبكل حال : فالألفاظ المذكورة : عامتها ألفاظ منكرة، يجب البعد عنها، لا سيما في مقام الغضب والخصومة؛ لأنها ، إن قدر أنها ليست كفرا بالله ، ففيها من سوء الأدب ، والاستخفاف والاستهانة : ما يوجب على المسلم الحذر منها ، وعدم قربانها ، ولا النطق بها .
والله أعظم وأجل من أن يذكر في سياق مثل هذا، والقلب إذا كان فيه الإيمان منع صاحبه من المساس بمقام الربوية، والإنسان عند الغضب يقول: حل عني أو عن رأسي، فلا وجه لذكره ربه في هذا المقام، ولا لجعل ذلك تنفيسا عن الغضب، فالله أعظم وأجل من يُذكر لتنفيس الغضب.
وقد روى البخاري (6478) ومسلم (2988) عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ).
وعند الترمذي (2319): (إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فالواجب اجتناب هذه الألفاظ التي لا تليق بمقام الربوبية، أو التي فيها استخفاف، أو سب ؛ فإن صاحبها ، إذا قدر أنه لم يقع في الكفر بقولها ، لم ينج من سوء الأدب مع رب العالمين ، واقتحام أمر كبير، وأثره خطير :
فَإِنْ تَنْجُ مِنْهَا: تَنْجُ مِنْ ذِي عَظِيمَةٍ * وَإِلَّا، فَإِنِّي لَا أَخَالُكَ نَاجِيَا
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة