أشكل على كثرة الأحداث التى قام خالد بن الوليد رضى الله عنه فيها بالقتل متأولا ولم يصب ، وسؤالى هو : ما الفرق بين تأول خالد بن الوليد فى القتل وتأول الخوارج فهم يكفرون الناس ويقتلونهم بناء على تأويلات فاسدة ؟
الرد على من يقارن بين تأويلات الخوارج وما تأوله خالد بن الوليد رضي الله عنه في قتل بعض الناس .
السؤال: 266199
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
خالد بن الوليد رضي الله عنه أحد الصحابة الكرام، وسيف الله كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، وفارس عظيم من فرسان الإسلام، كان له دور مشرف في الفتوحات، وأذل الله عليه يده صناديد الكفر من فارس والروم.
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال :(أَخَذَ الرَّايَةَ زَيدٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ جَعفَرٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ) وَعَينَاهُ تَذرِفَانِ ( حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيهِم ) رواه البخاري (4262).
وما جاء في قتله بعض الناس تأولا، لا يقدح في دينه وعدالته وفضله، ولا يمكن أن يقارن بأفعال الخوارج المارقين، وذلك من وجوه:
الأول: الخوارج إحدى الفرق الضالة المارقة ، ثبت ذمهم وتضليلهم ، بالنص والإجماع ؛ فروى البخاري (6934) ومسلم (1068) عن يُسَيْر بْن عَمْرٍو قَالَ : قُلْتُ لِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ : هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْخَوَارِجِ شَيْئًا ؟
قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ – وَأَهْوَى بِيَدِهِ قِبَلَ الْعِرَاقِ – ( يَخْرُجُ مِنْهُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ ) .
وروى ابن ماجة (173) عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْخَوَارِجُ كِلَابُ النَّارِ ) وصححه الألباني في “صحيح ابن ماجة” .
” الْخَوَارِجُ قَوْمُ سُوءٍ، لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ قَوْمًا شَرًّا مِنْهُمْ، وَقَالَ: صَحَّ الْحَدِيثُ فِيهِمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ عَشَرَةِ وُجُوهٍ . انتهى، من “السنة” للخلال (1/145) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” فإن الأمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم وإنما تنازعوا في تكفيرهم. على قولين مشهورين في مذهب مالك وأحمد وفي مذهب الشافعي أيضا نزاع في كفرهم.” انتهى، من “مجموع الفتاوى” (28/518) .
وينظر جواب السؤال رقم (182237).
فكيف يقارن من صح الحديث في فضله ، وأنه سيف من سيوف الله ، سله الله على أعدائه ؛ كيف يقارن حاله بحال هؤلاء الضلال ، الذين أجمعت الأمة على انحرافهم ، وضلالهم ، وذهب كثير من أهل العلم إلى كفرهم ؟!
الثاني : أن خالدا كانت حربه مع الكفار ابتداء، أو مع جماعات الردة، وأما الخوارج فإنهم حاربوا أهل الإسلام الثابت بيقين، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأتباعهم ؛ متذرعين بتأويلات فاسدة. ولهذا ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهادهم ، وأمر بقتالهم ، وتوعدهم : لو أدركهم ليقاتلنهم ؛ فكيف يقارن حالهم ، بحال من جعله النبي صلى الله عليه وسلم أميرا على جيوشه ، وبعثه لجهاد الكفار في بعوثه ؟!
وينظر جواب السؤال رقم (222934).
الثالث: أن خالدا لم يتأول تأويلا علميا فاسدا يستحل به دم مخالفيه، كما يفعل الخوارج، وإنما تأول تأويلا عمليا ؛ أي أنه أخطأ في تطبيق العملي لما أمر به من الجهاد ، وحد له من الحدود ، وهذا لا يستغرب حدوثه وقت الحرب، كقتاله لأناس من بني جذيمة قالوا: صبأنا ولم يقولوا أسلمنا، وقتله لمالك بن نويرة لمنعه للزكاة ومنع قومه من أدائها مع ما نُقل عنه من التعريض بالنبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “صاحبكم”.
وأما الخوارج فإنهم يتأولون تأويلات علمية فاسدة، تقوم على الأخذ ببعض النصوص دون بعض، واعتماد المتشابهات ، والتعسف في الفهم، والإعراض عن فهم الصحابة الذين زكاهم الله، وشهدوا التنزيل، ثم يبنون على ذلك التكفير واستحلال الدم، كتكفيرهم لعلي رضي الله عنه ومعاوية ومن قبل التحكيم من الصحابة، بحجة أنه حكموا الرجال! ثم رتبوا على ذلك : تأويلات عملية ، مستبشعة ، منها : قتلهم لعبد الله بن خباب الصحابي رضي الله وبقرهم لبطن جاريته، متأولين قول الله: (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) نوح/ 27
فليس تأوّلهم ناتجا عن ملابسات الحرب وظروفها التي قد تخفى، وإنما هي تأويلات أملاها الزيغ والضلال، وحمل عليها البغي واتباع الهوى.
روى البخاري (4339) عن ابن عمر رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلاَ يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَاهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ ؛ مَرَّتَيْنِ .
وينظر ما يتعلق بقتل مالك بن نويرة: جواب السؤال رقم (93204).
وأما قتل الخوارج لعبد الله بن خباب رضي الله عنه:
فعَنْ رَجُلٍ، مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ كَانَ مَعَ الْخَوَارِجِ ، ثُمَّ فَارَقَهُمْ ، قَالَ: ” دَخَلُوا قَرْيَةً ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خَبَّابٍ ، ذَعِرًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ ، فَقَالُوا: لَمْ تُرَعْ ؟ ، قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رُعْتُمُونِي ، قَالُوا: أَنْتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ حَدِيثًا يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُنَاهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ، قَالَ: فَإِنْ أَدْرَكْتَ ذَاكَ ، فَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْمَقْتُولَ – قَالَ أَيُّوبُ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْقَاتِلَ “- قَالُوا: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِيكَ يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَدَّمُوهُ عَلَى ضَفَّةِ النَّهَرِ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ ، وَبَقَرُوا أُمَّ وَلَدِهِ عَمَّا فِي بَطْنِهَا “رواه أحمد (21064) .
ونسوق هنا مناظرة ابن عباس للخوارج الدالة على تأوليهم الفاسد الذي استحلوا به الدماء والأموال.
عن عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ” لَمَّا خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ اجْتَمَعُوا فِي دَارٍ، وَهُمْ سِتَّةُ آلَافٍ، أَتَيْتُ عَلِيًّا، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَبْرِدْ بِالظُّهْرِ لَعَلِّي آتِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَأُكَلِّمُهُمْ. قَالَ: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ. قُلْتُ: كَلَّا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ وَلَبِسْتُ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنْ حُلَلِ الْيَمَنِ، قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَمِيلًا جَهِيرًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَتَيْتُهُمْ، وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي دَارِهِمْ، قَائِلُونَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا تَعِيبُونَ عَلَيَّ، لَقَدْ رَأَيْتُ عَلَىَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الْحُلَلِ، وَنَزَلَتْ: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف: 32] قَالُوا: فَمَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، لِأُبَلِّغُكُمْ مَا يَقُولُونَ ، الْمُخْبَرُونَ بِمَا يَقُولُونَ ، فَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْوَحْيِ مِنْكُمْ، وَفِيهِمْ أُنْزِلَ: وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُخَاصِمُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف: 58] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَتَيْتُ قَوْمًا لَمْ أَرْ قَوْمًا قَطُّ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ ، مُسْهِمَةٌ وجُوهُهُمْ مِنَ السَّهَرِ، كَأَنَّ أَيْدِيَهِمْ وَرُكَبَهُمْ تُثَنَّى عَلَيْهِمْ، فَمَضَى مَنْ حَضَرَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنُكَلِّمَنَّهُ وَلَنَنْظُرَنَّ مَا يَقُولُ.
قُلْتُ: أَخْبِرُونِي ؛ مَاذَا نَقَمْتُمْ عَلَى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصِهْرِهِ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؟
قَالُوا: ثَلَاثًا.
قُلْتُ: مَا هُنَّ؟
قَالُوا: أَمَّا إِحْدَاهُنَّ : فَإِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام: 57] ، وَمَا لِلرِّجَالِ وَمَا لِلْحَكَمِ؟
فَقُلْتُ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ.
قَالُوا: وَأَمَّا الْأُخْرَى : فَإِنَّهُ قَاتَلَ، وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، فَلَئِنْ كَانَ الَّذِي قَاتَلَ كُفَّارًا ، لَقَدْ حَلَّ سَبْيُهُمْ وَغَنِيمَتُهُمْ، وَلَئِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ، مَا حَلَّ قِتَالُهُمْ.
قُلْتُ: هَذِهِ اثْنَتَانِ، فَمَا الثَّالِثَةُ؟
قَالَ: إِنَّهُ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ ؟!
قُلْتُ: أَعِنْدَكُمْ سِوَى هَذَا؟ قَالُوا: حَسْبُنَا هَذَا.
فَقُلْتُ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، وَمِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَا يُرَدُّ بِهِ قَوْلُكُمْ ؛ أَتَرْضَوْنَ؟
قَالُوا: نَعَمْ.
فَقُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللَّهِ ، فَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ مَا قَدْ رَدَّ حُكْمَهُ إِلَى الرِّجَالِ ، فِي ثَمَنِ رُبْعِ دِرْهَمٍ فِي أَرْنَبٍ، وَنَحْوِهَا مِنَ الصَّيْدِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة: 95] ، إِلَى قَوْلِهِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ [المائدة: 95] ؛ فَنَشَدْتُكُمُ اللَّهَ : أَحُكْمُ الرِّجَالِ فِي أَرْنَبٍ وَنَحْوِهَا مِنَ الصَّيْدِ أَفْضَلُ، أَمْ حُكْمُهُمْ فِي دِمَائِهِمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ؟ وَأَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَحَكَمَ ، وَلَمْ يُصَيِّرْ ذَلِكَ إِلَى الرِّجَالِ .
وَفِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء: 35] ؛ فَجَعَلَ اللَّهُ حُكْمَ الرِّجَالِ سُنَّةً مَأْمُونَةً . أَخَرَجْتُ عَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ ، ثُمَّ يَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا يُسْتَحَلُّ مِنْ غَيْرِهَا؟
فَلَئِنْ فَعَلْتُمْ ، لَقَدْ كَفَرْتُمْ ، وَهِيَ أُمُّكُمْ !!
وَلَئِنْ قُلْتُمْ: لَيْسَتْ أَمَّنَا ، لَقَدْ كَفَرْتُمْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب: 6] ؛ فَأَنْتُمْ تَدْورُونَ بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ أَيُّهُمَا صِرْتُمْ إِلَيْهَا، صِرْتُمْ إِلَى ضَلَالَةٍ !!
فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قُلْتُ: أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ مَحَا اسْمَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنَا آتِيكُمْ بِمَنْ تَرْضَوْنَ، وَأُرِيكُمْ ؛ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كَاتَبَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: ” اكْتُبْ يَا عَلِيُّ: هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ” .
فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، لَوْ نَعْلَمُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، مَا قَاتَلْنَاكَ !!
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، اكْتُبْ يَا عَلِيُّ: هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ” ؛ فَوَاللَّهِ لَرَسُولُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ، وَمَا أَخْرَجَهُ مِنَ النُّبُوَّةِ حِينَ مَحَا نَفْسَهُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: فَرَجَعَ مِنَ الْقَوْمِ أَلْفَانِ، وَقُتِلَ سَائِرُهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ”.
أخرجه عبدالرزاق في المصنف (18678)، والنسائي في السنن الكبرى (8522)، والحاكم في المستدرك (2656) وقال: “صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه”. وقال الذهبي في التلخيص : “على شرط مسلم”.
فهذا نموذج من فهم الخوارج ، وضيق عطنهم، وإعراضهم عن سؤال أهل العلم، والصحابة متوافرون، فيهم علي، وابن عمر، وابن عباس، وغيرهم، لكن ركنوا إلى عقولهم، واتبعوا أهواءهم، واستحلوا قتال الصحابة بمثل هذه الشبهات المتهافتة.
ومثل هذا من يعرض اليوم عن سؤال أهل العلم، ويتبع المتشابه، ويكفر ما لا يحصيه الله من العلماء والمجاهدين ، اعتمادا على شبهات ساقطة، وتأويلات فاسدة.
فكيف يقارن هذا بموقف أو موقفين لصحابي جليل في قتال كفار أو مرتدين ، قد بعث لقتالهم؟!
فرضي الله عن خالد، وعن سائر أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة