لماذا أراد الرسول صلى الله عليه وسلم طلاق أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما؟ وما الشئ الخطير الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يهم بتطليقها؟
ماهو سبب تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين حفصة رضي الله عنها؟
السؤال: 269916
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ: ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ، ثُمَّ رَاجَعَهَا ) رواه أبو داود (2283) وابن ماجه (2016) والنسائي (3560) والحاكم في “المستدرك” (2 / 197) وقال: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه “، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (9 / 278)، وصححه الألباني في “السلسة الصحيحة” (5 / 15).
وقد راجعها النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الوحي.
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ( لَمَّا طَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ أُمِرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَرَاجَعَهَا ) رواه الحاكم في “المستدرك” (2 / 196 – 197) وقال: ” هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ “، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في “السلسة الصحيحة” (5 / 16).
وجاء في رواية أخرى سبب الأمر بمراجعتها؛ فروى الحاكم في “المستدرك” (4 / 15) عَنْ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ: ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا خَالَاهَا قُدَامَةُ وَعُثْمَانُ ابْنَا مَظْعُونٍ، فَبَكَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا طَلَّقَنِي عَنْ شِبَعٍ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَاجِعْ حَفْصَةَ، فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ ) وحسنه الألباني بمجموع طرقه في “السلسة الصحيحة” (5 / 17).
ثانيا:
أما سبب الطلاق، فلم يرد ببيانه حديث صحيح ؛ إلا أن بعض أهل العلم ربطوا هذا الطلاق بالحادثة الشهيرة حينما أسر النبي صلى الله عليه وسلم حديثا إلى بعض أزواجه فأخبرت به صاحبتها.
قال الله تعالى:
( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ) التحريم (3).
وقد ثبت أن التي أسر إليها النبي صلى الله عليه وسلم بحديثه هي أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، حتى قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
” قوله تعالى: ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً ) يعني: حفصة من غير خلاف علمناه ” انتهى. “زاد المسير” (8 / 307).
وقد استنبط بعض المفسرين طلاق حفصة من قوله تعالى : ( عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ )، حيث كلمة ( عَرَّفَ ) وردت في قراءة الكسائي الثابتة المتواترة : ( عَرَفَ ) مخففة.
قال الطبري رحمه الله تعالى :
وقوله: ( عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ). اختلفت القراء في قراءة ذلك؛ فقرأته عامة قراء الأمصار غير الكسائي: ( عَرَّفَ ) بتشديد الراء، بمعنى: عرَّف النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بعض ذلك الحديث وأخبرها به.
وكان الكسائي يذكر عن الحسن البصري وأبي عبد الرحمن السلمي وقتادة، أنهم قرءوا ذلك: (عَرَفَ) بتخفيف الراء، بمعنى: عرف لحفصة بعض ذلك الفعل الذي فعلته من إفشائها سره، وقد استكتمها إياه، أي: غضب من ذلك عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجازاها عليه. من قول القائل لمن أساء إليه: لأعرفن لك يا فلان ما فعلت، بمعنى:لأجازينك عليه.
قالوا: وجازاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من فعلها بأن طلقها ” انتهى. “تفسير الطبري” (23 / 91 – 92).
قال أبو علي الفارسي:
” وجه التخفيف ، لقول الكسائي ( عَرَفَ بَعْضَهُ ) أنه جازى عليه، لا يكون إلا كذلك، ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون (عَرَّفَ) الذي معناه علم، أو الذي ذكرنا، فلا يجوز أن يكون من باب العلم، لأن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، إذا أظهره اللَّه على ما أسرّه إليها علم جميع ذلك، ولم يجز أن يعلم من ذلك – مع إظهار اللَّه إياه عليه – بعضه، ولكن يعلم جميعه .
فإذا لم يجز حمله على هذا الوجه، علمت أنه من المعنى الآخر، وهذا كما تقول لمن يسيء أو يحسن: أنا أعرف لأهل الإحسان، وأعرف لأهل الإساءة، أي: لا يخفى عليّ ذلك، ولا مقابلته بما يكون وفقا له ” انتهى. “الحجة للقراء السبعة” (6 / 301).
وعلى هذا التفسير يكون سبب الطلاق هو إفشاء حفصة رضي الله عنها لسر النبي صلى الله عليه وسلم.
والخلاصة؛ أنه لا يوجد حديث صحيح صريح ينص على سبب تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين حفصة رضي الله عنها.
لكن لا يبعد أن يكون متعلقا بالسر الذي أسر إليها به، ويتقوى ذلك بقراءة الكسائي.
وقد تكون هناك أسباب أخرى من خصائص بيت النبوة انضمت إلى كل هذا.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
” دل الحديث على جواز تطليق الرجل لزوجته، ولو أنها كانت صوامة قوامة، ولا يكون ذلك بطبيعة الحال إلا لعدم تمازجها وتطاوعها معه .
وقد يكون هناك أمور داخلية لا يمكن لغيرهما الاطلاع عليها ” انتهى. “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (5 / 18).
ولعل في عدم إفصاح النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب طلاقه حفصة رضي الله عنها ما يشير إلى الأدب في هذا ، وأن الرجل إذا طلق امرأته فلا ينبغي له أن يفشي سرها ، ولا أن يصفها بما تكره ، فإن ذلك يكون من الغيبة .
وقد ذكر الغزالي رحمه الله في “إحياء علوم الدين” (2/52) : من الأمور التي ينبغي للزوج أن يراعيها في الطلاق : “أن لا يفشى سرها ، لا في الطلاق ولا عند النكاح ، فقد ورد في إفشاء سر النساء في الخبر الصحيح وعيد عظيم [رواه مسلم من حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أعظم الخيانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم يفشي سرها)] .
ويروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأة فقيل له : ما الذي يريبك فيها ؟
فقال : العاقل لا يهتك ستر امرأته !!
فلما طلقها قيل له : لم طلقتها ؟
فقال : مالي ولامرأة غيري ؟! ” انتهى .
والنصيحة للسائلة الكريمة أن تكون عنايتها بمعرفة ما فيه العلم والعمل ، مما بين الله لنا في كتابه ، وعلى لسان رسوله ، وأن يتطلب من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه الأسوة ، والمعرفة بتفاصيل أحواله النافعة التي فيها لنا القدوة والأسوة .
وأما تفاصيل مثل ذلك : لماذا تزوج فلانة ، ولأي شيء طلق الأخرى ، أو هم بطلاقها ؟! فما المنفعة التي ترجى من تكلف البحث في ذلك ، ومعرفة أسرار هذه الخصوصيات ؟!
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب