ما صحة هذا الحديث القدسي عندما غرق فرعون وجاء جبريل لدس الطين في فمه كي لا تدركه الرحمة ، قال الله عز وجل لجبريل : ( يا جبريل وعزتي وجلالي لو استغاثني واستغفرني لغفرت له ) هل لهذا النص أصل صحيح ؟
وليس المقصود قصة جبريل ودس الطين في فم فرعون التي أخرجها الترمذي وغيره ، إنما سؤالي عن أصل الحديث القدسي ، وقد نشر في بعض المقاطع والمنتديات .
ما صحة الحديث القدسي في قصة هلاك فرعون” يا جبريل لو استغاثني لأغثته “
السؤال: 270155
ملخص الجواب
ملخص الجواب : هذا الأثر لم يرد أصلا في فرعون ، وإنما ورد نحوه في قصة هلاك قارون ، ولا يصح أيضا ، فنرجو من إخواننا المسلمين عموما ومن الدعاة خصوصا التثبت قبل النقل أو النشر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
فإن الحديث الذي أورده السائل في دس جبريل الطين في فم فرعون حديث ثابت ، أخرجه الترمذي في “سننه” (3107) ، وأحمد في “مسنده” (2144) ، من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” لَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ قَالَ: آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ فَلَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ البَحْرِ فَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ “.
والحديث صححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (2015) .
وفي تخريج المسند ، ط الرسالة (4/45-47) : أن الصحيح وقفه على ابن عباس ، وكأنه أشبه.
أما ما ذكره السائل من صحة ما يذكر من أن الله قال لجبريل حينئذ :” يا جبريل : وعزتي وجلالي لو استغاثني واستغفرني لغفرت له ” .
فهذا لا يصح ، ولم يرد بإسناد أصلا ، وإنما ذكره السيوطي في “معترك الأقران في إعجاز القرآن” (2/369) فقال :” وقيل: إن فرعون لما عاين العذاب أراد الإيمان في حال الغرق ، فرفع جبريل الطين وجعله في فِيه ، حتى استغاث بجبريل سبعين مرة ، فلم يُغِثه ، فعاتبه الله ، وقال لجبريل: استغاث بك فرعون سبعين مرة فلم تغثه ، وعِزَّتي وجلالي لو استغاث بي لأَغثته “. اهـ
وما دام ليس له إسناد : فإنه لا حجة فيه ، ولا عبرة به .
ثم إنه منكر من حيث المعنى ، فإن فرعون آمن حيث لا ينفع الإيمان ، فإن الله تعالى قال : ( حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يونس/90 .
ومثل هذا الإيمان لا ينفع صاحبه ، وقد قال الله تعالى : ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ) . غافر/ 84 ، 85
ولما قال فرعون ذلك قال الله : ( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) يونس/91 .
فقد يتبين أن غرقه لا علاقه له بموسى عليه السلام ، ولا جبريل عليه السلام ، بل لكونه مات كافرا ، ولم يؤمن الإيمان النافع .
إلا أنه قد ورد نحو ذلك ، ولكن في شأن قارون ، وليس في شأن فرعون .
وهو ما أخرجه ابن أبي شيبة في “مصنفه (31843) ، والطبري في “تفسيره” (18/334) ، وابن أبي حاتم في “تفسيره” (17156) ، والحاكم في “المستدرك” (3536) ، جميعا من طريق الْأَعْمَشِ ، عَنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، زاد بعضهم ” وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ” ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: ” لَمَّا أَتَى مُوسَى قَوْمَهُ فَأَمَرَهُمْ بِالزَّكَاةِ ، فَجَمَعَهُمْ قَارُونُ فَقَالَ: هَذَا قَدْ جَاءَكُمْ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَبِأَشْيَاءَ تُطِيقُونَهَا ، تَحْتَمِلُونَ أَنْ تُعْطُوهُ أَمْوَالَكُمْ؟ قَالُوا: مَا نَحْتَمِلُ أَنْ نُعْطِيَهُ أَمْوَالَنَا فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نُرْسِلَ إِلَى بَغِيِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَأْمُرَهَا أَنْ تَرْمِيَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَجْنَادِ وَالنَّاسِ بِأَنَّهُ أَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا ، فَفَعَلُوا ، فَرَمَتْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ ، فَدَعَا اللَّهَ عَلَيْهِمْ ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْأَرْضِ أَنْ أَطِيعِيهِ ، فَقَالَ لَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: خُذِيهِمْ ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى رُكَبِهِمْ ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا مُوسَى يَا مُوسَى قَالَ: خُذِيهِمْ ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى حُجَزِهِمْ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا مُوسَى يَا مُوسَى فَقَالَ: خُذِيهِمْ ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا مُوسَى يَا مُوسَى ، قَالَ: فَأَخَذَتْهُمْ فَغَيَّبتْهُمْ ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مُوسَى، سَأَلَكَ عِبَادِي وَتَضَرَّعُوا إِلَيْكَ فَأَبَيْتَ أَنْ تُجِيبَهُمْ ، أَمَا وَعِزَّتِي لَوْ أَنَّهُمْ دَعَوْنِي لَأَجَبْتُهُمْ “.
وفي لفظ عند الطبري في “تفسيره” :” فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَا مُوسَى: اسْتَغَاثَ بِكَ فَلَمْ تُغِثْهُ ، أَمَا لَوِ اسْتَغَاثَ بِي لَأَجَبْتُهُ وَلَأَغَثْتُهُ ” . يقصد قارون .
وهذا إسناد ضعيف إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، حيث فيه الأعمش ، وهو مدلس ، وقد عنعن الحديث ، بل تدليسه من أسوء أنواع التدليس ، وهو تدليس التسوية حيث يحذف الراوي الضعيف في الإسناد كله ، وليس شيخه فقط . وقد نصَّ الخطيب البغدادي على أن الأعمش كان ممن يفعل ذلك فقال كما في “الكفاية” (364) :” وَرُبَّمَا لَمْ يُسْقِطِ الْمُدَلِّسُ اسْمَ شَيْخِهِ الَّذِي حَدَّثَهُ ،لَكِنَّهُ يُسْقِطُ مِمَّنْ بَعْدَهُ فِي الْإِسْنَادِ رَجُلًا يَكُونُ ضَعِيفًا فِي الرِّوَايَةِ ، أَوْ صَغِيرَ السِّنِّ وَيَحْسُنُ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَبَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا “. اهـ
ولو صح إسناده لما جاز الاحتجاج به ، لأنه وإن كان مما لا مجال فيه للرأي ، إلا أن عبد الله بن عباس كان يأخذ عن كعب الأحبار ، ولذا يتوقف في مثل ذلك لأنه احتمال أن يكون مما أخذه عن بني إسرائيل .
قال العراقي في “شرح التبصرة والتذكرة” (1/200) في حديثه عما قاله الصحابي مما لا مجال فيه للرأي ، قال :” فإنَّهُ وإنْ كان لا يقالُ مثلُهُ من جهةِ الرأي ، فلعلَّ بعضَ ذلك سمعَهُ ذلك الصحابيُّ من أهل الكتابِ ، وقد سمعَ جماعةٌ من الصحابةِ من كعب الأحبارِ ، ورَوَوا عنه كما سيأتي ، منهم العبادلةُ “. اهـ ، والعبادلة هم :” عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص “.
ومما يجب التنبيه عليه أنه هذا الأثر المروي عن ابن عباس رضي الله ، قد روي من طريقين غير طريق ابن عباس في قصة هلاك قارون بألفاظ منكرة جدا ، ومن ذلك ما يلي :
الطريق الأول :
أخرجه ابن أبي حاتم في “تفسيره” (17157) ، والطبري في “تاريخه” (1/447) من طريق جَعْفَر بْن سُلَيْمَانَ الضبعي ، ثنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيَّ ، وساقه بنحوه ، وذكر فيه :” فَلَمَّا خُسِفَ بِهِ قِيلَ لَهُ: يَا مُوسَى مَا أَفَظَّكَ، أَمَا وَعِزَّتِي لَوْ إِيَّايَ دَعَا لَرَحِمْتُهُ “.
وهذا إسناد لا يصح ، فيه علي بن زيد بن جدعان ، قال النووي في “تهذيب الأسماء واللغات” (1/344) :” وهو ضعيف عند المحدثين “. اهـ ، ثم هو مرسل لأنه من رواية عبد الله بن الحارث بن نوفل ، قال العلائي في “جامع التحصيل” (344) :” ولا صحبة له ، بل ولا رؤية ؛ وحديثه مرسل قطعا “. اهـ
ثم فيه معنى منكر ، حيث فيه اتهام لنبي الله موسى عليه السلام بالفظاظة ، وهذا لا يليق بنبي من أولي العزم من الرسل؛ لا سيما والمقام مقام عداوة وانتقام من قارون ، عدو الله ، العاتي عليه ، الكافر به !!
الطريق الثاني :
أخرجه الفسوي في “المعرفة والتاريخ” (1/402) ، والواحدي في (3/409) ، من طريق اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قال أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ الْقَارِي عَامِلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى دِيوَانِ فِلَسْطِين أَنَّهُ بَلَغَهُ .. ثم ساقه بنحوه ، وفيه :” فأوحى الله إليه: يا موسى ، ما أغلظ قلبك ، أما وعزتي وجلالي لو بي استغاث لأغثته “.
وهو منقطع كما ترى ، فهو عن عبد الله بن عوف القاري أنه بلغه ، وعبد الله بن عوف من التابعين ، قال ابن منده :” وهو من تابعي أهل الشام في الطبقة الثالثة وكان عامل عمر بن عبد العزيز “. اهـ ، كذا نقله عنه ابن حجر في “الإصابة” (5/156) .
والحاصل : أن الأثر لم يرد أصلا في فرعون ، وإنما ورد نحوه في قصة هلاك قارون ، ولا تصح أيضا ، فنرجو من إخواننا المسلمين عموما ومن الدعاة خصوصا التثبت قبل النقل أو النشر .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب