أريد أن أسأل عن الأحاديث التي تحث الزوج على المداعبة قبل الجماع ، ورأيت أن جميعها ضعفتموها ، فهل هناك حديث صحيح أو أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يحث على المداعبة قبل الجماع ؟
حول الأحاديث الواردة في المداعبة قبل الجماع
السؤال: 277116
ملخص الجواب
لم يصح حديث صريح في هذا الباب ، فيما وقفنا عليه . وإن كانت بعض الأحاديث الصحيحة قد يستأنس بها في الباب . وحق المرأة في الاستمتاع ، وصيانتها عن الضرر أمر واجب شرعا ، فلذا لا ينزل حكم المداعبة عن الاستحباب .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
فإن جميع الأحاديث الصريحة الواردة في استحباب المداعبة قبل الجماع ضعيفة لا تثبت ، وإنما قد يستأنس ببعض الأحاديث الصحيحة بمفهومها في هذا الباب ، وبيان ذلك كما يلي :
أولا :
الأحاديث الصريحة الواردة في استحباب المداعبة :
الحديث الأول : ” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُوَاقَعَةِ قَبْلَ الْمُلَاعَبَةِ ” .
أخرجه الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (15/293) ، ومن طريقه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (58/385) ، والخليلي في “الإرشاد” (3/973) ، من طريق نَصْر بْن الْحُسَيْنِ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُوسَى ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيِّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ: ” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُوَاقَعَةِ قَبْلَ الْمُلاعَبَةِ “.
والحديث موضوع .
فيه : ” محمد بن خلف الخيام ” ، قال الخليلي في “الإرشاد” (3/972) :” وهو ضعيف جدا روى في الأبواب تراجم لا يتابع عليها ، وكذلك متونا لا تعرف ، سمعت ابن أبي زرعة والحاكم أبا عبد الله الحافظين يقولان : كتبنا عنه الكثير ، ونبرأ من عهدته وإنما كتبنا عنه للاعتبار ” انتهى ، وقال الذهبي في “ميزان الاعتدال” (1/662) :” قال الحاكم: سقط حديثه برواية حديث: نهى عن الوقاع قبل الملاعبة ” انتهى .
والحديث حكم عليه الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (432) بأنه موضوع .
الحديث الثاني :( ثلاثة من الجفاء ، أن يؤاخى الرجل الرجل فلا يعرف له اسمًا ولا كنية ، وأن يهيئ الرجل لأخيه طعامًا فلا يجيبه ، وأن يكون بين الرجل وأهله وقاع من غير أن يرسل رسولاً ، المزاح والقبل ، لا يقع أحدكم على أهله مثل البهيمة على البهيمة ” .
أخرجه الديلمي في “مسند الفردوس” ( ورقة 64/3) مخطوط ، من طريق جعفر بن محمد السَّافادي ، قال حدثنا علي بن داود القنطري ، قال حدثنا سندي بن سليم ، قال حدثنا عمرو بن صدقة ، قال أخبرني عمر بن شاكر ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم به .
وإسناده منكر .
فيه : عمر بن شاكر ، قال فيه أبو حاتم :” ضعيف الحديث يروي عن أنس المناكير “. انتهى من “الجرح والتعديل” (6/115) ، وقال ابن عدي في “الكامل” (6/113) :” يحدث، عَن أَنَس بنسخة ، قريبا من عشرين حديثًا ، غير محفوظة “. انتهى
وفيه مجهولان : سندي بن سليم ، وجعفر بن محمد السافادي ، لم نقف لهما على ترجمة .
والحديث أورده السيوطي في “الجامع الكبير” (11285) وقال :” قال العراقي : هذا منكر “. انتهى ، وضعفه الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (6075) .
الحديث الثالث :( كَانَ إِذَا اجْتَلَى النِّسَاءَ أَقْعَى وَقَبَّلَ )
أخرجه ابن سعد في “الطبقات” (8/144 ، 146) ، والطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (2/102) ، من طريق مُوسَى بْن عُبَيْدَةَ ، قال حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْحَكَمِ ، قال حَدَّثَنِي أَبُو أُسَيْدٍ قَالَ: ” تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم امْرَأَةً مِنْ بَلْجُونٍ ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِهَا ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَأَنْزَلْتُهَا بِالشَّوْطِ مِنْ وَرَاءِ ذُبَابٍ فِي أُطُمٍ ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ جِئْتُكَ بِأَهْلِكَ ، فَخَرَجَ يَمْشِي وَأَنَا مَعَهُ ، فَلَمَّا أَتَاهَا أَقْعَى وَأَهْوَى لِيُقَبِّلَهَا ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم إِذَا اجْتَلَى النِّسَاءَ أَقْعَى وَقَبَّلَ ، فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ، فَقَالَ: ( لَقَدْ عُذْتِ مُعَاذًا ) ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَرُدَّهَا إِلَى أَهْلِهَا فَفَعَلْتُ “
والحديث إسناده تالف .
فيه : ” عمر بن الحكم ” ، قال البخاري في “الضعفاء الصغير” (245) :” ذاهب الحديث ” . انتهى
وفيه :” موسى بن عبيدة “. قال أحمد بن حنبل :” لا تحل الرواية عنه “. انتهى من “الضعفاء الكبير” للعقيلي (4/160) ، وقال أيضا :” منكر الحديث” . انتهى من “التاريخ الكبير” للبخاري (7/291) ، وقال ابن معين :” لا يحتج بحديثه ” ، وقال أبو حاتم :” منكر الحديث” . انتهى من “الجرح والتعديل” (8/152)
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (2144) .
الحديث الرابع :( لَا تُوَاقِعْهَا إلَّا وَقَدْ أَتَاهَا مِنْ الشَّهْوَةِ مِثْلُ مَا أَتَاك ، لِكَيْ لَا تَسْبِقَهَا بِالْفَرَاغِ ) قُلْت: وَذَلِكَ إلَيَّ؟ قَالَ: (نَعَمْ ، إنَّك تُقَبِّلُهَا ، وَتَغْمِزُهَا ، وَتَلْمِزُهَا ، فَإِذَا رَأَيْت أَنَّهُ قَدْ جَاءَهَا مِثْلُ مَا جَاءَك، وَاقَعْتَهَا ).
والحديث أورده ابن قدامة في “المغني” (7/300) فقال :” وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَاعِبَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الْجِمَاعِ ؛ لِتَنْهَضَ شَهْوَتُهَا ، فَتَنَالَ مِنْ لَذَّةِ الْجِمَاعِ مِثْلَ مَا نَالَهُ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ .. ثم ساق الحديث “. انتهى
والحديث لم نقف له على إسناد ، ثم هو معضل ، حيث سقط بين عمر بن عبد العزيز وبين النبي صلى الله عليه وسلم راويان على الأقل .
ثانيا :
ذهب جماعة من أهل العلم إلى استحباب الملاعبة والمداعبة قبل الجماع ، ومن هؤلاء الإمام النووي في “روضة الطالبين” (7/207) ، وابن قدامة في “المغني” (7/300) ، وابن القيم في “زاد المعاد” (4/231) ، وابن الحاج في “المدخل” (2/185) ، والصنعاني في “التنوير شرح الجامع الصغير” (8/312) ، وغيرهم .
وقد استأنسوا في ذلك ببعض الأحاديث ، وإن كانت غير صريحة في الدلالة على ذلك ، وعللوا ذلك بعلل تتفق مع مقاصد الشريعة .
ومن ذلك : ما أخرجه البخاري في “صحيحه” (2097) ، مسلم في “صحيحه” (715) ، من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ: ” كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ ، فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا ، فَأَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: جَابِرٌ : فَقُلْتُ: نَعَمْ ، قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قُلْتُ: أَبْطَأَ عَلَيَّ جَمَلِي وَأَعْيَا ، فَتَخَلَّفْتُ ، فَنَزَلَ يَحْجُنُهُ بِمِحْجَنِهِ ثُمَّ قَالَ: ( ارْكَبْ ) ، فَرَكِبْتُ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: (تَزَوَّجْتَ) قُلْتُ: نَعَمْ ، قَالَ: (بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا) قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا ، قَالَ: (أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ).
وموضع الشاهد من الحديث قوله :( أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ ) .
قال النووي في “روضة الطالبين” (7/207) :” وَيُسَنُّ مُلَاعَبَتُهُ الزَّوْجَةَ ، إِينَاسًا وَتَلَطُّفًا ، مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ ، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ هَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ “. انتهى
و قال المظهري في “المفاتيح في شرح المصابيح” (4/13):” ويدل أيضًا : على أن ما يجري بين الزوجين من الملاعبة : مرضيٌّ للشارع ، وهو سنةٌ ؛ لأنها سبب زيادة الألفة والنشاط ، ومَهيجِ الشهوة التي هي سبب الولادة “انتهى .
ومن أحسن الحكم المذكورة في ذلك : أن المرأة كالرجل ، تحب ما يحبه الرجل ، فإذا لم يقدم الملاعبة بين يدي الجماع ، فربما أدى إلى عدم استمتاعها ، مما قد يترتب عليه وقوع الضرر عليها ، وربما فتنتها .
وإذا كان الرجل يحب من امرأته ذلك ، ويحب أن ينال منها ما يشتهي ، وأن تؤنسه بحقه ، فإنها تحب منه ذلك أيضا ، ولها عليه ، مثل ما له عليها ؛ وقد قال الله تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/228 .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ” إني أحبُّ أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي; لأن الله تعالى ذكره يقول:” ولهن مثلُ الذي عليهن بالمعروف” .
رواه الطبري (4/532) وغيره .
قال ابن الحاج في “المدخل” (2/185) :” وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا عَزَمَ عَلَى الِاجْتِمَاعِ بِأَهْلِهِ : أَنْ يَتَحَرَّزَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ عَلَى غَفْلَةٍ ، بَلْ حَتَّى يُلَاعِبَهَا وَيُمَازِحَهَا بِمَا هُوَ مُبَاحٌ ، مِثْلَ الْجَسَّةِ ، وَالْقُبْلَةِ ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ ، حَتَّى إذَا رَأَى أَنَّهَا قَدْ انْبَعَثَتْ لِمَا هُوَ يُرِيدُ مِنْهَا ، وَانْشَرَحَتْ لِذَلِكَ ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ : فَحِينَئِذٍ يَأْتِيهَا .
وَحِكْمَةُ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ بَيِّنَةٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُحِبُّ مِنْ الرَّجُلِ مَا يُحِبُّ مِنْهَا ، فَإِذَا أَتَاهَا عَلَى غَفْلَةٍ : قَدْ يَقْضِي هُوَ حَاجَتَهُ ، وَتَبْقَى هِيَ ، فَقَدْ يُشَوِّشُ عَلَيْهَا ذَلِكَ ، وَقَدْ لَا يَنْصَانُ دِينُهَا ، فَإِذَا فَعَلَ مَا ذُكِرَ : تَيَسَّرَ عَلَيْهَا الْأَمْرُ ، وَانْصَانَ دِينُهَا “انتهى.
والحاصل :
أنه لم يصح حديث صريح في هذا الباب ، فيما وقفنا عليه .
وإن كانت بعض الأحاديث الصحيحة التي تقدم ذكرها قد يستأنس بها في الباب .
وحق المرأة في الاستمتاع ، وصيانتها عن الضرر أمر واجب شرعا ، فلذا لا ينزل حكم المداعبة عن الاستحباب .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب