0 / 0

حول الاعتماد في الحديث على كتابي “السلسلة الصحيحة” و ” صحيح الترغيب والترهيب”

السؤال: 259726

كثيرا ما تكتبون في تخريج بعض الأحاديث ( صحيح ترغيب ) ، و ( السلسلة الصحيحة ) ، لمن هذين الكتابين ، يرجى إعطاءنا لمحة عنهم ، وهل هم كتب معتمدة في مجال الحديث ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

كتاب “صحيح الترغيب والترهيب” ، وكتاب ” السلسلة الصحيحة” كلاهما للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى .

أما الكتاب الأول : فأصله كتاب الترغيب والترهيب للحافظ عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله ، أبو محمد ، زكي الدين المنذري (ت 656هـ) ، وقد جمع في كتابه (5766) حديثا تحت أبواب الترغيب في أبواب الخير والترهيب من أبواب الشر .

يقول عنه الشيخ الألباني في مقدمة كتابه (1/35) :” ليس بخافٍ على أحد من أهل العلم أن كتاب “الترغيب والترهيب” للحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري هو أجمع وأنفع ما ألف في موضوعه ، فقد أحاط فيه أو كاد ، بما تفرق في بطون الكتب الستة وغيرها من أحاديث الترغيب والترهيب في مختلف أبواب الشريعة الغراء ، كالعلم والصلاة ، والبيوع والمعاملات ، والأدب والأخلاق ، والزهد ، وصفة الجنة والنار ، وغيرها مما لا يكاد يستغني عنه واعظ أو مرشد ، ولا خطيب أو مدرس ، مع اعتنائه بتخريج الأحاديث وعزوه إياها إلى مصادرها من كتب السنة المعتمدة، على ما بيَّنه هو نفسه في المقدمة ، وقد أجاد ترتيبه وتصنيفه ، وأحسن جمعه وتأليفه ، فهو فرد في فنه ، منقطع القرين في حسنه ، كما قال الحافظ برهان الدين الحلبي الملقب بـ (الناجي) في مقدمة كتابه “عُجالة الإملاء” ، فاستحق بذلك أن يصفه الحافظ الذهبي النَّقاد: بأنه كتاب نفيس ؛ كما نقله عنه ابن العماد في “الشذرات” (5/ 278) “. انتهى .

إلا أنه رحمه الله ، مع جودة تصنيفه للكتاب ، وحسن إخراجه له ، لم ينقحه تماما ، فوقع فيه جملة من الأحاديث الضعيفة والواهية . وهو معذور في ذلك ، فقد نص في خاتمة كتابه على أنه صنفه في غربته حيث كان بعيدا عن كتبه ، وذكر أيضا في خاتمة كتابه أنه قد يذكر بعض الأحاديث الشاذة متنا وإسناداً ولا ينبه عليها فقال :” وكذلك تقدم أحاديث كثيرة غريبة ، وشاذة متناً وإسناداً، لم أتعرَّض لذكر غرابتها وشذوذها ” . انتهى من “الترغيب والترهيب”(4/318) .

ولما كان الشيخ الألباني صاحب مشروع كبير أسماه ” تقريب السنة بين يدي الأمة ” ، وهدفه من ذلك تصفية الأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم مما لم يصح ، وتقريبه لعموم المسلمين ، أراد الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله أن يحقق الكتاب من الناحية الحديثية فيفصل بين المقبول والمردود ؛ فجعل الكتاب على قسمين : الأول صحيح الترغيب والترهيب ، والثاني ضعيف الترغيب والترهيب .

وقد جمع في كتاب “صحيح الترغيب والترهيب”  (3775) حديثا ، منها الصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن الصحيح والحسن لذاته والحسن لغيره .

وربما يذكر الباب ولا يذكر تحته حديثا لأنه لم يصح من الأحاديث التي أوردها الحافظ المنذري في هذا الباب شيء .

وكان الشيخ قد أصدر الطبعة الأولى للكتاب مبكرا، ثم عاد فراجعه بعد أكثر من عشرين عاما فتراجع عن أحاديث كان صححها ، فتبين له ضعفها ، وأحاديث كان قد ضعفها ، ثم تبين له حسنها أو قوتها بطرقها ، وكان ذلك في ختام عمره حيث كان في الخامسة والثمانين ، والشيخ في كتابه لا يستطرد في تخريج الحديث ولا يترجم للرواة ، وإنما يكتفي بذكر الحديث مع درجته وحكمه عليه .

وأما الكتاب الثاني : فهو “سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها” ، فهو كتاب كبير مطول ، أراد الشيخ الألباني أن يجمع فيه قدرا كبيرا من الأحاديث الصحيحة ، بتخريج موسع مع ذكر درجة الحديث .

ويذكر كذلك في كثير من الأحيان بعض الفوائد الفقهية أو العقدية أو التربوية المستفادة من الحديث. وأصل الكتاب كان مقالات حديثية في مجلة التمدن الإسلامي ، ثم جمعها الشيخ في أجزاء كانت تصدر تباعا ، ولذا أسماه “سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها ” .

وأصدر بالمقابل “سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة” ، وبلغت الأحاديث التي ذكرها الشيخ في كتابه “السلسلة الصحيحة” (4035) .

أما مؤلف الكتابين : فهو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ، ولد بألبانيا سنة 1333هـ /1914م ، وتوفي الشيخ رحمه الله سنة 1420هـ/1999م

هاجر به والده إلى دمشق ، وطلب الشيخ علوم الشريعة ، واشتغل الشيخ بعلم الحديث اشتغالا عظيما ، وتجرد له ، ونبغ فيه ، وعكف على تحقيق الأحاديث ودراستها أكثر من خمسين عاما حتى أصبحت عنده ملكة وصنعة حديثية مكينة ، وتيسر له من المخطوطات الحديثية في المكتبة الظاهرية ما لم يكد يتيسر لغيره من أقرانه ومعاصريه ، ووقف على كثير من الأسانيد وطرق الحديث مما مكنه من دراسة الأسانيد ومعرفة عللها .

ونشر علم “الحديث والسنة” ، وأشاع صنعته بين الناس ، بعد طول زمان من خفوتها ، وندرة المشتغلين بها على طريقة أهل الصنعة والنظر والاجتهاد .

وشهد له الموافق والمخالف بالسبق والفضل في علم الحديث ، حتى قال فيه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :” ما رأيت تحت أديم السماء عالما بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني “. من كتاب “حياة الألباني” (ص65) لمؤلفه محمد إبراهيم الشيباني .

والشيخ كغيره من أهل العلم : بشر غير معصوم ، يجتهد فيصيب ويخطئ ، وكثيرا ما تراجع الشيخ عن تضعيف حديث أو عن تصحيحه ، حتى إنه يكتب :” ينقل إلى السلسلة الصحيحة ” أو ” ينقل إلى السلسلة الضعيفة ” وهكذا ، وهذا يدل على إنصافه وتواضعه للعلم رحمه الله .

والحكم على الحديث صحة وضعفا أمر اجتهادي ، ولذا في كثير من الأحيان يكون الخلاف بين أهل العلم في التصحيح والتضعيف خلافا سائغا لا يجوز فيه التشغيب على أحد ، أو رميه بالجهل وغير ذلك ، ما دام أنه من أهل العلم والتزم فيه أصول الحديث وقواعده .

وحينئذ ؛ فمن كان من أهل التخصص في هذا العلم ، والتأهل له ، والاجتهاد فيه : فإنه ينظر في كتب الشيخ وبحوثه ، كما ينظر في كلام أهل العلم وكتبهم ، ويختار لنفسه من ذلك ما يترجح عنده؛ وما يسعه علمه ونظره , وجهده ووقته .

ومن لم يكن من المشتغلين بهذا العلم ، ولا المتخصصين فيه : وسعه أن يعتمد على كتب الشيخ واجتهاداته الحديثية ، ونُعْمَةُ عين ، كما يسعه ذلك مع أهل العلم في اختصاصاتهم ، وعلومهم ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا .

وختاما رحم الله الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني رحمة واسعة ، وأسكنه الفردوس الأعلى ، وجزاه الله خير الجزاء ، عما قدم وبذل خدمة لدين الله عز وجل ، آمين .

والله أعلم 

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android