عرض لي تناقض لم أسمعه من أحد حيث أن هناك رواية أن رسول الله صل الله عليه و سلم شك أن اليهودي ابن صياد هو الدجال ، إن صدقنا هذه الرواية ستتعارض مع بقية الروايات، رسول الله يقول لا دجال إلا بالمهدي ولا مسيح إلا بالدجال … نجده يشك مباشرة أن ابن صياد هو الدجال فأين المهدي ؟ ثم رواية إن خرج فيكم أنا حجيجه دونكم … فأين العلامات و أشراط الساعة التي قال عنها في غير روايات . ثم في رواية أخرى عمر يقسم بالله أن ابن صياد هو الدجال . هل عمر لا يعرف عن المهدي ؟ هذا إن دل يدل على أنهم لم يكونوا ينتظرون لا مهديا ولا مسيحا .
هذا ليس ما أؤمن به . أنا فقط أحاول أن أجد توافق بين كثرة الروايات وهي كما ترى متناقضة
أولا :
جاءت الأحاديث الصحيحة المتواترة بخروج المسيح الدجال ، ونزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام .
وصحت أيضا بظهور المهدي .
وصحت الأحاديث كذلك أنهم يكونون جميعا في زمان واحد .
فروى البخاري في “صحيحه” (2476) ، ومسلم في “صحيحه” (155) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ المَالُ ، حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ) .
وجاء في “صحيح مسلم” أن المسيح عيسى عليه السلام سيقتل الدجال عند باب لُد ، ويريه الله تعالى دمه في حربته .
فقد روى مسلم في “صحيحه” (2897) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا ، قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا ، وَاللهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا ، فَيُقَاتِلُونَهُمْ ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا ، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ ، أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ ، لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ ، قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ ، إِذْ صَاحَ فِيهِمِ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ ، فَيَخْرُجُونَ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَّهُمْ ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ ).
وأخرج مسلم في “صحيحه” (2937) من حديث النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ ، قَالَ: ” ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا ، فَقَالَ: ( مَا شَأْنُكُمْ؟ ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً ، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَقَالَ: ( غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا ، يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: ( أَرْبَعُونَ يَوْمًا ، يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ) ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: ( لَا ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: ( كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا ، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا ، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا ، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ ، يَضْحَكُ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ ، فَيَقْتُلُهُ ).
وقد ثبت أنه يؤم المسلمين ، في وجود المسيح عيسى عليه السلام ، رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
فقد روى البخاري في “صحيحه” (3499) ، ومسلم في “صحيحه” (155) ، من حديث أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ ).
وإنما كان ذلك ، تكرمة لهذه الأمة المحمدية .
فقد أخرج مسلم في “صحيحه” (165) من حديث جابر بن عبد الله ، قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا ، فَيَقُولُ: لَا ، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ ).
وقد جاء تعيين هذا الأمير ، وأنه المهدي ، من حديث جابر أيضا ، في رواية أخرجها الحارث بن أبي أسامة في “مسنده” ، أوردها ابن القيم في “المنار المنيف” (ص147) بإسناد الحارث بن أبي أسامة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا ، فيقول لا ، إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة ).
قال ابن القيم :”وهذا إسناد جيد ” انتهى ، وهذا الإسناد صححه أيضا ابن حجر الهيتمي في “الصواعق المحرقة” (2/475) ، والشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (2236) .
فثبت من الأحاديث الصحيحة تعاصر المسيح عيسى عليه السلام مع المهدي ، وكذلك مع المسيح الدجال .
ثانيا :
بالنسبة للتعارض الذي ظنه السائل الكريم ، فإن الأحاديث الواردة في شأن ابن صياد لا تتعارض مع الأحاديث الواردة في شأن الدجال وقتل المسيح له ووجود المهدي ، وذلك من وجوه :
الوجه الأول :
الحديث الذي أورده السائل بلفظ :” لا دجال إلا بالمهدي ولا مسيح إلا بالدجال “. لا أصل له ، ولا يروى بهذا اللفظ بأي إسناد .
الوجه الثاني :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم قط في حديث أن ابن صياد هو الدجال ، وإنما أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعض صفات الدجال ، ثم علم صلى الله عليه وسلم بابن صياد فوجد فيه بعض الصفات التي كانت عنده في الدجال ، وحينئذ توقف في أمره ولم يقطع بشيء ، ثم لما جاءه تميم بن أوس الداري وقص عليه الحديث المشهور حديث الجساسة ، وذكر فيه الدجال ذكر صلى الله عليه وسلم أن ذلك وافق ما كان حدثهم به عن الدجال ، وأن ابن صياد ليس هو الدجال .
وحديث الجساسة أخرجه مسلم في “صحيحه” (2942) من حديث فاطمة بنت قيس ، وفيه قال صلى الله عليه وسلم يحكي عن الدجال أنه قال :( وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي ، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا ، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً – أَوْ وَاحِدًا – مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا ، يَصُدُّنِي عَنْهَا ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ:” هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ ” – يَعْنِي الْمَدِينَةَ – ” أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟ ” فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ ، قال:” فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ ، أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ ).
قال الطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (7/385) :” أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى من ابْنِ صَيَّادٍ ما رَأَى من عَيْنِهِ ، وَلَمَّا سمع من هَمْهَمَتِهِ ما سمع ، وَلَمَّا وَقَفَ عليه من شَوَاهِدِهِ الْمَذْكُورَةِ عنه في هذا الحديث ، لم يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ هو الدَّجَّالَ الذي قد أَعْلَمَهُ اللَّهُ عز وجل خُرُوجَهُ في أُمَّتِهِ ، فقال فيه ما قال ، بِغَيْرِ تَحْقِيقٍ منه أَنَّهُ هو ، إذْ لم يَأْتِهِ بِذَلِكَ وَحْيٌ ، وَلاَ أَنَّهُ ليس هو ، إذْ لم يَأْتِهِ بِذَلِكَ وَحْيٌ ، وَوَقَفَ عن إطْلاَقِ وَاحِدٍ من ذَيْنِك الأَمْرَيْنِ فيه …
ثُمَّ وَقَفَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم من بَعْدُ على ما حدثه بِهِ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ ..
وكان سُرُورُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا في هذا الحديث ، مِمَّا كان تَمِيمٌ حدثه إيَّاهُ : دَلِيلاً على أَنَّهُ قد تَحَقَّقَ عِنْدَهُ ، بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ مِثْلُهُ عِنْدَهُ ، وَلَوْلاَ أَنَّ ذلك كان كَذَلِكَ ، لَمَا قام بِهِ في الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ خَطَبَ بِهِ عليهم ، وابن صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ معه بِالْمَدِينَةِ .
فَفِي ذلك ما قد دَلَّ : أَنَّ الدَّجَّالَ الذي كان منه فيه قبل ذلك ما كان ، وَمَنْ يُحَذِّرُ بِهِ أُمَّتَهُ منه وَمِنْ إخْبَارِهِ الناس أَنَّهُ لم يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلَهُ إِلاَّ وقد حَذَّرَ أُمَّتَهُ = خِلاَفُ ابْنِ صَيَّادٍ “. انتهى
وقال النووي في “شرح مسلم” (18/46) :” قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَقِصَّتُهُ مُشْكِلَةٌ ، وَأَمْرُهُ مُشْتَبَهٌ ، فِي أَنَّهُ: هَلْ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ الْمَشْهُورُ أم غيره ؟
ولاشك فِي أَنَّهُ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ .
قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ولا غيره ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصِفَاتِ الدَّجَّالِ ، وَكَانَ فِي ابن صَيَّادٍ قَرَائِنُ مُحْتَمِلَةٌ ، فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره ، وَلِهَذَا قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنْ يَكُنْ هُوَ، فَلَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ ” انتهى .
وقال شيخ الإسلام في “مجموع الفتاوى” (11/283) :” وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ ، مِثْلُ حَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ الَّذِي ظَهَرَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ قَدْ ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ الدَّجَّالُ ، وَتَوَقَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ ، حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّالُ ؛ لَكِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ ” انتهى .
وقال ابن كثير في “النهاية في الفتن والملاحم” (1/108) :” وَالْمَقْصُودُ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ لَيْسَ بِالدَّجَّالِ الَّذِي يخرج في آخر الزمان قطعاً ، وذلك لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّةِ فَإِنَّهُ فَيْصَلٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ ” انتهى .
وقد جمع الحافظ ابن حجر بين الأحاديث الواردة في ابن صياد وحديث الجساسة ، بأن الدجال الحقيقي هو من رآه تميم رضي الله عنه موثقا في قيوده في تلك الجزيرة ، وأما ابن صياد فهو شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة ، ثم توجه إلى أصبهان ليستتر فيها مع قرينه حتى يأذن الله بخروج الدجال .
قال ابن حجر في “فتح الباري” (13/328) :” وَأَقْرَبُ مَا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ مَا تَضَمَنَّهُ حَدِيثُ تَمِيم وَكَون ابن صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ ، أَنَّ الدَّجَّالَ بِعَيْنِهِ هُوَ الَّذِي شَاهده تَمِيم موثقًا ، وَأَن ابن صَيَّادٍ شَيْطَانٌ تَبَدَّى فِي صُورَةِ الدَّجَّالِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ، إِلَى أَنْ تَوَجَّهَ إِلَى أَصْبَهَانَ ، فَاسْتَتَرَ مَعَ قَرِينِهِ ، إِلَى أَنْ تَجِيءَ الْمُدَّةُ الَّتِي قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى خُرُوجَهُ فِيهَا ” انتهى.
وأيّا ما كان الأمر ، فإنه لا تعارض كما قدمنا ، سواء كان ابن صياد دجالا من الدجاجلة ، وليس الدجال الأكبر، أو كان يهوديا ثم أسلم ، أو هو الدجال حقيقة ، أو أنه شيطان تبدى في صورة الدجال .
وذلك لأن العلامات المذكورة في أحاديث الدجال في وصف الدجال : إنما تجتمع كلها عند خروجه وظهور فتنته .
أما قبل ذلك فيجوز وجوده دون استيفاء باقي الصفات ، لكون أن الله لم يأذن بعد بخروجه .
والله أعلم .