0 / 0
158,91223/06/2018

حول التعارض بين حديث ” لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ” ، مع واقع بعض الدول التي نجحت مع أن الحاكم امرأة

السؤال: 271190

جاء في “صحيح البخاري” عن أبي بكرة أنه قال:” لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارسا ملكوا ابنة كسرى قال: ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) ، فلماذا نجد بعض من الدول المتقدمة تحكمها امرأة أليس هذا تعارض مع الحديث ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

فإن الله عدل في أحكامه ، يأمر بالعدل ، وقد أوجب سبحانه على الرجال ما لم يوجبه للنساء ، وخص الرجال بأشياء ، وخص النساء بأشياء ، وأباح بعض الأمور للرجال دون النساء ، وأباح بعض الأمور للنساء دون الرجال ، وكل ذلك مناسب للفطرة التي فطر الله عليها كل جنس .

قال الله تعالى :  أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ   تبارك/14 .

ومن هذه الأمور التي جعلها الله خاصة بالرجال أمر الولاية العظمى ، ويدل عليه الحديث الصحيح الذي أورده السائل ، وهو حديث صحيح لا مطعن فيه .

وقد أخرجه البخاري في “صحيحه” (4425) ، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الجَمَلِ ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ ، قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ:( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً ) .

وعامة أهل العلم على اشتراط الذكورة في الولاية العامة ، وأنه لا يجوز أن تتولى النساء الولايات العامة .

قال البغوي في “شرح السنة” (10/77) :” اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إماماً ولا قاضياً ، لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد ، والقيام بأمور المسلمين ، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات ، والمرأة عورة ، لا تصلح للبروز ، وتعجز لضعفها عند القيام بأكثر الأمور ، ولأن المرأة ناقصة ، والإمامة والقضاء من كمال الولايات ، فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال “. انتهى

وقال القاضي ابو بكر ابن العربي في “أحكام القرآن” (3/482) :” رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ كِسْرَى لَمَّا مَاتَ وَلَّى قَوْمُهُ بِنْتَهُ:( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً ) ، وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ خَلِيفَةً ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ “. انتهى

وقال الشوكاني في “نيل الأوطار” (8/304) :” قَوْلُهُ: ( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ. . . إلَخْ) : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ ، وَلَا يَحِلُّ لِقَوْمٍ تَوْلِيَتُهَا ، لِأَنَّ تَجَنُّبَ الْأَمْرِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ الْفَلَاحِ وَاجِبٌ.

قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي الْقَاضِي إلَّا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ ، وَاسْتَثْنَوْا الْحُدُودَ ، وَأَطْلَقَ ابْنُ جَرِيرٍ ، وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْقَضَاءَ يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ ، وَرَأْيُ الْمَرْأَةِ نَاقِصٌ وَلَا كَمَالَ سِيَّمَا فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ “. انتهى

أما ما ذكره السائل من كون بعض الدول المتقدمة تحكمها امرأة ، وأن هذا قد يعارض الحديث ، فجوابه كما يلي :

أولا : أن النبي صلى الله عليه وسلم علق عدم الفلاح على تولي المرأة للرجال الولاية العامة ، والفلاح هنا مطلق ، أي فلاح الدين والدنيا ، فيكون معنى الحديث : أنه ما من قوم جعلوا امرأة عليهم فإنهم لا يفلحون الفلاح المطلق في الدين والدنيا ، وهذا لا ينفي فلاحهم في أمر الدنيا .

قال العلامة ابن باديس – رحمه الله – في “تفسيره” (ص274) :” في تواريخ الأمم نساء تولين الملك ، ومن المشهورات في الأمم الإسلامية: شجرة الدر في العصر الأيوبي ، ومنهن من قضت آخر حياتها في الملك ، وازدهر ملك قومها في عهدها.

فما معنى نفي الفلاح عمن ولوا أمرهم امرأة؟

هذا اعتراض بأمر واقع ، ولكنه لا يرد علينا.

لأن الفلاح المنفي: هو الفلاح في لسان الشرع ، وهو تحصيل خير الدنيا والآخرة ، ولا يلزم من ازدهار الملك أن يكون القوم في مرضاة الله ، ومن لم يكن في طاعة الله ، فليس من المفلحين ، ولو كان في أحسن حال فيما يبدو من أمر دنياه.

على أن أكثر من ولوا أمرهم امرأة من الأمم إذا قابلهم مثلهم ، كانت عاقبتهم أن يغلبوا “. انتهى

ثانيا : أن كثيرا من النصوص تكون أغلبية وليست كلية ، لأن الأحكام مبناها على الغالب ، والنادر لا حكم له .

فمثلا عندما قال الله تعالى:  أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ  الزخرف/18.

فهذا الوصف في النساء أغلبي ، إذ قد توجد بعض النساء من ذوات اللَّسَن والقدرة على الإبانة في الخصام .

ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم :” قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ، لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً  .

أخرجه البخاري في “صحيحه” (6498) ، ومسلم في “صحيحه” (2547) ، واللفظ له .

والأمر في هذا الحديث مثله ، أن النفي المطلق هنا على المبالغة ، وأن هذا هو الغالب ، وإن وجد الفلاح في إمرة بعض النسوة فهذا من النادر ، والنادر لا حكم له .

وإذا نظرنا إلى تولي المرأة للولايات العامة في الدول ، على مر التاريخ ، فسوف نجد ذلك نادرا ، بل غاية في الندرة ، إذا قسناه بمن تولاه من الرجال ؛ فكيف يكون حال من نجح من هؤلاء النسوة في رئاسة قومها ، إذا كان الجميع نادرا ؟!

ثالثا : أن واقع هذه الدول أن الرئيس لا ينفرد غالبا بقراره ، وإنما يحكمه دستور ، وقانون ، وربما مجالس أخرى ، يجب عليه أن يأخذ موافقتها قبل كثير من القرارات .

 وبالتالي لا يصدق على مثل هذه الحالات أنها تولت أمرهم بحيث يكون لها القرار منفردة كما هو الحال في الدول التي يحكمها فرد واحد ، ويكون بيده القرارات المصيرية للأمة .

قال الشيخ عبد الله آل بسام في “توضيح الأحكام” (7/184) :” والدول التي ولتها إنَّما هيَ ولاية صورية لا حقيقية ؛ فبلادهم يحكمها دستورٌ لا يتخطَّاه أحدٌ منهم “. انتهى

هذا وفد قصّ علينا القرآن ما كان من خبر ملكة سبأ ، وكيف أنها أصابها الهلع والخور ، وضعفت نفسها عن المواجهة ، واختارت الحيلة .

وينظر جواب السؤال رقم (135052).

وينظر أيضا للفائدة نقاشا علميا لهذه الشبهة :

http://bayanelislam.net/Suspicion.aspx?id=03-03-0079

وختاما : فإن أحكام الشريعة جاءت من لدن حكيم خبير ، يعلم سبحانه ما يصلحنا ويصلح حياتنا ، وما يفسدنا ويفسد حياتنا ، في الدنيا والآخرة .

وقد قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ  الأنفال/24 .

فمن آمن واستسلم لحكم الله ورسوله طابت حياته في الدنيا والآخرة ، ومن أعرض واعترض شقي في الدنيا والآخرة .

ورحم الله الإمام الطحاوي حيث قال :” ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام “. انتهى من “العقيدة الطحاوية” .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android