لماذا حارب على رضي الله عنه الخوارج ؟
لماذا حارب علي رضي الله عنه الخوارج ؟
السؤال: 222934
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الخوارج هم من أهل الأهواء والبدع الخارجين ، بل هم من شر أهل البدع والفساد والعناد ، وهي الفرقة التي صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها ، وذكر أحوالها ، وذمها ، والأمر بقتالها ، وهي التي ظهرت وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، متوافرون ، فاجتمع أمرهم على ذمهم ، وقتالهم ، وإنفاذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيهم .
قال ابن القيم رحمه الله :
” والذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ذمهم من طوائف أهل البدع : هم الخوارج ، فإنه قد ثبت فيهم الحديث من وجوه كلها صحاح ؛ لأن مقالتهم حدثت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلمة رئيسهم .
وأما الارجاء والرفض والقدر والتجهم والحلول وغيرها من البدع : فإنها حدثت بعد انقراض عصر الصحابة .
وبدعة القدر أدركت آخر عصر الصحابة ، فأنكرها من كان منهم حيا كعبد الله بن عمر وابن عباس وأمثالهما رضي الله عنهم ، وأكثر ما يجىء من ذمهم فإنما هو موقوف على الصحابة من قولهم فيه ” انتهى من “تهذيب سنن أبي داود، بهامش معالم السنن ” (7/61) .
وقد أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم ( يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ ) ، وأنهم ( كِلَابُ النَّارِ ) .
انظر إجابة السؤال رقم : (182237)، و (197919) .
وقد عرّفهم النبي صلى الله عليه وسلم بعلامات ، وأخبر أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ، ووعد من قاتلهم وأراح المسلمين من شرهم وفتنتهم ، بخير عظيم ، وأجر كبير .
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ” بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ ثُمَّ المُجَاشِعِيِّ ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ، وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ العَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ ، وَالأَنْصَارُ، قَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، قَالَ: ( إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ ) ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ ، نَاتِئُ الجَبِينِ ، كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ( مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي ) فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، – أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ – فَمَنَعَهُ ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ : ( إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، أَوْ: فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ ) متفق عليه .
وروى مسلم (1066) عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ ، وَهُوَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالُوا: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ ، قَالَ عَلِيٌّ : كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ نَاسًا، إِنِّي لَأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلَاءِ، يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَجُوزُ هَذَا، مِنْهُمْ ، – وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ – مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ مِنْهُمْ أَسْوَدُ ، إِحْدَى يَدَيْهِ طُبْيُ شَاةٍ أَوْ حَلَمَةُ ثَدْيٍ فَلَمَّا قَتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: انْظُرُوا، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا، فَقَالَ: ارْجِعُوا فَوَاللهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، ثُمَّ وَجَدُوهُ فِي خَرِبَةٍ ، فَأَتَوْا بِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ” .
وروى عبد الله بن أحمد في ” زوائد الزهد ” (983) عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ : ” لَمَّا قَتَلَ عَلِيٌّ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ قَالَ: الْتَمِسُوهُ فَوَجَدُوهُ فِي حُفْرَةٍ تَحْتَ الْقَتْلَى فَاسْتَخْرَجُوهُ وَأَقْبَلَ عَلِيٌّ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ: ” لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَأَخْبَرْتُكُمْ مَا وَعَدَ اللهُ مَنْ يَقْتُلُ هَؤُلَاءِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “، قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: ” إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ” وصححه محققو المسند .
وروى مسلم (1066) عن زَيْد بْن وَهْبٍ الْجُهَنِيّ : ” أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، الَّذِينَ سَارُوا إِلَى الْخَوَارِجِ ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ ، لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ) ، لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ ، مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ ، وَلَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ ، عَلَى رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ ، عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ فَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ وَتَتْرُكُونَ هَؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ ، وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ ، فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللهِ “.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وَالْخَوَارِجُ الْمَارِقُونَ الَّذِينَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِهِمْ قَاتَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ، وَاتَّفَقَ عَلَى قِتَالِهِمْ أَئِمَّةُ الدِّينِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَلَمْ يُكَفِّرْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، بَلْ جَعَلُوهُمْ مُسْلِمِينَ مَعَ قِتَالِهِمْ .
وَلَمْ يُقَاتِلْهُمْ عَلِيٌّ حَتَّى : سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ ، وَأَغَارُوا عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَاتَلَهُمْ لِدَفْعِ ظُلْمِهِمْ وَبَغْيِهِمْ ، لَا لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ. وَلِهَذَا لَمْ يَسْبِ حَرِيمَهُمْ وَلَمْ يَغْنَمْ أَمْوَالَهُمْ ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (3/ 282) .
فقاتلهم علي رضي الله عنه لأنهم سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا على أموال المسلمين ، وكفروهم ، وزاد شرهم وبطشهم بالبلاد والعباد ، وخيف منهم على أرواح الناس وأعراضهم وأموالهم .
فلما فعلوا ذلك ، وعرفهم عليّ بالعلامات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عنهم ، مع علمه بحثّ النبي صلى الله عليه وسلم على قتالهم : قاتلهم .
ويكفي من ذلك كله ، ليعلم المسلم حالهم ، وما كانوا عليه من الضلال والفجور ، والعتو على عباد الله الصالحين هذا الخبر :
عَنْ رَجُلٍ، مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ كَانَ مَعَ الْخَوَارِجِ ، ثُمَّ فَارَقَهُمْ ، قَالَ: ” دَخَلُوا قَرْيَةً ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خَبَّابٍ ، ذَعِرًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ ، فَقَالُوا: لَمْ تُرَعْ ؟ ، قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رُعْتُمُونِي ، قَالُوا: أَنْتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ حَدِيثًا يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُنَاهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ، قَالَ: فَإِنْ أَدْرَكْتَ ذَاكَ ، فَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْمَقْتُولَ – قَالَ أَيُّوبُ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْقَاتِلَ “- قَالُوا: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِيكَ يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَدَّمُوهُ عَلَى ضَفَّةِ النَّهَرِ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ ، وَبَقَرُوا أُمَّ وَلَدِهِ عَمَّا فِي بَطْنِهَا “رواه أحمد (21064) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة