كلما أقرأ القرآن وأمر على آيات العذاب أجد أنها تتكرر على قوم نوح وقوم موسى وقوم لوط عليهم السلام وكذلك على عاد وثمود ولكن لم أجد في القرآن أي آيات عذاب على قوم إبراهيم عليه السلام ولا على قوم عيسى عليه السلام بالرغم من كفرهم وشدة عداوتهم لرسلهم ومحاولتهم لقتلهم فهل أجد عندكم أي تعليل أو تفسير أو سبب لعدم وجود آيات عذاب لقوم إبراهيم وقوم عيسى عليهما السلام
يتساءل عن سبب عدم ذكر القرآن لعذاب قوم إبراهيم وقوم عيسى عليهما السلام
السؤال: 266267
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
بالنسبة لقوم إبراهيم عليه السلام، فقد نص القرآن أنه قد أصابهم العذاب.
قال الله تعالى:
( أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) التوبة /70.
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
” ( وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ ) أي: نمرود بن كنعان وقومه ” انتهى. “تفسير القرطبي” (10 / 297).
قال الطبري رحمه الله تعالى:
” وقوله: ( فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ) ، يقول جل ثناؤه: فما أهلك الله هذه الأمم التي ذكر أنه أهلكها إلا بإجرامها وظلمها أنفسها، واستحقاقها من الله عظيم العقاب، لا ظلمًا من الله لهم، ولا وضعًا منه جل ثناؤه عقوبةً في غير من هو لها أهلٌ، لأن الله حكيم لا خلل في تدبيره، ولا خطأ في تقديره، ولكن القوم الذين أهلكهم ظلموا أنفسهم بمعصية الله وتكذيبهم رسله، حتى أسخطوا عليهم ربهم، فحقت عليهم كلمة العذاب فعذِّبوا ” انتهى، من “تفسير الطبري” (11 / 556).
وقال الله تعالى:
( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ ، وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ ، وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ) الحج /42 – 44.
قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
” وقوم إبراهيم، الذين كذبوه هم نمروذ، وقومه، وقد ذكر المفسرون أن العذاب الدنيوي الذي أهلكهم الله به هو المذكور في قوله تعالى في سورة النحل: ( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ) ” انتهى ، من”أضواء البيان” (5 / 770).
وقال عدد من المفسرين، أن عذابهم كان بإهلاك ملكهم النمرود، وبسلبهم النعم.
ولعل الحكمة – والله أعلم- في عدم تفصيل الوحي للعذاب الذي أهلك الله به قوم إبراهيم عليه السلام، هو أن المهمة الدعوية لإبراهيم عليه السلام لم تتوقف بهلاك قومه، بل بعد أن نجاه الله تعالى عاش فترة من الزمن جعلها الله تعالى مباركة؛ حيث وهبه من الأبناء من جعل في ذريتهما النبوة والكتاب، وجعل من بينهم من ختمت به النبوة والرسالة.
قال الله تعالى:
( وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ، وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ، وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) الأنبياء /71 – 73.
وقال الله تعالى:
( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) العنكبوت /27.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى:
” ( وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ) فلم يأت بعده نبي إلا من ذريته، ولا نزل كتاب إلا على ذريته، حتى ختموا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ” انتهى. “تفسير السعدي” (ص 630).
وهذا بخلاف غيره من الرسل ، فإن الله تعالى لم يقص لنا أخبارهم بعد هلاك أقوامهم، وهو ما قد يشير إلى أن مهمتهم الدعوية انتهت بهلاك أقوامهم.
ثانيا:
وأما قوم عيسى عليه السلام، فالذين كفروا به لم يلحقهم هلاك عام، وسبب ذلك ما ذكره عدد من أهل العلم؛ وهو أنه بعد نزول التوراة على موسى عليه السلام لم يهلك الله تعالى أقوام الكفر بعذاب عام، بل شرع الجهاد، وأمر المؤمنين بجهاد الكافرين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” المعروف عند أهل العلم أنه بعد نزول التوراة لم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب من السماء يعمهم، كما أهلك قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، وفرعون، وغيرهم، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار؛ كما أمر بني إسرائيل على لسان موسى بقتال الجبابرة ” انتهى، من “الجواب الصحيح” (2 / 251).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
” مر عليَّ منذ زمان طويل كلام لبعض العلماء لا يحضرني الآن اسمه، وهو أنه بعد بعث موسى ونزول التوراة، رفع الله العذاب عن الأمم، أي: عذاب الاستئصال، وشرع للمكذبين المعاندين الجهاد، ولم أدر من أين أخذه، فلما تدبرت هذه الآيات، مع الآيات التي في سورة القصص، تبين لي وجهه، أما هذه الآيات – الآيات (45 – 49) من سورة المؤمنين- ، فلأن الله ذكر الأمم المهلكة المتتابعة على الهلاك، ثم أخبر أنه أرسل موسى بعدهم، وأنزل عليه التوراة فيها الهداية للناس .
ولا يرِدُ على هذا، إهلاك فرعون، فإنه قبل نزول التوراة .
وأما الآيات التي في سورة القصص، فهي صريحة جدا، فإنه لما ذكر هلاك فرعون قال: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) فهذا صريح أنه آتاه الكتاب بعد هلاك الأمم الباغية، وأخبر أنه أنزله بصائر للناس وهدى ورحمة.
ولعل من هذا، ما ذكر الله في سورة ” يونس ” من قولة: ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ ) أي: من بعد نوح ( رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ، ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ ) الآيات والله أعلم ” انتهى. “تفسير السعدي” (ص 552).
واستدلوا لهذا القول أيضا؛ بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمًا، وَلَا قَرْنًا، وَلَا أُمَّةً، وَلَا أَهْلَ قَرْيَةٍ مُنْذُ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِعَذَابٍ مِنَ السَّمَاءِ ، غَيْرَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ الَّتِي مُسِخَتْ قِرَدَةً، أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهَدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ). ) رواه الحاكم في “المستدرك” (2 / 408) وقال: ” صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ “، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” (5 / 327).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب