0 / 0

ما هي أهمية معرفة تاريخ الولادة والوفاة للصحابة وغيرهم الموجودة في كتب السير ؟

السؤال: 270759

ما الفائدة من معرفة تاريخ ولادة وموت الصحابة الموجود فى كتب السيرة ؟ على الرغم أن الرسول قال : ( احرص على ما ينفعك ) ، وتاريخ المولادة والموت لا شك لا ينفع ، أما صفاتهم ، وإيمانهم ، وأقوالهم هى التى تنفع ، فلماذا وضع مؤرخو الإسلام وهم من التابعين تلك التواريخ ، وهم أعلم بالدين منا وبالحديث ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

معرفة تاريخ الأمم وأحوالها ورجالها : أمر لا يُنكر فضله ، فإنه مرآة الزمان ، يعرف به الناظر خبر ما كان ، ليستدل به على ما سيكون فإن الأمور اشتباه .

وفوائد علم التاريخ ، وتدوينه : أمر لا يمكن حصره في هذا المقام ، حتى عدّه الحافظ السخاوي في كتابه “التوبيخ لمن ذم التوريخ” (ص1) من القربات ، فقال :” الاشتغال بفن التاريخ للعلماء من أجل القربات ، بل من العلوم الواجبات المتنوعة للأحكام الخمسة ” انتهى .

قال ابن الأثير في “الكامل في التاريخ” (1/9) :” وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِمَّنْ يَدَّعِي الْمَعْرِفَةَ وَالدِّرَايَةَ ، وَيَظُنُّ بِنَفْسِهِ التَّبَحُّرَ فِي الْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ : يَحْتَقِرُ التَّوَارِيخَ ، وَيَزْديهَا، وَيُعْرِضُ عَنْهَا وَيَلْغِيهَا ؛ ظَنًّا مِنْهُ : أَنَّ غَايَةَ فَائِدَتِهَا إِنَّمَا هُوَ الْقِصَصُ وَالْأَخْبَارُ، وَنِهَايَة مَعْرِفَتِهَا : الْأَحَادِيثُ وَالْأَسْمَارُ .

وَهَذِهِ حَالُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْقِشْرِ دُونَ اللُّبِّ نَظَرُهُ، وَأَصْبَحَ مُخْشَلَبًا جَوْهَرُهُ !!

وَمَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ طَبْعًا سَلِيمًا ، وَهَدَاهُ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا : عَلِمَ أَنَّ فَوَائِدَهَا كَثِيرَةٌ،  وَمَنَافِعَهَا الدُّنْيَوِيَّةَ وَالْأُخْرَوِيَّةَ : جَمَّةٌ غَزِيرَةٌ “. انتهى

وقال أبو العباس السلاوي في “الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى” (1/59) :” اعْلَم أَن علم التَّارِيخ من أجل الْعُلُوم قدرا ، وأرفعها منزلَة وذكرا ، وأنفعها عَائِدَة وذخرا .

وَكَفاهُ شرفا أَن الله تَعَالَى شحن كِتَابه الْعَزِيز ، الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه : من أَخْبَار الْأُمَم الْمَاضِيَة ، والقرون الخالية ، بِمَا أفحم بِهِ أكَابِر أهل الْكتاب ، وأتى من ذَلِك بِمَا لم يكن لَهُم فِي ظن وَلَا حِسَاب .

ثمَّ لم يكتف تَعَالَى بذلك حَتَّى امتن بِهِ على نبيه الْكَرِيم ، وَجعله من جملَة مَا أسداه إِلَيْهِ من الْخَيْر العميم ؛ فَقَالَ جلّ وَعلا تِلْكَ الْقرى نقص عَلَيْك من أنبائها ، وَقَالَ وكلا نقص عَلَيْك من أنباء الرُّسُل مَا نثبت بِهِ فُؤَادك ، وَقَالَ لقد كَانَ فِي قصصهم عِبْرَة لأولي الْأَلْبَاب .

وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا مَا يحدث أَصْحَابه ، بأخبار الْأُمَم الَّذين قبلهم ، ويحكي من ذَلِك مَا يشْرَح بِهِ صُدُورهمْ ، وَيُقَوِّي إيماناهم ، ويؤكد فَضلهمْ .

وَكتاب بَدْء الْخلق من صَحِيح البُخَارِيّ رَحمَه الله كَفِيل بِهَذَا الشَّأْن ، وَآت من الْقدر المهم مِنْهُ مَا يبرد غلَّة العطشان “. انتهى

ومن أراد التوسع في فوائد علم التأريخ فيمكنه مطالعة مقدمة كتاب “الكامل في التاريخ” لابن الأثير ، و كتاب “التوبيخ لمن ذم التوريخ” للسخاوي ، و كتاب “الشماريخ” للسيوطي .

ثانيا :

من فنون علم التاريخ المهمة : التنصيص على تواريخ الميلاد والوفاة ، وله فوائد عظمى عامة .

ولعل من لطائف الاستدلالات القرآنية فيما يتعلق بأهمية ذلك ، بيان زيف ما ادعاه اليهود والنصارى من كون إبراهيم عليه السلام كان يهوديا أو نصرانيا ، حيث كذب الله دعواهم من ناحية التأريخ فقال سبحانه :   يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ  البقرة/65 – 67 .

وفي ذلك قال الشيخ الحافظ ولي الدين العراقي: قد وقع الاستدلال بالتاريخ في الكتاب العزيز ، قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (سورة آل عمران، الآية 65).

فاستدل على بطلان دعوى اليهود ، في إبراهيم أنه يهودي ، ودعوى النصارى أنه نصراني بقوله: وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ. وهذا من لطائف الاستدلالات ونفائسها “. انتهى ، نقله عنه السيوطي في “نظم العقيان في أعيان الأعيان” (ص6) .

ثالثا :

وأما فيما يخص تواريخ ولادة ووفاة رواة الأحاديث من الصحابة وغيرهم فبيان ذلك كما يلي :

فمن المعلوم البيِّن : أن الدين الإسلامي قائم على الوحي ، والوحي هو القرآن والسنة النبوية ، وقد تكفل الله بحفظ كتابه فقال :  إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ   الحجر/9 .

وأما السنة النبوية فقد قيد الله لها أهل العلم ، فوضعوا لها القواعد والضوابط التي على أساسها يقبل الحديث ، أو يرد على ناقله  ، حتى إنه  قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَصْنُوعَةُ؟ قَالَ: يَعِيشُ لَهَا الْجَهَابِذَةُ . أخرجه الخطيب في “الكفاية في علم الرواية” (ص36) .

والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والآثار عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كما هو معلوم نقلت إلينا بالإسناد ، والإسناد هو سلسلة الرجال الذين حملوا ونقلوا كلام القائل ، سواء كان منسوبا للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو منسوبا للصحابة رضوان الله عليهم ، ومن بعدهم  .

فعلى سبيل المثال : كان الصحابة يسمعون ويشاهدون النبي صلى الله عليه وسلم ، فيحفظون ذلك ، ثم ينقلونه لمن بعدهم من التابعين ،  ثم يقوم التابعون بنقل ما سمعوه من الصحابة إلى من بعدهم ، وهكذا .

وفي بداية الأمر لم يعرف بين التابعين الكذب ، فلما ظهرت الفتن ، ونشأت بدعة الخوارج والتشيع والقدرية ، ظهر الكذب في الناس ، انتصارا من كل صاحب بدعة ، لبدعته .

وحينئذ ، أصبح لزاما السؤال عن الرواة وأسمائهم وأحوالهم ، قال محمد بْنِ سِيرِينَ، : ” لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ ، قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ ، فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ ، وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ ” . أخرجه مسلم في “مقدمة صحيحة” (ص15) .

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ظهر الزنادقة الذين وضعوا الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الجهلة الذين كذبوا عمدا على النبي صلى الله عليه وسلم عن حسن قصد ، ترغيبا في بعض الأعمال الصالحة ، أو تحذيرا من ارتكاب المحرمات حتى قالوا :” نحن ما كذبنا عليه ، إنما كذبنا له ” كذا في “الباعث الحثيث” (ص10) .

ولأجل كشف كذب هؤلاء أو هؤلاء ، وضع علماء الحديث علم نقد المرويات ، وهو مجموعة من العلوم بمجموعها يتبين للعالم صحة المنقول أو ضعفه .

ومن هذه العلوم علم  ” التواريخ والوفيات” ، قال الإمام النووي في “التقريب والتيسير” (ص117) عن هذا العلم : ” هو فن مهم ، به يعرف اتصال الحديث وانقطاعه .

وقد ادعى قوم ، الرواية عن قوم : فنُظِر في التاريخ ، فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم ، بعد وفاتهم بسنين !! “. انتهى

ومن هنا نأتي للجواب عما ذكره السائل الكريم من أهمية ذكر تاريخ ولادة ووفاة الصحابة رضوان الله عليهم ، حيث يتمكن العلماء والنقاد ، من خلال معرفة تاريخ الولادة والوفاة للرواة ، من معرفة أمرين مهمين ، يتوقف عليهما قبول الخبر :

الأمر الأول : اتصال السند ؛ ومعنى ذلك : أن من شروط قبول الأخبار أن يكون الراوي أخذ الحديث عن شيخه ، وليس بينه وبين شيخه واسطة ، وهذا نحتاج إليه في كل طبقة من طبقات السند :

فنحتاج إليه لمعرفة الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم هل هو من الصحابة ، فيكون حديثه مسندا ، أم من التابعين ، فيكون حديثه مرسلا ، والحديث المرسل ضعيف كما هو معلوم .
قال الإمام مسلم في “مقدمة صحيحه” (ص29) :” وَالْمُرْسَلُ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا ، وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ” انتهى .

وفي ذلك قصة شهيرة أوردها الإمام مسلم في “مقدمة صحيحه” (ص16) وهي :” أن أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عِيسَى الطَّالْقَانِيَّ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ إِنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لِأَبَوَيْكَ مَعَ صَلَاتِكَ ، وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ . قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ ، عَمَّنْ هَذَا؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: هَذَا مِنْ حَدِيثِ شِهَابِ بْنِ خِرَاشٍ فَقَالَ: ثِقَةٌ ، عَمَّنْ قَالَ؟ قُلْتُ: عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ ، قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ قَالَ؟ ” قُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ ، إِنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَفَاوِزَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلَافٌ ” انتهى .

وهنا اسُتدل بالتاريخ على عدم ثبوت الحديث ، بأن الحجاج بن دينار لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم .

ثم في الطبقة التي تلي الصحابة ، وهي طبقة التابعين ، فنحتاج تاريخ الولادة والوفاة ، لنعلم هل أدرك التابعيُّ الصحابيَّ ، وأخذ الحديث عنه ، أم بينهما واسطة ؟

ولأجل ذلك صنفت كتب المراسيل ، مثل كتاب “المراسيل” لابن أبي حاتم ، وكتاب “جامع التحصيل” للعلائي ، حيث يذكر فيه أهل العلم ترجمة الراوي من التابعين ، ثم يقال عنه : أدرك فلانا وفلانا ولم يدرك فلانا وفلانا ، وسمع من فلان وفلان ولم يسمع من فلان وفلان .

وإذا تبين أن التابعي لم يدرك الصحابي كان حديثه منقطعا ضعيفا لا يحتج به .

الأمر الثاني : معرفة كذب الكذابين ، في ادعائهم الرواية عن أقوام لم يدركوهم .

قال الخطيب البغدادي في “الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع” (1/130) :” اتفق أهل العلم على أن السماع ، ممن ثبت فسقه : لا يجوز .

ويثبت الفسق بأمور كثيرة لا تختص بالحديث …..

ومنها : أن يدعي السماع ممن لم يَلْقه ، ولهذه العلة قيد الناس مواليد الرواة ، وتاريخ موتهم ، فوجدت روايات لقوم عن شيوخ قصرت أسنانهم عن إدراكهم “. انتهى

فقد تبين أن أعظم سبل كشف كذب الكذابين من الرواة : معرفة التواريخ .

قَال سُفْيَانُ الثَّوْريّ :” لَمَّا اسْتَعْمَلَ الرُّوَاةُ الْكَذِبَ: اسْتَعْمَلْنَا لَهُمُ التَّأْرِيخَ “.

أخرجه ابن عدي في “الكامل” (1/169) ، والخطيب في “الكفاية في علوم الرواية” (ص119) .  وهذ فسره حفص بن غياث فقال :” ” إِذَا اتَّهَمْتُمُ الشَّيْخَ فَحَاسِبُوهُ بِالسِّنِينَ , يَعْنِي: احْسِبُوا سِنَّهُ وَسَنَّ مَنْ كَتَبَ عَنْهُ ” أخرجه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (1/45) .

وبيان ذلك : أنه إذا جاء الراوي ، فحدث بالحديث عن بعض الصحابة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيُسأل عن مولده ، وبالمقارنة بين مولده ، ووفاة ذاك الصحابي الذي يحدث عنه : يظهر صدقه من كذبه .

وأمامنا مثال عملي على ذلك :

فهذا راوٍ يُدعى أَبَا خَالِدٍ السَّقَّاءَ ، يروي حديثا عن أنس بن مالك ، فيَقُولُ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ، وَنَظَرَ إِلَى طَيْرٍ، فَقَالَ: ” طُوبَى لَكِ يَا طَيْرُ تَأْوِي إِلَى الشَّجَرِ، وَتَأْكُلُ الثَّمَرَ ” .

قال أبو أَحْمَد الفراء : كُنَّا عِنْدَ أبي نُعَيْم ، وعنده يَحْيَى بْن معين ، وأبو بَكْر بْن أبي شيبة، فذكروا هذا ، فقال أَبُو نُعَيْم: ابن كم يزعم أنه ؟ قالوا: ابن خمس وعشرين ومائة سنة ، وذلك سنة تسع ومائتين ، فقال أَبُو نعيم: احسبوا ، فجعل يُلقي عليهم .

فقال: بزعمه مات ابن عُمَر قبل أن يُولد هُوَ بخمس سنين ؛ وذلك أَنَّهُ قِيلَ: إنه قَالَ: رأيتُ ابن عُمَر جاء إلى ابن الزبير فسَلَّم عَلَيْهِ وهو مصلوب.” “تاريخ بغداد” (16/579)

بل جرت واقعة مشهورة ذكرها ابن الجوزي في “المنتظم في أخبار الملوك والأمم” (16/129) في ترجمة الخطيب البغدادي فقال : ” وكان قد أظهر بعض اليهود كتابا ، وادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادات الصحابة ، وأن خط علي بن أبي طالب فيه ، فعرضه رئيس الرؤساء ابن المسلمة على أبي بكر الخطيب ؟

فقال: هذا مزور. قيل: من أين لك؟ قَالَ: في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان ، ومعاوية أسلم يوم الفتح ، وخيبر كانت في سنة سبع ، وفيه شهادة سعد بن معاذ ، وكان قد مات يوم الخندق “. انتهى

فاستدل بتاريخ إسلام معاوية على إبطال ما نسب إليه من شهادته ، واستدل كذلك بتاريخ وفاة سعد بن معاذ على إبطال ما نسب إليه من شهادته .

وهذا لم ينحصر فقط في طبقة الصحابة والتابعين ، بل تعداه إلى جميع الرواة ، فكتبت تراجم الرواة مع التنصيص فيها على تاريخ الميلاد والوفاة غالبا ، كل هذا كشفا لكذب الكذابين .

فهذا إسماعيل بن عياش يقول :”  كنت بالعراق فأتاني أهل الحديث ، فقالوا هذا رجل يحدث عن خالد بن معدان ، قال: فأتيته ، فقلت: أي سنة كتبت عن خالد بن معدان ، قال: سنة ثلاث عشرة .

فقلت: أنت تزعم أنك سمعت من خالد بعد موته بسبع ” . أخرجه ابن حبان في “المجروحين” (1/71) .

وهذا راو اسمه إِسْحَاق بْن بِشْر بْن محمد بْن عَبْد اللَّه بْن سالم وكنيته أبو حذيفة ، استدل علماء الحديث على كذبه بتحديثه عن عبد الله بن طاووس ، حيث نقل الذهبي في “تاريخ الإسلام” (5/27) فقال :” وقال عليّ بْن المديني: كذاب ، كان يحدث عن ابن طاووس ، فجاؤوا إلى ابن عيينة ، فأخبروه بسنه ، فإذا ابن طاووس قد مات قبل أنّ يُولَد “. انتهى

 ولذا حرص علماء الحديث على تدوين ذلك ، حيث يقول الحسن بن الربيع :” قَدِمْتُ بَغْدَادَ فَلَمَّا خَرَجْتُ شَيَّعَنيِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ ، فَلَمَّا بَرَزْتُ إِلَى خَارِجٍ ، قَالَ لِي أَصْحَابُ الْحَدِيثِ: تَوَقَّفْ ، فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَجِيءٌ .

فَتَوَقَفْتُ فَجَاءَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، فَقَعَدَ فَأَخْرَجَ أَلْوَاحَهُ ، فَقَالَ:

يَا أَبَا عَلِيٍّ ، أَمْلِ عَلِيَّ وَفَاةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، فِي أَيِّ سَنَةٍ مَاتَ؟ فَقُلْتُ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ. فَقِيلَ لَهُ: مَا تُرِيدُ بِهَذَا؟ قَالَ: أُرِيدُ الْكَذَّابِينَ! “.

أخرجه الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (8/266).

مما سبق يتبين أن علماء التراجم والسير عندما دونوا في تراجم الصحابة وغيرهم ، سنة الميلاد والوفاة : أن ذلك لم يكن من قبيل الترف الفكري ، بل لذلك أهمية بالغة في حفظ السنة النبوية ، فرحمة الله على علماء المسلمين أجمعين .

 والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android