هل هاروت وماروت، المذكورين في القرآن (2: 102)، رجالٌ أو هم ملائكة. أنا أفهم أن هناك بعض المفسرين الذين يقولون إنهم رجال، وأن الكلمة التي تصفهم، التي معظمهم يقرأها مَلَكَين، هي في الواقع مَلِكَين استناداً إلى قراءة عبد الله بن عباس. هل هذا صحيحٌ أم لا. هل هناك أدلةٌ تثبت هذا الادعاء؟
تحقيق القول في شأن هاروت وماروت
السؤال: 285870
ملخص الجواب
الصحيح أن (ما) في قوله تعالى : {وَمَا أُنْزِلَ} : موصولة ، وأنها في موضع العطف على (السحر) ، من باب عطف الخاصِّ على العامِّ . أو أنها معطوفة على (ما) الأولى في قوله : {مَا تَتْلُو} . والصحيح أيضا : أن {هَارُوتَ وَمَارُوتَ} مَلكَان ، أذن الله تبارك وتعالى لهما في تعليم السحر ، فتنة وابتلاء لعباده ؛ وأنهما لم يكونا يعلمان أحدا ، ولا يدخلانه تلك الفتنة ، حتى ينصحاه ، ويبينا له خطر ما هو مقدم عليه ، وينهياه عن الكفر بالله ، والعمل بمعصيته ؛ كما قال تعالى : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ }.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا:
أما قوله تعالى: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ [البقرة: 102].
فإن القراءة الصحيحة للآية الكريمة أن يكون (المَلَكين) من الملائكة، بفتح الميم واللام والكاف، وتسكين الياء .
والصحيح أن هاروت وماروت كانا ملكين من ملائكة السماء أنزلهما الله عز وجل إلى الأرض فتنة للناس وامتحانًا ، وأنهما كانا يعلمان الناس السحر بأمر الله عز وجل لهما .
وقد رجح الطبري، (2/ 337)، كونهما من الملائكة، وبين أدلة ذلك .
ومن أدلته، أن قوله تعالى: هاروت وماروت، إما أن يكونا بدلًا من الملكين، أو بدلًا من الناس:
1- وقد نفى الله عن سليمان أن يكون السحر من عمله، أو من علمه أو تعليمه.
وقال بعدها: وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر [البقرة: 102]، فبان من هذا أن المخبَر عنهما غير سليمان وداود عليهما السلام ، كما ادعاه قوم، وذكروا أن "ما" بمعنى النفي .
2- ولا يصح أن يكون هاروت وماروت من الناس، لأن الله يقول: ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر [البقرة: 102]، لأنه لو كانا من الناس لكان مفهوم الآية أن هاروت وماروت تعلما السحر من الشياطين، وعليه، فإن الاحتمالات كالتالي:
أ- أن يكونا رجلين من الناس، وهذا خطأٌ لأنه يقتضي ذهاب السحر بذهابهما، وفي وجود السحر في كل زمان ووقت أبين الدلالة على فساد هذا القول.
ولا يصح القول بأنهما لم يعدما من الأرض منذ خلقت، لما في هذا القول من الفساد، والبطلان الحسي والمعنوي .
ب- ولا يجوز أن يقول قائل إنهما من الملائكة وأنهما تعلما السحر من الشياطين .
وفي خبر الله عز وجل عنهما أنهما لا يعلمان أحدًا ما يتعلم منهما حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر [البقرة: 102] ما يغني عن الإكثار في الدلالة على خطأ هذا القول .
فبقي احتمال واحدٌ، وهو أنهما من الملائكة، وأن الله أنزلهما فتنة للعباد واختبارًا، فأما المؤمن فيبتعد عنه، وأما الكافر فيقبل عليه .
قال الطبري: " فإن التبس على ذي غباء ما قلنا، فقال: وكيف يجوز لملائكة الله أن تعلم الناس التفريق بين المرء وزوجه؟ أم كيف يجوز أن يضاف إلى الله تبارك وتعالى إنزال ذلك على الملائكة؟
قيل له: إن الله جل ثناؤه عرف عباده جميع ما أمرهم به ، وجميع ما نهاهم عنه، ثم أمرهم ونهاهم ، بعد العلم منهم بما يؤمرون به وينهون عنه. ولو كان الأمر على غير ذلك، لما كان للأمر والنهي معنى مفهوم .
فالسحر مما قد نهى عباده من بني آدم عنه، فغير منكر أن يكون جل ثناؤه علمه الملكين اللذين سماهما في تنزيله ، وجعلهما فتنة لعباده من بني آدم ، كما أخبر عنهما أنهما يقولان لمن يتعلم ذلك منهما: إنما نحن فتنة فلا تكفر [البقرة: 102] ، ليختبر بهما عباده الذين نهاهم عن التفريق بين المرء وزوجه ، وعن السحر، فيمحص المؤمن بتركه التعلم منهما، ويخزي الكافر بتعلمه السحر والكفر منهما .
ويكون الملكان ، في تعليمهما مَنْ عَلَّما ذلك ، لله مطيعَيْن ؛ إذ كانا عن إذن الله لهما ، بتعليم ذلك من علماه ، يُعَلِّمان.
وقد عُبد من دون الله جماعة من أولياء الله، فلم يكن ذلك لهم ضائرا ، إذ لم يكن ذلك بأمرهم إياهم به، بل عبد بعضهم والمعبود عنه ناه .
فكذلك الملكان ؛ غير ضائرهما سحر من سحر ، ممن تعلم ذلك منهما ، بعد نهيهما إياه عنه ، وعظتهما له بقولهما: إنما نحن فتنة فلا تكفر [البقرة: 102] إذ كانا قد أديا ما أمر به بقيلهما ذلك ".
ثانيًا:
وأما القراءة المذكورة ( الملِكَين ) : فإنها قراءة شاذة، ليست في شيء من القراءات المتواترة الثابتة.
وقد قرأ بها – فيما ذكر – : الضحاك بن مزاحم: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ، أي: داود وسليمان – عليهما السلام – .
وأما القراءة المتواترة الثابتة ، فهي قوله تعالى: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ [البقرة: 102] ، بفتح اللام ، على صيغة التثنية للمَلَك من الملائكة ، كما هو المثبت في المصاحف .
وينظر : المحتسب: (1/ 101)، والمحرر الوجيز لابن عطية : (1/ 186).
وينظر أيضا للفائدة : بحثا موسعا حول الآية ، في : آثار الشيخ المعلمي اليماني: (2/ 369 – 382).
والحاصل :
أن الصحيح أن (ما) في قوله تعالى : وَمَا أُنْزِلَ : موصولة ، وأنها في موضع العطف على (السحر) ، من باب عطف الخاصِّ على العامِّ .
أو أنها معطوفة على (ما) الأولى في قوله : مَا تَتْلُو .
والصحيح أيضا : أن هَارُوتَ وَمَارُوتَ مَلكَان ، أذن الله تبارك وتعالى لهما في تعليم السحر ، فتنة وابتلاء لعباده ؛ وأنهما لم يكونا يعلمان أحدا ، ولا يدخلانه تلك الفتنة ، حتى ينصحاه ، ويبينا له خطر ما هو مقدم عليه ، وينهياه عن الكفر بالله ، والعمل بمعصيته ؛ كما قال تعالى : وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب