أريد أن أعرف قصة وفاة الإمام النسائي ، وهل حقا توفي بسبب ضربه من طرف بعض المتعصبة ؟
قصة وفاة الإمام النسائي صاحب السنن رحمه الله .
السؤال: 284212
ملخص الجواب
دخل الإمام النسائي رحمه الله دمشق ، فوجد فيها انحراف عن علي رضي الله عنه ، فحدث فيهم بفضائله ، فظن بعض الجهلة والمتعصبة أنه يتحامل على معاوية رضي الله عنه ، فضربوه وآذوه ، فكان ذلك سببا في وفاته بعد ذلك رحمه الله .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي صاحب السنن رحمه الله ، إمام من أئمة المسلمين ، وحافظ من كبار الحفاظ ، وفقيه عالم ، وصالح عابد ، قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ: ” سَمِعْتُ مَشَايِخَنَا بِمِصْرَ يَعْتَرِفُونَ لَهُ بِالتَّقَدُّمِ وَالْإِمَامَةِ، وَيَصِفُونَ مِنَ اجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمُوَاظَبَتِهِ عَلَى الْحَجِّ وَالِاجْتِهَادِ ” .
وَقَالَ غَيْرُهُ: ” كَانَ يَصُومُ يَوْمًا ، وَيُفْطِرُ يَوْمًا ” .
“البداية والنهاية” (14/ 793).
دخل دمشق في آخر عمره ، فوجد كثيرا من أهلها منحرفين عن عليّ رضي الله عنه ، فحدث فيهم بفضائله ، فتعصب عليه بعض الجهلة ، وضربوه ، وكان ذلك سببا في موته رحمه الله .
قال محمد بن موسى : ” سمعت قوما ينكرون عَلَيْهِ كتاب “الخصائص” ، لعلي رضي الله عَنْهُ ، وتركه لتصنيف فضائل أَبِي بَكْر وعُمَر وعثمان رضي الله عنهم، ولم يكن فِي ذلك الوقت صنفها، فحكيت لَهُ ما سمعت، فَقَالَ: دخلنا إِلَى دمشق ، والمنحرف عَنْ علي بِهَا كثير، فصنفت كتاب “الخصائص” ، رجاء أن يهديهم الله ” انتهى من “تهذيب الكمال” (1/ 338) .
وقد ذكروا أن أهل دمشق لما ظنوا أنه يتنقص معاوية رضي الله عنه آذوه وضربوه ، فَمَا زَالُوا يَدْفَعُوْنَ فِي حِضْنَيْهِ حَتَّى أُخْرِجَ مِنَ المَسْجَدِ، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى الرَّمْلَةِ – وقيل إلى مَكَّةَ – فَتُوُفِّيَ بِهَا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ” خَرَجَ حَاجّاً فَامتُحِنَ بِدِمَشْقَ، وأدرك الشهادة فقال: احمِلُونِي إِلَى مَكَّةَ. فَحُمِلَ وَتُوُفِّيَ بِهَا “
“سير أعلام النبلاء” (11/ 82)
وقال ابن كثير رحمه الله :
” قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ أَفْقَهَ مَشَايِخِ مِصْرَ فِي عَصْرِهِ ، وَأَعْرَفَهُمْ بِالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ مِنَ الْآثَارِ ، وَأَعْرَفَهُمْ بِالرِّجَالِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذَا الْمَبْلَغَ حَسَدُوهُ ، فَخَرَجَ إِلَى الرَّمْلَةِ ، فَسُئِلَ عَنْ فَضَائِلِ مُعَاوِيَةَ ، فَأَمْسَكَ عَنْهُ ، فَضَرَبُوهُ فِي الْجَامِعِ، فَقَالَ: أَخْرِجُونِي إِلَى مَكَّةَ ، فَأَخْرَجُوهُ وَهُوَ عَلِيلٌ ، فَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ مَقْتُولًا شَهِيدًا.
قَالَ الْحَاكِمُ: مَعَ مَا رُزِقَ النَّسَائِيُّ مِنَ الْفَضَائِلِ ، رُزِقَ الشَّهَادَةَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، مَاتَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
وَحَكَى ابْنُ خَلِّكَانَ فِي ” الْوَفَيَاتِ ” أَنَّهُ إِنَّمَا صَنَّفَ ” الْخَصَائِصَ ” فِي فَضْلِ عَلِيٍّ وَأَهْلِ الْبَيْتِ، لِأَنَّهُ رَأَى أَهْلَ دِمَشْقَ حِينَ قَدِمَهَا فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ عِنْدَهُمْ نُفْرَةٌ مِنْ عَلِيٍّ “.
“البداية والنهاية” (14/ 795)
وقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ الحَافِظُ:
” سَمِعْتُ مَشَايخَنَا بِمِصْرَ يَصِفُونَ اجتِهَادَ النَّسَائِيّ فِي العِبَادَةِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الفِدَاءِ مَعَ أَمِيْرِ مِصْرِ، فوصف مِنْ شَهَامَتِهِ وَإِقَامَتِهِ السُّنَنِ المَأْثُورَةِ فِي فدَاءِ المُسْلِمِينَ، وَاحْتِرَازِهِ عَنْ مَجَالِسِ السُّلْطَانِ الَّذِي خَرَجَ مَعَهُ، وَالاَنبسَاطِ فِي المَأْكَلِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبهُ إِلَى أَنِ اسْتُشْهِدَ بِدِمَشْقَ مِنْ جِهَةِ الخَوَارِجِ “.
“سير أعلام النبلاء” (11/ 82)
والذي يظهر أن النسائي لم يكن منحرفا عن معاوية رضي الله عنه ، أو يقع فيه ، وحاشاه من ذلك ، إن شاء الله ؛ وإنما ظن بعض المنحرفين عن عليّ ، أنه إذا روى فضائل عليّ ، وصنف في ذلك ، وسكت عن معاوية فهو يبغض معاوية ؛ لذلك تحاملوا عليه .
قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله :
” روي عن أبي عبد الرحمن النسائي ، أنه سئل عن معاوية بن أبي سفيان ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة ، إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب ، إنما يريد دخول الباب.
قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة ” انتهى من “تاريخ دمشق” (71/ 175).
وما ذكروه من أنه لما خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية بن أبي سفيان ، وما روي من فضائله ، فقال: ” معاوية لا يرضى رأسا برأس ، حتى يفضّل؟! ” فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من المسجد .
فهذا – إن صح – : محمول على أن بعض الغوغاء والجهلة ، من العوام وأشباههم : لما سمعوا منه فضائل عليّ ، قالوا له : أسمعنا فضائل معاوية ، كما أسمعتنا فضائل عليّ .
فأراد أن يبين لهم أن معاوية رضي الله عنه ليس مثل عليّ في الفضل، وذلك ليخفف من غلوهم في معاوية ، وانحرافهم عن علي، فما كان منهم لجهلهم ، وتعصبهم إلا أن قاموا إليه وضربوه ، وهذا كتابه في فضائل الصحابة ، يدل على تعظيمه لقدر الصحابة ، وفضل الصحبة وسلامة صدره مما اتُّهم به زورا .
قال ابن عساكر :
” هذه الحكاية لا تدل على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان، وإنما تدل على الكف عن ذكره ، بكل حال ” انتهى من “تاريخ دمشق” (71/ 175) .
وينظر للفائدة :
والله تعالى أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب