0 / 0
11,80418/03/2018

كيف تدفع الشبهات في باب القدر، والرد على كتاب آذان الأنعام

السؤال: 284262

لدي شكوك حيال هذا الدين ، أشعر أنّ فيه غموض ربما لجهلي ، لا أعلم ، مثلاً قضية القدر وتخيير الإنسان أو تسييره ، أنا لا أفكّر كثيراً في هذه الأمور، لكن حين أُسأل أجدني أشكك أيضاً ، أو إنني لا أتيقن ، فهل يجب إسكات العقل في الدين ؟
وآخر سؤال صاحبة لي قرأت كتاب “آذان الأنعام” فباتت تشكك في تفسير القرآن الكريم ، وفي صحة ما ذكره السلف والمفسرون ، صارت ترى أنّ ما ذُكر في الكتاب منطقي جداً لدرجة أنّ ما ذكره المفسرون صار موضعاً للنظر ، ثمّ أخيراً في ظل هذا الجهل دلوني على كتب أتعلّم العقيدة الحق .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

الإسلام يحث على العلم وعلى إعمال العقل، والعلم قد يكون فرض عين، وهو علم ما تصح به عقيدة الإنسان وعبادته ومعاملته، والشبهات إنما تدخل على الإنسان من جهة قلة علمه، ونظره في شبهات المنحرفين قبل أن يتأهل لردها.

قال ابن القيم رحمه الله: ” وقوله – أي : علي بن أبي طالب رضي الله عنه – ” ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ” : هذا لضعف علمه ، وقلة بصيرته ، إذا وردت على قلبه أدنى شبهة : قدحت فيه الشك والريب .

بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبَه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ، ولا قدحت فيه شكّاً لأنه قد رسخ في العلم ، فلا تستفزه الشبهات ، بل إذا وردت عليه : ردها حَرَسُ العلم ، وجيشه ، مغلولةً ، مغلوبةً .

والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له ، فمتى باشر القلب حقيقة العلم : لم تؤثر تلك الشبهة فيه ، بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانها .

ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه : قدحت فيه الشك بأول وهلة ، فإن تداركها وإلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكّاً مرتاباً .

والقلب يتوارده جيشان من الباطل : جيش شهوات الغي ، وجيش شبهات الباطل ، فأيما قلب صغا إليها ، وركن إليها : تشرَّبها ، وامتلأ بها ، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها ، فإن أُشرب شبهات الباطل، تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات ، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه ، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه .

وقال لي شيخ الاسلام رضي الله عنه – أي: ابن تيمية- وقد جعلت أُورد عليه إيراداً بعد إيراد -:

لا تجعل قلبَك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة ، فيتشربها ، فلا ينضح إلا بها ؛ ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة ، تمر الشبهات بظاهرها ، ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ، ويدفعها بصلابته ، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها : صار مقرّاً للشبهات ، أو كما قال .

فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .

وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها؛ فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل، وأكثر الناس أصحاب حُسن ظاهر ، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس : فيعتقد صحتها ، وأما صاحب العلم واليقين : فإنه لا يغتر بذلك ، بل يجاوز نظره إلى باطنها ، وماتحت لباسها ، فينكشف له حقيقتها .
ومثال هذا : الدرهم الزائف ، فإنه يغتر به الجاهل بالنقد ، نظراً إلى ما عليه من لباس الفضة ، والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك ، فيطَّلع على زيفه” .

انتهى من “مفتاح دار السعادة ” ( 1 / 139 ، 140 ).

ثانيا:

المؤمن قد يشكل عليه أمر أو أمور، فيعالج ذلك بسؤال أهل العلم، كما قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43 .

وكما سأل الصحابة نبيهم صلى الله عليه وسلم لما أشكل عليهم شيء من أمر القدر، والدجال، وغير ذلك، وكان سؤالهم عن العمل، ماذا يعملون إذا كانت الأمور مقدرة، وماذا يعملون في زمن الدجال إذا كان يوم فيه بسنة، وهذا شأن العاقل، ينصب اهتمامه على العمل الذي هو سبب نجاته ودخوله الجنة.

روى أحمد (311) ، وأبو داود (4703) ، والترمذي (3075) : ” أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) الْآيَةَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ ) فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ) ” .

والحديث قال عنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: صحيح لغيره.

وقضية أن الإنسان مخير أو مسيّر، قد بينها العلماء، وبيناها في أجوبة عدة، وذكرنا أن الإنسان مخير من جهة، ومسير من جهة، مخيّر من جهة أنه يفعل بإرادته وقدرته ، ولا يشعر أن أحدا يجبره على فعل شيء، ومسير من جهة أنه مهما عمل فإن الله قد علم وكتب ما سيعمله.

وإذا كان مدار النجاة على العمل، والإنسان يفعله باختياره، والمكتوب في القدر السابق غير معلوم له، فما عليه إلا أن يجتهد، ويسأل ربه أن يكون من أهل السعادة الذين يوفقون لعمل لأهل السعادة.

ولا عجب في أن يكون الرب الخالق عالما بما سيفعله المخلوق، فهذا مقتضى كونه ربا خالقا عالما، وهو سبحانه غني عن خلقه، لا يظلمهم، بل هو أرحم بهم من أنفسهم، فكيف يوسوس العبد في هذا ، ويظن بربه ظن السوء؟!

فليطمئن قلبك، ولتهدأ نفسك، ولتتأملي في رحمة الله وكرمه وعطاءاته لعباده، لتحبي الله، وتشتاقي للقائه، وليكون همك كيف تصلين إلى الدرجات العلا من الجنة، لا مجرد إزاحة الشبهات وإثبات صحة الدين!

روى مسلم (489) عن رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ، قَالَ: ” كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: (سَلْ) فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ) قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: (فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) “.

وروى مسلم (488) عن مَعْدَان بْن أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيّ، قَالَ: ” لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ أَوْ قَالَ قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ ، فَسَكَتَ ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً ، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً) .

قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ لِي: مِثْلَ مَا قَالَ لِي: ثَوْبَانُ.

وانظري في مسألة القدر: جواب السؤال رقم : (20806) ، ورقم : (34898) ، ورقم : (256427) .

ثالثا:

كتاب “أذان الأنعام” كتاب مليء بالأباطيل ، والقول على الله بلا علم، وهذا من أشد المحرمات، وقد قرنه الله تعالى بالشرك، فقال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.

وقال: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الاسراء/36  .

ومن ضلاله المبين : أنه لا يجعل آدم عليه السلام شخصا، وإنما هو تجمع بشري مكون من 32 نسمة!

وهذا خلاف صريح القرآن : أن الله خلق (آدم) وأسجد له ملائكته، وخلق منه حواء، وأهبطهما إلى الأرض .

وخلاف صريح السنة المقررة لذلك، وأن الناس يأتون آدم يوم القيامة فيقولون: (يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الجَنَّةَ، أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ) رواه البخاري (3340) ، ومسلم (194).

بل هو خلاف المعلوم من دين الإسلام بالضرورة !!

ويزعم الكتاب أن حساب عدد الأشخاص الذين هم آدم : جاء باقتراح شخصي منه، وذلك من خلال أن الأنعام التي نزلت ثمانية أزاوج، اثنين من الإبل واثنين من الضأن واثنين من البقر واثنين من الماعز.

وبما أن الإبل تكفي لسبعة في الهدي أثناء الحج، والبقر يكفي لسبعة، والماعز واحد والضأن –الخراف- واحد، إذن يكون المجموع 32 وبالتالي عدد آدم كان 32 .

وهذا كلام تافه ، لا يستحق الرد أصلا !!

ويزعم الكتاب أن معصية آدم عليه السلام ليست الأكل من الشجرة ، كما هو صريح القرآن، وإنما المعصية التي وقعت من (ال32 نفسا) هي الجماع!

وأن توبة آدم لم تكن بكلمات تلقاها من ربه كما هو صريح القرآن، وإنما بتقطيع الأحجار–كما يحدث مع المساجين الآن ، مع أن قطعهم للحجارة هي وظيفة ، وليست عملا دون جدوى – وهذه الأحجار تم رصها على شكل جبلين صغيرين هما الصفا والمروة.

وهذا الكلام لا علاقة له بأي علم، بل هو هلاوس وخيالات لا تليق أن توضع في كتاب.

وبالجملة فالكتاب مليء بالأخطاء الشرعية، والعلمية.

وينظر في رد ضلالاته:

https://goo.gl/L9uaQQ

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (126913) .   

رابعا:

النصيحة لك أختنا الكريمة ، ولصديقتك : أن تُعرضا عن النظر في الشبهات، وأن تحصنا أنفسكما بالعلم الصحيح، وأن تعلما أن النظر في كتب الضلال محرم، كما بينا في جواب السؤال رقم : (92781).

وأما كتب العقيدة الصحيحة، فكثيرة ولله الحمد، وقد ذكرنا شيئا منها في جواب السؤال رقم : (14082) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android