ما الفائدة من معرفة تاريخ ولادة وموت الصحابة الموجود فى كتب السيرة ؟ على الرغم أن الرسول قال : ( احرص على ما ينفعك ) ، وتاريخ المولادة والموت لا شك لا ينفع ، أما صفاتهم ، وإيمانهم ، وأقوالهم هى التى تنفع ، فلماذا وضع مؤرخو الإسلام وهم من التابعين تلك التواريخ ، وهم أعلم بالدين منا وبالحديث ؟
ما هي أهمية معرفة تاريخ الولادة والوفاة للصحابة وغيرهم الموجودة في كتب السير ؟
السؤال: 270759
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
معرفة تاريخ الأمم وأحوالها ورجالها : أمر لا يُنكر فضله ، فإنه مرآة الزمان ، يعرف به الناظر خبر ما كان ، ليستدل به على ما سيكون فإن الأمور اشتباه .
وفوائد علم التاريخ ، وتدوينه : أمر لا يمكن حصره في هذا المقام ، حتى عدّه الحافظ السخاوي في كتابه “التوبيخ لمن ذم التوريخ” (ص1) من القربات ، فقال :” الاشتغال بفن التاريخ للعلماء من أجل القربات ، بل من العلوم الواجبات المتنوعة للأحكام الخمسة ” انتهى .
قال ابن الأثير في “الكامل في التاريخ” (1/9) :” وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِمَّنْ يَدَّعِي الْمَعْرِفَةَ وَالدِّرَايَةَ ، وَيَظُنُّ بِنَفْسِهِ التَّبَحُّرَ فِي الْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ : يَحْتَقِرُ التَّوَارِيخَ ، وَيَزْديهَا، وَيُعْرِضُ عَنْهَا وَيَلْغِيهَا ؛ ظَنًّا مِنْهُ : أَنَّ غَايَةَ فَائِدَتِهَا إِنَّمَا هُوَ الْقِصَصُ وَالْأَخْبَارُ، وَنِهَايَة مَعْرِفَتِهَا : الْأَحَادِيثُ وَالْأَسْمَارُ .
وَهَذِهِ حَالُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْقِشْرِ دُونَ اللُّبِّ نَظَرُهُ، وَأَصْبَحَ مُخْشَلَبًا جَوْهَرُهُ !!
وَمَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ طَبْعًا سَلِيمًا ، وَهَدَاهُ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا : عَلِمَ أَنَّ فَوَائِدَهَا كَثِيرَةٌ، وَمَنَافِعَهَا الدُّنْيَوِيَّةَ وَالْأُخْرَوِيَّةَ : جَمَّةٌ غَزِيرَةٌ “. انتهى
وقال أبو العباس السلاوي في “الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى” (1/59) :” اعْلَم أَن علم التَّارِيخ من أجل الْعُلُوم قدرا ، وأرفعها منزلَة وذكرا ، وأنفعها عَائِدَة وذخرا .
وَكَفاهُ شرفا أَن الله تَعَالَى شحن كِتَابه الْعَزِيز ، الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه : من أَخْبَار الْأُمَم الْمَاضِيَة ، والقرون الخالية ، بِمَا أفحم بِهِ أكَابِر أهل الْكتاب ، وأتى من ذَلِك بِمَا لم يكن لَهُم فِي ظن وَلَا حِسَاب .
ثمَّ لم يكتف تَعَالَى بذلك حَتَّى امتن بِهِ على نبيه الْكَرِيم ، وَجعله من جملَة مَا أسداه إِلَيْهِ من الْخَيْر العميم ؛ فَقَالَ جلّ وَعلا تِلْكَ الْقرى نقص عَلَيْك من أنبائها ، وَقَالَ وكلا نقص عَلَيْك من أنباء الرُّسُل مَا نثبت بِهِ فُؤَادك ، وَقَالَ لقد كَانَ فِي قصصهم عِبْرَة لأولي الْأَلْبَاب .
وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا مَا يحدث أَصْحَابه ، بأخبار الْأُمَم الَّذين قبلهم ، ويحكي من ذَلِك مَا يشْرَح بِهِ صُدُورهمْ ، وَيُقَوِّي إيماناهم ، ويؤكد فَضلهمْ .
وَكتاب بَدْء الْخلق من صَحِيح البُخَارِيّ رَحمَه الله كَفِيل بِهَذَا الشَّأْن ، وَآت من الْقدر المهم مِنْهُ مَا يبرد غلَّة العطشان “. انتهى
ومن أراد التوسع في فوائد علم التأريخ فيمكنه مطالعة مقدمة كتاب “الكامل في التاريخ” لابن الأثير ، و كتاب “التوبيخ لمن ذم التوريخ” للسخاوي ، و كتاب “الشماريخ” للسيوطي .
ثانيا :
من فنون علم التاريخ المهمة : التنصيص على تواريخ الميلاد والوفاة ، وله فوائد عظمى عامة .
ولعل من لطائف الاستدلالات القرآنية فيما يتعلق بأهمية ذلك ، بيان زيف ما ادعاه اليهود والنصارى من كون إبراهيم عليه السلام كان يهوديا أو نصرانيا ، حيث كذب الله دعواهم من ناحية التأريخ فقال سبحانه : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ البقرة/65 – 67 .
وفي ذلك قال الشيخ الحافظ ولي الدين العراقي: قد وقع الاستدلال بالتاريخ في الكتاب العزيز ، قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (سورة آل عمران، الآية 65).
فاستدل على بطلان دعوى اليهود ، في إبراهيم أنه يهودي ، ودعوى النصارى أنه نصراني بقوله: وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ. وهذا من لطائف الاستدلالات ونفائسها “. انتهى ، نقله عنه السيوطي في “نظم العقيان في أعيان الأعيان” (ص6) .
ثالثا :
وأما فيما يخص تواريخ ولادة ووفاة رواة الأحاديث من الصحابة وغيرهم فبيان ذلك كما يلي :
فمن المعلوم البيِّن : أن الدين الإسلامي قائم على الوحي ، والوحي هو القرآن والسنة النبوية ، وقد تكفل الله بحفظ كتابه فقال : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ الحجر/9 .
وأما السنة النبوية فقد قيد الله لها أهل العلم ، فوضعوا لها القواعد والضوابط التي على أساسها يقبل الحديث ، أو يرد على ناقله ، حتى إنه قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَصْنُوعَةُ؟ قَالَ: يَعِيشُ لَهَا الْجَهَابِذَةُ . أخرجه الخطيب في “الكفاية في علم الرواية” (ص36) .
والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والآثار عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كما هو معلوم نقلت إلينا بالإسناد ، والإسناد هو سلسلة الرجال الذين حملوا ونقلوا كلام القائل ، سواء كان منسوبا للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو منسوبا للصحابة رضوان الله عليهم ، ومن بعدهم .
فعلى سبيل المثال : كان الصحابة يسمعون ويشاهدون النبي صلى الله عليه وسلم ، فيحفظون ذلك ، ثم ينقلونه لمن بعدهم من التابعين ، ثم يقوم التابعون بنقل ما سمعوه من الصحابة إلى من بعدهم ، وهكذا .
وفي بداية الأمر لم يعرف بين التابعين الكذب ، فلما ظهرت الفتن ، ونشأت بدعة الخوارج والتشيع والقدرية ، ظهر الكذب في الناس ، انتصارا من كل صاحب بدعة ، لبدعته .
وحينئذ ، أصبح لزاما السؤال عن الرواة وأسمائهم وأحوالهم ، قال محمد بْنِ سِيرِينَ، : ” لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ ، قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ ، فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ ، وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ ” . أخرجه مسلم في “مقدمة صحيحة” (ص15) .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ظهر الزنادقة الذين وضعوا الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الجهلة الذين كذبوا عمدا على النبي صلى الله عليه وسلم عن حسن قصد ، ترغيبا في بعض الأعمال الصالحة ، أو تحذيرا من ارتكاب المحرمات حتى قالوا :” نحن ما كذبنا عليه ، إنما كذبنا له ” كذا في “الباعث الحثيث” (ص10) .
ولأجل كشف كذب هؤلاء أو هؤلاء ، وضع علماء الحديث علم نقد المرويات ، وهو مجموعة من العلوم بمجموعها يتبين للعالم صحة المنقول أو ضعفه .
ومن هذه العلوم علم ” التواريخ والوفيات” ، قال الإمام النووي في “التقريب والتيسير” (ص117) عن هذا العلم : ” هو فن مهم ، به يعرف اتصال الحديث وانقطاعه .
وقد ادعى قوم ، الرواية عن قوم : فنُظِر في التاريخ ، فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم ، بعد وفاتهم بسنين !! “. انتهى
ومن هنا نأتي للجواب عما ذكره السائل الكريم من أهمية ذكر تاريخ ولادة ووفاة الصحابة رضوان الله عليهم ، حيث يتمكن العلماء والنقاد ، من خلال معرفة تاريخ الولادة والوفاة للرواة ، من معرفة أمرين مهمين ، يتوقف عليهما قبول الخبر :
الأمر الأول : اتصال السند ؛ ومعنى ذلك : أن من شروط قبول الأخبار أن يكون الراوي أخذ الحديث عن شيخه ، وليس بينه وبين شيخه واسطة ، وهذا نحتاج إليه في كل طبقة من طبقات السند :
فنحتاج إليه لمعرفة الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم هل هو من الصحابة ، فيكون حديثه مسندا ، أم من التابعين ، فيكون حديثه مرسلا ، والحديث المرسل ضعيف كما هو معلوم .
قال الإمام مسلم في “مقدمة صحيحه” (ص29) :” وَالْمُرْسَلُ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا ، وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ” انتهى .
وفي ذلك قصة شهيرة أوردها الإمام مسلم في “مقدمة صحيحه” (ص16) وهي :” أن أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عِيسَى الطَّالْقَانِيَّ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ إِنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لِأَبَوَيْكَ مَعَ صَلَاتِكَ ، وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ . قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ ، عَمَّنْ هَذَا؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: هَذَا مِنْ حَدِيثِ شِهَابِ بْنِ خِرَاشٍ فَقَالَ: ثِقَةٌ ، عَمَّنْ قَالَ؟ قُلْتُ: عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ ، قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ قَالَ؟ ” قُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ ، إِنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَفَاوِزَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلَافٌ ” انتهى .
وهنا اسُتدل بالتاريخ على عدم ثبوت الحديث ، بأن الحجاج بن دينار لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم في الطبقة التي تلي الصحابة ، وهي طبقة التابعين ، فنحتاج تاريخ الولادة والوفاة ، لنعلم هل أدرك التابعيُّ الصحابيَّ ، وأخذ الحديث عنه ، أم بينهما واسطة ؟
ولأجل ذلك صنفت كتب المراسيل ، مثل كتاب “المراسيل” لابن أبي حاتم ، وكتاب “جامع التحصيل” للعلائي ، حيث يذكر فيه أهل العلم ترجمة الراوي من التابعين ، ثم يقال عنه : أدرك فلانا وفلانا ولم يدرك فلانا وفلانا ، وسمع من فلان وفلان ولم يسمع من فلان وفلان .
وإذا تبين أن التابعي لم يدرك الصحابي كان حديثه منقطعا ضعيفا لا يحتج به .
الأمر الثاني : معرفة كذب الكذابين ، في ادعائهم الرواية عن أقوام لم يدركوهم .
قال الخطيب البغدادي في “الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع” (1/130) :” اتفق أهل العلم على أن السماع ، ممن ثبت فسقه : لا يجوز .
ويثبت الفسق بأمور كثيرة لا تختص بالحديث …..
ومنها : أن يدعي السماع ممن لم يَلْقه ، ولهذه العلة قيد الناس مواليد الرواة ، وتاريخ موتهم ، فوجدت روايات لقوم عن شيوخ قصرت أسنانهم عن إدراكهم “. انتهى
فقد تبين أن أعظم سبل كشف كذب الكذابين من الرواة : معرفة التواريخ .
قَال سُفْيَانُ الثَّوْريّ :” لَمَّا اسْتَعْمَلَ الرُّوَاةُ الْكَذِبَ: اسْتَعْمَلْنَا لَهُمُ التَّأْرِيخَ “.
أخرجه ابن عدي في “الكامل” (1/169) ، والخطيب في “الكفاية في علوم الرواية” (ص119) . وهذ فسره حفص بن غياث فقال :” ” إِذَا اتَّهَمْتُمُ الشَّيْخَ فَحَاسِبُوهُ بِالسِّنِينَ , يَعْنِي: احْسِبُوا سِنَّهُ وَسَنَّ مَنْ كَتَبَ عَنْهُ ” أخرجه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (1/45) .
وبيان ذلك : أنه إذا جاء الراوي ، فحدث بالحديث عن بعض الصحابة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيُسأل عن مولده ، وبالمقارنة بين مولده ، ووفاة ذاك الصحابي الذي يحدث عنه : يظهر صدقه من كذبه .
وأمامنا مثال عملي على ذلك :
فهذا راوٍ يُدعى أَبَا خَالِدٍ السَّقَّاءَ ، يروي حديثا عن أنس بن مالك ، فيَقُولُ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ، وَنَظَرَ إِلَى طَيْرٍ، فَقَالَ: ” طُوبَى لَكِ يَا طَيْرُ تَأْوِي إِلَى الشَّجَرِ، وَتَأْكُلُ الثَّمَرَ ” .
قال أبو أَحْمَد الفراء : كُنَّا عِنْدَ أبي نُعَيْم ، وعنده يَحْيَى بْن معين ، وأبو بَكْر بْن أبي شيبة، فذكروا هذا ، فقال أَبُو نُعَيْم: ابن كم يزعم أنه ؟ قالوا: ابن خمس وعشرين ومائة سنة ، وذلك سنة تسع ومائتين ، فقال أَبُو نعيم: احسبوا ، فجعل يُلقي عليهم .
فقال: بزعمه مات ابن عُمَر قبل أن يُولد هُوَ بخمس سنين ؛ وذلك أَنَّهُ قِيلَ: إنه قَالَ: رأيتُ ابن عُمَر جاء إلى ابن الزبير فسَلَّم عَلَيْهِ وهو مصلوب.” “تاريخ بغداد” (16/579)
بل جرت واقعة مشهورة ذكرها ابن الجوزي في “المنتظم في أخبار الملوك والأمم” (16/129) في ترجمة الخطيب البغدادي فقال : ” وكان قد أظهر بعض اليهود كتابا ، وادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادات الصحابة ، وأن خط علي بن أبي طالب فيه ، فعرضه رئيس الرؤساء ابن المسلمة على أبي بكر الخطيب ؟
فقال: هذا مزور. قيل: من أين لك؟ قَالَ: في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان ، ومعاوية أسلم يوم الفتح ، وخيبر كانت في سنة سبع ، وفيه شهادة سعد بن معاذ ، وكان قد مات يوم الخندق “. انتهى
فاستدل بتاريخ إسلام معاوية على إبطال ما نسب إليه من شهادته ، واستدل كذلك بتاريخ وفاة سعد بن معاذ على إبطال ما نسب إليه من شهادته .
وهذا لم ينحصر فقط في طبقة الصحابة والتابعين ، بل تعداه إلى جميع الرواة ، فكتبت تراجم الرواة مع التنصيص فيها على تاريخ الميلاد والوفاة غالبا ، كل هذا كشفا لكذب الكذابين .
فهذا إسماعيل بن عياش يقول :” كنت بالعراق فأتاني أهل الحديث ، فقالوا هذا رجل يحدث عن خالد بن معدان ، قال: فأتيته ، فقلت: أي سنة كتبت عن خالد بن معدان ، قال: سنة ثلاث عشرة .
فقلت: أنت تزعم أنك سمعت من خالد بعد موته بسبع ” . أخرجه ابن حبان في “المجروحين” (1/71) .
وهذا راو اسمه إِسْحَاق بْن بِشْر بْن محمد بْن عَبْد اللَّه بْن سالم وكنيته أبو حذيفة ، استدل علماء الحديث على كذبه بتحديثه عن عبد الله بن طاووس ، حيث نقل الذهبي في “تاريخ الإسلام” (5/27) فقال :” وقال عليّ بْن المديني: كذاب ، كان يحدث عن ابن طاووس ، فجاؤوا إلى ابن عيينة ، فأخبروه بسنه ، فإذا ابن طاووس قد مات قبل أنّ يُولَد “. انتهى
ولذا حرص علماء الحديث على تدوين ذلك ، حيث يقول الحسن بن الربيع :” قَدِمْتُ بَغْدَادَ فَلَمَّا خَرَجْتُ شَيَّعَنيِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ ، فَلَمَّا بَرَزْتُ إِلَى خَارِجٍ ، قَالَ لِي أَصْحَابُ الْحَدِيثِ: تَوَقَّفْ ، فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَجِيءٌ .
فَتَوَقَفْتُ فَجَاءَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، فَقَعَدَ فَأَخْرَجَ أَلْوَاحَهُ ، فَقَالَ:
يَا أَبَا عَلِيٍّ ، أَمْلِ عَلِيَّ وَفَاةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، فِي أَيِّ سَنَةٍ مَاتَ؟ فَقُلْتُ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ. فَقِيلَ لَهُ: مَا تُرِيدُ بِهَذَا؟ قَالَ: أُرِيدُ الْكَذَّابِينَ! “.
أخرجه الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (8/266).
مما سبق يتبين أن علماء التراجم والسير عندما دونوا في تراجم الصحابة وغيرهم ، سنة الميلاد والوفاة : أن ذلك لم يكن من قبيل الترف الفكري ، بل لذلك أهمية بالغة في حفظ السنة النبوية ، فرحمة الله على علماء المسلمين أجمعين .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب