ما حكم القول بأن الله ناطق وصفا له ؟ وما هو مذهب اصحاب هذا الكلام : ” الله مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ أَزَلِيٍّ أَبَدِي لَيْسَ حَرْفًا وَلَا صَوْتًا وَلَا يُبْتَدَاُ وَلَا يُخْتَتَم وَلَا يُشبِهُ كَلَامَ العَالـمِينَ بِوَجْهٍ منَ الوُجُوه ، وَأنَّهُ لَا خَالِقَ لِشَىءٍ إِلَّا الله ، والخَالِقُ وهوَ اللهُ لا يُوصَفُ بأنَّه نَاطِقٌ ، لأنَّ النّاطِقَ هوَ الذي يتكَلّمُ بالحَرفِ والصّوتِ. فوَصْفُ اللهِ بأنَّه نَاطِقٌ كُفرٌ؟ هل هم المعتزلة ؟ وما حكم قَوْلُ بعضِ النَّاس إذا رَأَوْا شَخْصًا يُشبِهُ آخَرَ الخَالقُ النّاطِق ، إذا قصدوا الشبه بينهما ؟
وبعض الأئمة عندما يستدلون بآية يقولون : كما جاء علي لسان الله ، وكما جاء علي لسان رسوله ، ويقرأون الآية ؛ لأني قلت لأحدهم : إن الله لم يصف نفسه بأن له لسان في الكتاب والسنة ، فقال : أولت اللسان بأنه الكلام كما في قوله ( يد الله فوق أيديهم ) فهل هذا صحيح ؟
هل يوصف الله بأنه ناطق ؟
السؤال: 278748
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
أسماء الله عز وجل وصفاته: توقيفية، فلا يثبت منها إلا ما جاء به النص من قرآن أو سنة صحيحة.
ولم يثبت تسمية الله بالناطق أو وصفه بالنطق، كما لم يثبت تسميته بالمتكلم، لكن له سبحانه صفة الكلام، كما سيأتي.
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله في تعليق على قول ابن بطة الحنبلي في الإبانة الصغرى: ” ثم الإيمان بصفات الله بأن الله حي ناطق”:
“قوله: ناطق: تسمية الله بالناطق ليس عليها دليل؛ لأنه لم يأت نص بإطلاق أن من أسماء الله الناطق، هكذا، لكن الحديث الذي ذكره في الحاشِيَة عن الآجُرِيِّ (إن الله عز وجل ينشئ السحاب، ويضحك أحسن الضحك، وينطق أحسن المنطق) لو صح، فإنه يقتصر على لفظ الفعل.
فيقال: ينطق أحسن النطق، ويضحك، مثل( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ) ؛ يقال: مَكَرَ اللهُ مَنْ مَكَرَه، (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا ) يكيد الله من كاده، ولا يشتق لله اسم منها؛ فلا يقال: من أسماء الله: الماكر ولا الكائد ولا الناطق، بل ما جاء على لفظ الفعل، يبقى على لفظ الفعل.
فقول المؤلف -رحمه الله-: “حي ناطق ” إطلاق اسم الناطق، وأنه يشتق لله اسم، ويقال: إن من أسمائه الناطق. هذا ليس عليه دليل، وإنما لو صح الحديث: “ينطق أحسن النطق”؛ يقال: إن الله ينطق فقط، ولا يقال: إن من أسمائه: الناطق” انتهى من:
http://portal.shrajhi.com/Media/ID/7013
ثانيا:
ما عليه أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل يتكلم بحرف وصوت، وكلامه غير مخلوق؛ لأنه صفة له، وصفات الله ليست مخلوقه.
وأما المعتزلة فيقولون: إن كلام الله بحرف وصوت لكنه مخلوق، خلقه الله في غيره، كالشجرة التي أتاها موسى.
وضلالهم بين، فإن الكلام هو ما قام بالمتكلم ، لا ما قام بغيره، وقيام الصفة إنما يكون بالموصوف بها ، لا بغيره، والصفة إذا قامت بمحل كانت صفة له لا صفة لغيره، فيلزمهم أن الشجرة هي المتكلمة حقيقة وأنها القائلة: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى).
والأشاعرة يقولون: إن كلام الله نوعان: كلام حقيقي غير مخلوق، وهو المعنى النفسي القائم بالله رب العالمين .
وكلام مخلوق: وهو هذا اللفظ المشتمل على الحرف والصوت.
ولهم في المعنى تقرير باطل أيضا، وهو أنه معنى واحد لا يتبعض، وأنه إن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا.
ويرون أن الكلام هذا أزلي لا يتجدد، ولا يكون لله كلام بعد كلام.
وما نقلته في سؤالك هو معتقد هؤلاء الأشاعرة.
والحق أن كلام الله تعالى غير مخلوق، لفظه ومعناه .
وأن القرآن غير الإنجيل، وهما غير التوراة، وأن كلام الله لا منتهى له .
وأن الله تعالى يتكلم متى شاء ، إذا شاء .
فقد كلم الملائكة قبل خلق آدم، ثم كلمهم بعد خلقه، ثم كلم آدم حين عصى، ويكلمه يوم القيامة ويناديه بصوت: يا آدم أخرج بعث النار .
وكلم ملائكته ورسله ، وسيكلمهم، ويكلم أهل الجنة .
وما من مؤمن إلا سيكلمه ربه ، ليس بينه وبينه ترجمان.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ” ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم يسمعه منه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة، وسمعه جبريل عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه، قال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] وقال سبحانه: يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي [الأعراف: 144] وقال سبحانه: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ [البقرة: 253] وقال سبحانه: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى: 51] وقال سبحانه: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى – إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه: 11 – 12] وقال سبحانه: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه: 14] وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ” إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء “، روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراة حفاة غرلا بهما ، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان ، رواه الأئمة ، واستشهد به البخاري” انتهى من “لمعة الاعتقاد” ص15
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” قول الجمهور وأهل الحديث وأئمتهم: إن الله تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ، وأنه يتكلم بصوت ، كما جاءت به الآثار والقرآن ، وغيره من الكتب الإلهية .
كلام الله : تكلم الله به ، بمشيئته وقدرته ، ليس ببائن عنه مخلوقا.
ولا يقولون إنه صار متكلما بعد أن لم يكن متكلما ، ولا إن كلام الله تعالى من حيث هو : حادث؛ بل ما زال متكلما إذا شاء ، وإن كان كلم موسى وناداه بمشيئته وقدرته ، فكلامه لا ينفد كما قال تعالى: قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ” انتهى من مجموع الفتاوى (12/ 173).
وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في شرح الطحاوية (1/ 174): ” .. أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ، ومتى شاء ، وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع .
وأن نوع الكلام قديم ، وإن لم يكن الصوت المعين قديما، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة” انتهى.
ثالثا:
قول البعض: جاء على لسان الله، لا يصح، فلم يثبت أن لله لسانا، وقد تقدم أن الأسماء والصفات توقيفية. ولا يجوز لأحد أن ينسب لله اللسان ثم يقول: أردت الكلام، قياسا على اليد، فإن اليد صفة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. والذي عليه أهل السنة فيها أنها صفة حقيقية تليق بالله تعالى، لا تؤول بالقدرة أو بالنعمة أو غيرها.
وقد كان من مسلك الجهمية نفي الكلام عن الله تعالى ، لأن الكلام يحتاج إلى لسان وشفتين، فبين أهل السنة أن الكلام لا يتوقف على ذلك، وتضمن كلامهم عدم ثبوت اللسان والشفتين.
قال الإمام أحمد في الرد على الزنادقة والجهمية ص35 [المطبعة السلفية] :
” باب ما أنكرت الجهمية من أن يكون الله كلم موسى.
فقلنا : لم أنكرتم ذلك ؟
قالوا : إن الله لم يتكلم ، ولا يتكلم ؛ وإنما كون شيئا ، فعبر عن الله . وخلق صوتا ، فأسمع . وزعموا أن الكلام لا يكون إلا من جوف ، ولسان ، وشفتين.
فقلنا : هل يجوز ، لمكون ، أو غير الله أن يقول : يا موسى * إني أنا ربك ( طه : 12 ) أو يقول : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ( طه : 14 ) ؟
فمن قال ذلك : زعم أن غير الله ادعى الربوبية !!
ولو كان ، كما زعم الجهمي : أن الله كون شيئا ؛ كان يقول ذلك المكوَّن : يا موسى إني أنا الله رب العالمين ( القصص : 30 ) وقد قال جل ثناؤه وكلم الله موسى تكليما ( النساء : 164 ) وقال تعالى : ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ( الأعراف : 143 ) وقال تعالى : إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ( الأعراف : 144 ) هذا منصوص القرآن .
فأما ما قالوا : ( إن الله لا يتكلم ) ؛ فكيف يصنعون بحديث الأعمش عن خيثمة ، عن عدي بن حاتم الطائي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان).
وأما قولهم : إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان وأدوات ، فقد قال تعالى : وسخرنا مع داود الجبال يسبحن ( الأنبياء : 79 ) أتراها أنها يسبحن بجوف وفم ولسان وشفتين؟!
والجوارح إذا شهدت على الكافر فقالوا : لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء فصلت : 21 ) أتراها أنها نطقت بجوف وفم ولسان؟ ولكن الله أنطقها كيف شاء .
وكذلك الله يتكلم كيف شاء ، من غير أن نقول : بجوف، ولا فم، ولا شفتين ، ولا لسان” انتهى.
رابعا:
قول بعض العامة: “الخالق الناطق” : أو : “سبحان الخالق الناطق” : للتعبير عن شدة الشبه بين شيئين، هو من الأقوال الشائعة الخاطئة، لأنه إن أريد تسبيح الله تعالى الخالق، فالخطأ في قولهم” الناطق، فإن هذا لم يثبت.
وإن أريد وصف المخلوق، فالخطأ في قولهم: “الخالق”، فإن المخلوق لا يكون خالقا.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب