ماهي أفضل مراتب العلماء هل هو المفسر أم الفقيه وغيرهما؟ وماهي شروط المفسر؟
أفضل العلوم وبيان شروط المفسر لكتاب الله .
السؤال: 262476
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
أفضل العلوم: العلم بالله تعالى وبأسمائه وصفاته، وهو المسمى بأصول الدين، أو العقيدة، أو الفقه الأكبر؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم، ولأنه يتعلق بتصحيح الأصل الذي ينبني عليه ما عداه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” العلم الأعلى هو العلم بالله نفسه؛ الذي هو في نفسه أعلى
الموجودات، والعلم به أعلى العلوم، وإرادة وجهه أعلى الإرادات، وذكره أعلى الأذكار، واسمه أعلى الأسماء؛ قال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى • الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى • وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى • وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى • فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى [الأعلى: 1 – 5] ” انتهى، من “شرح الأصفهانية” (109) .
وقال ابن رجب رحمه الله: ” فأفضل العِلْم العِلْم بالله، وهو العِلْم بأسمائه وصفاته، وأفعاله التي توجب لصاحبها معرفة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته، والتبتل إِلَيْهِ والتوكل عليه، والرضا عنه، والاشتغال به دون خلقه.
ويتبع ذلك العِلْم بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتفاصيل ذلك، والعلم بأوامر الله ونواهيه وشرائعه وأحكامه، وما يحبه من عباده من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وما يكرهه من عباده من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
ومن جمع هذه العلوم فهو من العلماء الربانيين، العلماء بالله، العلماء بأمر الله.
وهم أكمل ممن قصر علمه على العِلْم بالله دون العِلْم بأمره وبالعكس .
وشاهدُ هذا : النظر في حال الحسن وابن المسيب والثوري وأحمد وغيرهم من العلماء الربانيين، وحال مالك بن دينار والفضيل بن عياض ومعروف وبشر وغيرهم من العارفين.
فمن قايس بين الحالين ، عرف فضل العلماء بالله وبأمره ، على العلماء بالله فقط.
فما الظن بتفضيل العلماء بالله وبأمره ، على العلماء بأمره فقط، فإن هذا واضح لا خفاء به .
وإنما يظن بعض من لا علم له : تفضيل العُبّاد على العلماء؛ لأنهم تخيلوا أن العلماء هم العلماء بأمر الله فقط، وأن العباد هم العلماء بالله وحده، فرجحوا العالم بالله ، على العالم بأمره، وهذا حق” انتهى من “مجموع رسائل ابن رجب” (1/ 41).
وليس المراد بذلك العلم الفاضل : أن يتعلمه على طريقة المتكلمين ، وأوضاعهم ، والرد على من ضل أو أخطأ منهم ؛ فإن هذا لا يطلب من كل أحد ، بل هذا لا يتصدى له الخاصة ، ممن تأهل له .
وإنما المراد بذلك : العناية بعلم ما في كتاب الله وسنة رسوله من ذلك ، وتدبره ، وإحصائه ، والقيام الله به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” العلم بالله ، وما يستحقه من الأسماء والصفات : لا ريب أنه مما يفضل الله به بعض الناس على بعض، أعظم مما يفضلهم بغير ذلك من أنواع العلم.
ولا ريب أن ذلك يتضمن من الحمد لله، والثناء عليه، وتعظيمه وتقديسه، وتسبيحه وتكبيره – ما يعلم به أن ذلك مما يحبه الله ورسوله.” انتهى، من “درء التعارض” (7/129) .
وقال أيضا :
” الآيات الخبرية تتضمن عملاً محبة لله وخوفاً منه وتوكلا عليه ورجاء رحمته وخوفاً من عذابه واعتباراً بما مضى وغير ذلك من أنواع العمل ” انتهى، من “بيان تلبيس الجهمية” (8/109) .
وقال رحمه الله أيضا :
” كما أن العلم بالله مقصود فمحبة الله أيضًا مقصودة فلا يكفي النفس مجرد أن تعرف الله دون أن تحبه وتعبده وهذا أصل ملة إبراهيم الخليل إمام الحنفاء الذي اتخذه الله خليلاً وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم إنَّ الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً وقد قال تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) [الذاريات 56] والعبادةُ تتضمَّن كمالَ المحبة له وكمال الذل له.
فلو قُدِّر أن الإنسان عَلِم كلَّ عِلْم ولم يكن مُحِبًّا لله عابدًا له كان شقيًّا معذَّبًا ولم يكن سعيدًا في الآخرة ولا ناجيًا من عذاب الله . ” انتهى، من ” الرد على الشاذلي” (205) .
ثانيا :
من نظر إلى التفسير، وأنه يتعلق ببيان معاني كلام الله تعالى، وكلامه يشتمل على بيان العقائد والأحكام : جزم بأن التفسير أشرف العلوم على الإطلاق، فهو جامع للعلم بالله، والعلم بأمره
ولهذا قال الواحدي رحمه الله: ” .. أم العلوم الشرعية، ومجمع الأحكام الدينية، كتاب الله المودع نصوص الأحكام وبيان الحلال والحرام، والمواعظ النافعة، والعبر الشافية، والحجج البالغة .
والعلم به : أشرف العلوم وأعزها، وأجلها وأمزها، لأن شرف العلوم بشرف المعلوم.
ولما كان كلام الله تعالى أشرف المعلومات، كان العلم بتفسيره وأسباب تنزيله ومعانيه وتأويله، أشرف العلوم.
ومن شرف هذا العلم وعزته في نفسه : أنه لا يجوز القول فيه بالعقل والتدبر، والرأي والتفكر، دون السماع والأخذ عمن شاهدوا التنزيل بالرواية والنقل.
والنبي صلى الله عليه وسلم ، فمن بعده من الصحابة والتابعين : قد شددوا في هذا ، حتى جعلوا المصيب فيه برأيه مخطئا” انتهى من التفسير الوسيط (1/ 47).
ثالثا :
لا يخفى على البصير الموفق : فضل الفقه في دين الله جل جلاله ، ومعرفة أحكامه ، وحلاله وحرامه ، والرسوخ في ذلك كله ، وضبطه ، وتعليمه للعباد .
وقد الله تعالى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) التوبة/122
قال الخطيب البغدادي رحمه الله :
” فَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ أَوْجَبَ عَلَى إِحْدَاهُمَا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِهِ، وَعَلَى الْأُخْرَى التَّفَقُّهَ فِي دِينِهِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ جَمِيعُهُمْ إِلَى الْجِهَادِ فَتَنْدَرِسَ الشَّرِيعَةُ وَلَا يَتَوَفَّرُوا عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ فَيَغْلِبَ الْكُفَّارُ عَلَى الْمِلَّةِ، فَحَرَسَ بَيْضَةَ الْإِسْلَامِ بْالْمُجَاهِدِينَ وَحَفَظَ شَرِيعَةَ الْإِيمَانِ بْالْمُتَعَلِّمِينَ وَأمَرَ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِمْ فِي النَّوَازِلِ وَمَسْأَلَتِهِمْ عَنِ الْحَوَادِثِ ” انتهى ، من “الفقيه والمتفقه” (1/69) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ ) .
رواه البخاري (71) ومسلم (1037) .
ومنزلة الفقه في دين الله ليست بالمحل الذي يخفى على منصف عاقل .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (111963) بيان المفاضلة بين علم الفقه وعلم الحديث، فارجع إليه.
وينظر للفائدة في ذلك ، كتاب : “الفقيه والمتفقه” ، للخطيب البغدادي ، وكتاب ” مفتاح دار السعادة” لابن القيم .
على أننا نبه إلى أنه : ليس المعارضة بين شيء من ذلك ، من شأن البصير الموفق ، بل ولا المفاضلة إذا زهدته فيما يحتاج إليه من علم ذلك ؛ إنما عليه أن يطلب أول ما يطلب ، ما يحتاج إليه من علم ذلك كله ، وما يصح به دينه ، وعبادته ، وعقيدته ، ويستقيم به هديه ، وخلقه .
ثم النفل والزيادة من ذلك ، على حسب ما يسره الله له ، وأهله لبلوغه ، وسهل عليه سبيله ، وفتح أبوابه له شيوخه وأساتذته .
قال إسحاق بن راهويه ، رحمه الله :
” ( طلب العلم واجب ) : لم يصح الخبر فيه . إلا أن معناه قائم ؛ يلزمه علم ما يحتاج إليه ، من وضوئه وصلاته وزكاته ، إن كان له مال، وكذلك الحج وغيره .
إنما يعني ( الواجب ) : أنها إذا وقعت ، فلا طاعة للأبوين في ذلك .
وأما من خرج يبتغي علماً : فلا بد له من الخروج بإذن الأبوين ، لأنه فضيلة ، ما لم تحل به البلية. والنوافل لا تُبتغَى إلا بإذن الآباء ” انتهى ، من “مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه” ، لإسحاق بن منصور الكوسج (9/4654) .
رابعا :
المفسّر لكتاب الله تعالى يلزم أن تتحقق فيه جملة من الشروط بينها أهل العلم، وقد جمعها الأستاذ أحمد محمد معبد رحمه الله في كتابه “نفحات من علوم القراآن”.
قال في ص125 : ” شروط المفسر لكتاب الله تعالى ، قد ذكرها العلماء في عدة شروط ، نختصرها لك فيما يأتي:-
أولا: صحة العقيدة- لأن صحة العقيدة لها أثر كبير في نفس صاحبها، وما يتأثر به الإنسان يظهر في كلامه منطوقا ومكتوبا.
ثانيا: التجرد عن الهوى، فالأهواء تدفع أصحابها إلى نصرة مذاهبهم ، ولو كانت على غير حق.
ثالثا: أن يطلب تفسير القرآن بالقرآن، فإن بعض القرآن يفسر بعضه، فما أُجمل منه في موضع، فإنه قد فُصّل في موضع آخر، وما اختُصر منه في مكان ، فإنه قد بسط في مكان آخر .. وهكذا.
رابعا: أن يُطلب تفسير القرآن بالسنة النبوية، وذلك لأن السنة شارحة للقرآن وموضحة له، وقد ذكر القرآن الكريم أن أحكام الرسول صلّى الله عليه وسلم التي كان يحكم بها ، هي وحي من الوحي .
وقد بيّن ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ ) الآية.
ولهذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلم ألا إنّي أوتيت القرآن ومثله معه أي السنة.
خامسا: أقوال الصحابة، لأنهم أدرى بذلك ، من مشاهدتهم للعديد من القرائن والأحوال والحوادث عند نزول القرآن الكريم، ولما لهم من خصوصية الفهم التام ، والعلم الصحيح ، والعمل الصالح ، مع الإخلاص الكامل لله ولرسوله.
وقد روى الحاكم في المستدرك : أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم له حكم المرفوع .
ولأنهم هم الأمناء الأول على الرسالة الإسلامية ، وكان الواحد منهم إذا تعلم من النبي صلّى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزها ، حتى يعلم ما فيها من العلم والعمل.
وكما ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما (أقام على حفظ سورة البقرة ثمان سنين) أخرجه في الموطأ. وذلك لفهم أمر الله تعالى في قوله جل وعلا: ( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ ) .
سادسا: أقوال التابعين، فإذا لم يجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا في أقوال الصحابة. فإنه يرجع إلى أقوال التابعين .
وقد رجع كثير من الأئمة إلى أقوال التابعين كمجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة، والحسن البصري وغيرهم، ومن التابعين من تلقّى التفسير عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
سابعا: أن يكون عالما باللغة العربية وفروعها، لأن القرآن نزل بلغة العرب، ولا بدّ للمفسر من معرفة مفردات الألفاظ عند الشرح ، حتى لا يقول في كلام الله تعالى ما لا يجوز ولا يليق.
وقد قيل في هذا “لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب”.
ثامنا: أن يكون عالما بأصول العلوم المتصلة بالقرآن وعلم التوحيد، حتى لا يؤول آيات الكتاب العزيز التي في حق الله تعالى وصفاته ، تأويلا يتجاوز به الحق والصواب .
كما يجب عليه أن يكون عالما بعلم الأصول، وأصول التفسير ، خاصة والناسخ والمنسوخ ، ونحو ذلك من العلوم التي تتعلق بالقرآن الكريم.
تاسعا: دقة الفهم- أو علم الموهبة- كما قال السيوطي في كتاب الإتقان، وهو الذي به يتمكن المفسر من ترجيح معنى على معنى آخر… ” انتهى.
ونسأل الله أن يمن علينا وعليك بالعلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة