0 / 0

هل تزوج الأئمة الأربعة ، وهل ترك الزواج أولى ؟

السؤال: 263339

هل كان الأئمة الأربعة متزوجين ولديهم أولاد ( أبو حنيفة ، مالك ، الشافعي ، ابن حنبل ) إذ أن هناك الكثير من الإخوة والأخوات يخلقون أعذار واهية للامتناع عن الزواج لأنهم مشغولون في العمل و مستقبله، أو لا يريدون انجاب الأولاد لأنهم مشغولين ويدعون أن الأئمة الأربعة وعلماء آخرون لم يكونوا متزوجين لأنهم كانوا مشغولين.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

الزواج من سنن المرسلين، ومما رغب فيه وحث عليه إمام النبيين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً  الرعد/38 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” فأما الإعراض عن الأهل والأولاد فليس مما يحبه الله ورسوله ولا هو من دين الأنبياء؛ بل قد قال تعالى: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية والإنفاق على العيال والكسب لهم يكون واجبا تارة ومستحبا أخرى فكيف يكون ترك الواجب أو المستحب من الدين ” انتهى، من “مجموع الفتاوى” (10/643). 

وقال صلى الله عليه وسلم : مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ  أخرجه البخاري في “صحيحه” (1905) ، ومسلم في “صحيحه” (1400) .

ولما أراد بعض الصحابة التبتل وترك الزواج: لم يأذن لهم صلى الله عليه وسلم .

فقد روى البخاري في “صحيحه” (5073) ، ومسلم في “صحيحه” (1402) من حديث سعد بن أبي وقاص قال :” رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا ” .

ومن ترك الزواج رغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو على خطر عظيم، وواقع تحت وعيد شديد؛ ففي الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري في “صحيحه” (5063) ، ومسلم في “صحيحه” (1401) ، من حديث أنس رضي الله عنه قال : ” جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ:  أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي  .

قال الفاكهاني رحمه الله، في رياض الأفهام شرح عمدة الأحكام (4/577) : ” أي: من رغب عن سنتي إعراضًا عنها، وغيرَ معتقدٍ لها على ما هي عليه.” انتهى.

قال ابن بطال في “شرح صحيح البخاري” (7/160) :” قال المهلب: في هذا الحديث من الفقه أن النكاح من سنن الإسلام ، وأنه لا رهبانية في شريعتنا ، وأن من ترك النكاح رغبة عن سنة محمد، عَلَيْهِ السَّلام ، فهو مذموم مبتدع “. انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “أي سلك غيرها ظانا أن غيرها خير منها فمن كان كذلك فهو بريء من الله ورسوله قال تعالى: ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه.

بل يجب على كل مسلم أن يعتقد أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه في الصحيح أنه كان يخطب بذلك كل يوم جمعة.” انتهى، من “مجموع الفتاوى” (11/201).

وينظر جواب السؤال رقم (87998) .

ثانيا:

وأما قول القائل أن الأئمة الأربعة لم يتزوجوا فهذا خطأ ، بل ثبت أنهم جميعا تزوجوا ، ورزقهم الله الذرية .

فأما الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله: فقد ترجم له الذهبي في “تاريخ الإسلام” (3/990) فذكر من تلاميذه ولده حماد بن أبي حنيفة .

 ولما ترجم له في “سير أعلام النبلاء” (6/403) قال :” وَابْنُهُ الفَقِيْهُ حَمَّادُ بنُ أَبِي حَنِيْفَةَ ، كَانَ ذَا عِلْمٍ ، وَدِيْنٍ ، وَصَلاَحٍ ، وَوَرَعٍ تَامٍّ “. انتهى.

وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله، فقد ذكر القاضي عياض في “ترتيب المدارك” (1/116) في ترجمته فقال :” قال أبو عمر ابن عبد البر كان لمالك أربعة من البنين: يحيى ومحمد وحماد وأم البهاء “. انتهى

وذكر الذهبي في ترجمته في “سير أعلام النبلاء” (7/200) :” وَغَسَلَهُ ابْنُ أَبِي زَنْبَرٍ وَابْنُ كِنَانَةَ ، وَابْنُهُ يَحْيَى وَكَاتِبُهُ حَبِيْبٌ يَصُبَّانِ عَلَيْهِمَا المَاءَ “. انتهى

وأما الإمام الشافعي رحمه الله: فقد ذكر هو بنفسه أولاده في وصيته المنقولة في كتاب “الأم” (4/130) فقال :” وَجَمِيعُ تَرِكَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ بِمِصْرَ، مِنْ أَرْضٍ وَغَيْرِهَا، وَجَعَلَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ ، وَلَاءَ وَلَدِهِ بِمَكَّةَ وَحَيْثُ كَانُوا، إلَى عُثْمَانَ وَزَيْنَبَ وَفَاطِمَةَ بَنِي مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ “. انتهى.

وروى ابن عبد البر في “الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء” (ص68) بسنده إلى عبد الله بْن مُحَمَّدِ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مُطَّلِبِيًّا ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَزْدِيَّةً مِنَ الأَزْدِ، وَكَانَ يَسْكُنُ مَكَّةَ وَيَنْزِلُ مِنْهَا بالبنية ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ وَلَدِهِ : حَمْدَةَ بِنْتَ نَافِعِ بْنِ عَنْبَسَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّان “. انتهى.

وأما الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فقد تزوج امرأتين ، الأولى أم صالح ، ثم لما توفيت تزوج بأم عبد الله .

وقد روى الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (16/626) بسنده عن المروذي، قَالَ:” سَمِعْتُ أَبَا عَبْد الله أَحْمَد بْن حنبل ، يَقُولُ: أقامت أم صالِح معي ثلاثين سنة ، فما اختلفتُ أنا وهي فِي كلمة “. انتهى.

وولداه صالح وعبد الله مشهوران بالعلم والرواية .

قال أبو يعلى في “طبقات الحنابلة” (1/7) :” وأما نقلة الفقه عَنْ إمامنا أَحْمَد: فهم أعيان البلدان وأئمة الأزمان ، منهم ابناه صالح وعبد اللَّه “. انتهى.

ثالثا:

هذا والزواج يختلف حكمه على حسب كل إنسان ، فقد يكون واجبا ، وقد يكون مستحبا . واختلف أهل العلم: هل يكون تركه أولى من فعله لمن يريد التفرغ للعبادة ونفسه لا تتوق إلى النكاح ؟

قال ابن قدامة في “المغني” (7/4) :” وَالنَّاسُ فِي النِّكَاحِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ؛ مِنْهُمْ مَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ إنْ تَرَكَ النِّكَاحَ ، فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ ، وَصَوْنُهَا عَنْ الْحَرَامِ ، وَطَرِيقُهُ النِّكَاحُ.

الثَّانِي، مَنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ، وَهُوَ مَنْ لَهُ شَهْوَةٌ يَأْمَنُ مَعَهَا الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ ، فَهَذَا الِاشْتِغَالُ لَهُ بِهِ، أَوْلَى مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الصَّحَابَةِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – ، وَفِعْلِهِمْ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إلَّا عَشْرَةُ أَيَّامٍ ، وَأَعْلَمُ أَنِّي أَمُوتُ فِي آخِرِهَا يَوْمًا ، وَلِي طَوْلُ النِّكَاحِ فِيهِنَّ ، لَتَزَوَّجْت مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: تَزَوَّجْ ، فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ: قَالَ لِي طَاوُسٌ: لَتَنْكِحْنَ ، أَوْ لَأَقُولَنَّ لَك مَا قَالَ عُمَرُ لِأَبِي الزَّوَائِدِ: مَا يَمْنَعُك عَنْ النِّكَاحِ إلَّا عَجْزٌ أَوْ فُجُورٌ.

قَالَ أَحْمَدُ – رَحِمَهُ اللَّهُ – فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: لَيْسَتْ الْعُزْبَةُ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ. وَقَالَ: مَنْ دَعَاكَ إلَى غَيْرِ التَّزْوِيجِ ، فَقَدْ دَعَاكَ إلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِشْرٌ كَانَ قَدْ تَمَّ أَمْرُهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّخَلِّي لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ يَحْيَى – عَلَيْهِ السَّلَامُ – بِقَوْلِهِ: وَسَيِّدًا وَحَصُورًا آل عمران/39. وَالْحَصُورُ: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ فَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ أَفْضَلَ لَمَا مَدَحَ بِتَرْكِهِ.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ آل عمران/14 . وَهَذَا فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ ، فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِالْعِبَادَةِ أَفْضَلَ مِنْهُ ، كَالْبَيْعِ.

 وَلَنَا : مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ بِهِ ، وَحَثِّهِمَا عَلَيْهِ ،وَقَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:( وَلَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) .

وَقَالَ سَعْدٌ:” لَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ ، وَلَوْ أَحَلَّهُ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ” ، وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ:” كَانَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ ، وَيَنْهَى عَنْ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا ، وَيَقُولُ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » رَوَاهُ سَعِيدٌ.

وَهَذَا حَثٌّ عَلَى النِّكَاحِ شَدِيدٌ ، وَوَعِيدٌ عَلَى تَرْكِهِ يُقَرِّبُهُ إلَى الْوُجُوبِ ، وَالتَّخَلِّي مِنْهُ إلَى التَّحْرِيمِ ، وَلَوْ كَانَ التَّخَلِّي أَفْضَلَ لَانْعَكَسَ الْأَمْرُ .

وَلِأَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَزَوَّجَ ، وَبَالَغَ فِي الْعَدَدِ ، وَفَعَلَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ ، وَلَا يَشْتَغِلُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَأَصْحَابُهُ إلَّا بِالْأَفْضَلِ ، وَلَا تَجْتَمِعُ الصَّحَابَةُ عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ ، وَالِاشْتِغَالِ بِالْأَدْنَى ، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ مَنْ يُفَضِّلُ التَّخَلِّيَ لَمْ يَفْعَلْهُ “. انتهى.

ومما لا شك فيه أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو الزواج ، وأن هذا هو الأصل ، وهو الذي عمل به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن تبعهم .

ثم إن من قال من أهل العلم بأن ترك الزواج أولى لمنشغل بالتعبد، أو العلم ؛ إنما قال ذلك لمن لا تتوق نفسه إلى النكاح ، ويأمن على نفسه الفتنة .

ولا شك أن هذه الأزمان كثرت فيها الفتن ، وأحاطت المغريات والشهوات بالمسلم من كل جانب ، فالمتأكد في حقه أن يعفه نفسه بالنكاح ، ثم يجتهد في طلب العلم، ونيل حظه من العبادة، كما هي عادة عوام أهل العلم من الصحابة والتابعين، والسلف الصالح أجمعين.

قال ابن القيم في “بدائع الفوائد” (3/158) :” استدل على تفضيل النكاح على التخلي لنوافل العبادة بأن الله تعالى عز وجل اختار النكاح لأنبيائه ورسله، فقال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً ، وقال في حق آدم: وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا .

واقتطع من زمن كليمه عشر سنين في رعاية الغنم ، مهر الزوجة ، ومعلوم مقدار هذه السنين العشر في نوافل العبادات .

واختار لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأشياء ، فلم يحب له ترك النكاح ، بل زوجة بتسع فما فوقهن ، ولا هدي فوقه هدية .

ولو لم يكن فيه إلا سرور النبي صلى الله عليه وسلم يوم المباهاة بأمته ، ولو لم يكن فيه إلا أنه بصدد أنه لا ينقطع عمله بموته ، ولو لم يكن فيه إلا أنه يخرج من صلبه من يشهد بالله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة ، ولو لم يكن فيه إلا غض بصره وإحصان فرجه عن التفاته إلى ما حرم الله تعالى ، ولو لم يكن فيه إلا تحصين امرأة يعفها الله به ، ويثيبه على قضاء وطره ووطرها ، فهو في لذاته وصحائف حسناته تتزايد ، ولو لم يكن فيه إلا ما يثاب عليه من نفقته على امرأته وكسوتها ومسكنها ورفع اللقمة إلى فيها ، ولو لم يكن فيه إلا تكثير الإسلام وأهله وغيظ أعداء الإسلام ، ولو لم يكن فيه إلا ما يترتب عليه من العبادات التي لا تحصل للمتخلي للنوافل ، ولو لم يكن فيه إلا تعديل قوته الشهوانية الصارفة له عن تعلق قلبه بما هو أنفع له في دينه ودنياه ، فإن تعلق القلب بالشهوة أو مجاهدته عليها ، تصده عن تعلقه بما هو أنفع له ، فإن الهمة متي انصرفت إلى شيء ، انصرفت عن غيره ، ولو لم يكن فيه إلا تعرضه لبنات ، إذا صبر عليهن وأحسن إليهن كن له سترا من النار ، ولو لم يكن فيه إلا أنه إذا قدم له فرطين لم يبلغا الحنث أدخله الله بهما الجنة ، ولو لم يكن فيه إلا استجلابه عون الله له فإن في الحديث المرفوع:( ثلاثة حق على الله عونهم الناكح يريد العفاف ، والمكاتب يريد الأداء ، والمجاهد )”. انتهى.

وختاما: فإن خير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فالزم غرزه يا عبد الله ، في أمرك كله، وقد نجوت .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android