تنزيل
0 / 0

حول صحة حديث ” يؤتى بشارب الخمر يوم القيامة مسودا وجهه …”

السؤال: 285886

روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( أنه يؤتي بشارب الخمر يوم القيامة مسوداً وجهه ، مزرقة عيناه ، متدلياً لسانه علي صدره ، يسيل بساقه مثل الدم ، يعرفه الناس يوم القيامة ، فلا تسلموا عليه ، ولا تعودوه إذا مرض ، ولا تصلوا عليه إذا مات ، فإنه عند الله سبحانه وتعالي كعابد الوثن) فما صحة هذا الحديث ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

هذا الحديث لا يصح ، وقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من خمسة طرق :

الطريق الأول :

أخرجه ابن عدي في “الكامل”(2/502) ، ومن طريقه ابن الجوزي في “الموضوعات” (3/42) ، من طريق مُحَمد بْن يَزِيدَ السَّلَمِيّ ، قال حَدَّثَنا أبو مطيع ، قال حَدَّثَنا أَبُو الأشهب جَعْفَر بْن الحارث ، عَن ليث ، عَن سَعِيد بْن جبير ، عنِ ابْن عُمَر ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 🙁 لا تجالسوا شربة الخمر ، ولاَ تعودوا مرضاهم ، ولاَ تشهدوا جنائزهم ، فإن شارب الخمر يجيء يوم القيامة مسودا وجهه ، مدلعا لسانه عَلَى صدره ، يسيل لعابه عَلَى بطنه ، يقذره كل من رآه ) .

وهذا الطريق فيه أكثر من علة ، إلا أن آفته أبو مطيع البلخي الحكم بن عبد الله ، فإنه متهم بالوضع ، اتهمه ابن حبان في “المجروحين” (2/103) ، والجوزقاني في “الأباطيل والمناكير” (1/147) ، والذهبي في “ميزان الاعتدال” (3/42) .

وقد حكم عليه بالوضع ابن الجوزي في “الموضوعات” (3/42) ، والسيوطي في “اللآلئ المصنوعة” (2/174) .

الطريق الثاني :

أخرجه أبو علي الحداد في “معجمه” ، ونقله عنه بإسناده السيوطي في “اللآلئ المصنوعة” (2/174) ، من طريق أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن سهل بْن بَحر البقالي ، قال حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن تَمِيم ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن يَزِيد ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْأَشْعَث ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْل بْن عِياض ، عَنْ لَيْث ، عَن مُجَاهِد ، عَن ابْن عُمَرَ مَرْفُوعًا به .

وإسناده موضوع أيضا .

فيه : إبراهيم بن الأشعث خادم الفضيل ، قال ابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” (2/88) :” سألت أبي عن إبراهيم بن الأشعث ، وذكرت له حديثا رواه عن معن عن ابن أخي الزهري عن الزهري ؟

فقال : هذا حديث باطل موضوع ، كنا نظن بإبراهيم بن الأشعث الخير فقد جاء بمثل هذا “. انتهى .

وقال الدارقطني :” يحدث عَن الثِّقَات بِمَا لَا أصل لَهُ ” انتهى من “تعليقات الدارقطني على المجروحين” (ص95) .

الطريق الثالث :

أخرجه الديلمي في “مسند الفردوس” ، ونقله عنه بإسناده السيوطي في “اللآلئ المصنوعة” (2/174) ، من طريق عَبْد الْملك بْن عَبْد الْغفار ، قال حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُور عَبْد اللَّه بْن عِيسَى بْن إِبْرَاهِيم  ، قال حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الْفَضْل الكِنْديّ ، قال حَدَّثَنَا بدر بْن الْهَيْثَم القَاضِي ، قال حَدَّثَنَا أَبُو كريب ، عَنْ هِلَال بْن مِقْلَاص ، عَنْ لَيْث بْن أبي سُلَيْم ، عَن عُبَيْد الله بْن عُمَر ، عَن ابْن عُمَرَ مَرْفُوعا بِهِ .

وإسناده ضعيف ، فيه ” ليث بن أبي سليم ” ، وهو ضعيف مضطرب الحديث ، ضعفه النسائي في “الضعفاء والمتروكين” (511) ، وقال أحمد بن حنبل :” مضطرب الحديث ولكن حدث الناس عنه ” ، وقال ابن معين :” ليس حديثه بذاك، ضعيف ” ، وقال أبو زرعة وأبو حاتم :” لا يشتغل به هو مضطرب الحديث ” انتهى من “الجرح والتعديل” (7/178) .

الطريق الرايع :

أخرجه الشيرازي في “الألقاب” ، ونقله عنه بإسناده السيوطي في “اللآلئ المصنوعة” (2/174) ، من طريق مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الطَّبَرَانِيّ ، قال أَنْبَأَنَا أَبُو حَاتِم بْن عَبْد اللَّه بْن حَاتِم الجباري بِمصْر ، قال حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بْن زَيْد بْن عَبْد اللَّه الْأَزْدِيّ أَبُو الْقَاسِم ، يُعرف بِابْن المدور ، قال حَدَّثَنَا حبيب بْن زُرَيْق ، قال حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيّ ، عَن نَافِع ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَن رَسُول الله قَالَ:( منْ مَاتَ وَهُوَ مدمن خمر لَقِي اللَّه وَهُوَ مسود الْوَجْه ، مظلم الْجوف ، لِسَانه سَاقِط عَلَى صَدره ، يقذره النّاس ) .

وإسناده موضوع ، وآفته ” حبيب بن زريق” ، كذاب ، قال فيه أحمد بن حنبل :” ليس بثقة ” ، وقال ابن معين :” كذاب ”  انتهى من “الضعفاء الكبير” للعقيلي (1/265) .

الطريق الخامس

أخرجه الواحدي في “الوسيط” (311) ، من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَافِعٍ ، قال حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ السامي ، قال حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( لا تُجَالِسُوا شَرَبَةَ الْخَمْرِ ، وَلا تُشَيِّعُوا جَنَائِزَهُمْ ، وَلا تُزَوِّجُوهُمْ وَلا تَتَزَوَّجُوا إِلَيْهِمْ ، فَإِنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُسْوَدًّا وَجْهُهُ مُزْرَقَّةً عَيْنَاهُ ، يُدْلِعُ لِسَانَهُ عَلَى صَدْرِهِ ، يَسِيلُ لُعَابُهُ عَلَى بَطْنِهِ، يَقْذُرُهُ مَنْ يَرَاهُ ).

وإسناده تالف واه ، فيه :” علي بن الحسن السامي ” ، قال ابن حبان في “المجروحين” (2/114): ” لَا يحل كِتَابَة حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب ” انتهى ، وقال ابن عدي في “الكامل” (6/361) في أحاديثه :” كلها بواطيل ليس لها أصل ، وَهو ضعيف جدا ” انتهى .

وقد روي نحوه عن عمرو بن العاص أو عن عبيد الله بن عبد الله بن عمرو بن العاص من قوله:

أخرجه عبد الرزاق في “مصنفه” (17074) من طريق ابْنِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:( يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ شَارِبُ الْخَمْرِ مُسْوَدًا وَجْهُهُ ، مُزْرَقَةٌ عَيْنَاهُ ، مَائِلٌ شِقُّهُ ) ، أَوْ قَالَ:( شِدْقُهُ مُدْلِيًا ، لِسَانُهُ يَسِيلُ لُعَابُهُ عَلَى صَدْرِهِ ، يَقْذُرُهُ كُلُّ مَنْ يَرَاهُ ) .

هكذا جاء في المطبوع من مصنف عبد الرزاق ، جعله من قول “عبيد الله” . لكن عزاه السيوطي في “الدر المنثور” (3/283) إلى عبد الرزاق ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، الصحابي ، رضي الله عنه .

وهو لا يصح على الوجهين ، وعلته ليث بن أبي سليم ، وهو ضعيف مضطرب الحديث كما قدمنا آنفا .

ثانيا :

وأما عن السلام على شارب الخمر وعيادته ، فقد جاء فيه أثر عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، إلا أنه ضعيف لا يصح عنه .

أخرجه البخاري في “الأدب المفرد” (529) من طريق عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:( لَا تَعُودُوا شُرَّابَ الْخَمْرِ إِذَا مَرِضُوا ) .

وأخرجه أيضا في “الأدب المفرد” (1017) بنفس الإسناد :” بلفظ 🙁 لَا تُسَلِّمُوا عَلَى شُرَّابِ الْخَمْرِ ).

وإسناده ضعيف ، فيه عبيد الله بن زحر ، قال علي بن المديني ” منكر الحديث ” ، وقال ابن معين :” ليس بشيء ” . انتهى من “الجرح والتعديل” (5/315) ، وقال ابن حبان في “المجروحين” (2/62) :” مُنكر الحَدِيث جدا يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات ” انتهى ، وضعفه الشيخ الألباني في “ضعيف الأدب المفرد” (78) ، (158) .

على أنه يشرع هجر شارب الخمر ، لحق الله ؛ متى كان في هجره مصلحة شرعية ، كأن ينزجر عن معصيته ، ويتوب عنها ، أو يكون في ذلك تحذير لغيره أن يغتر به ، أو يتعابعه على فعلته ، لا سيما من كان مجاهرا بذلك ، مستخفا به .

وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم : (239089) ، ورقم (224640) .

ثالثا :

وأما الجملة الأخيرة من الحديث الذي أورده السائل الكريم وهي قوله :” إذا مات فإنه عند الله سبحانه وتعالي كعابد الوثن ” : فهي أشهر جمل هذا الكلام المنقول ، وأثبتها في الرواية .

أخرجه أحمد في “المسند” (2453) ، وابن حبان في “صحيحه” (5347) ، من طريق ابن عباس به .

وأخرجه ابن ماجه في “سننه” (3375) ، من طريق أبي هريرة بنحوه .

وأخرجه البزار في “مسنده” (2380) ، من طريق عبد الله بن عمرو بنحوه .

وقد جاءت هذه الجملة من عدة طرق ، وإن كانت عامة هذه الطرق: لا تخلو من علة وضعف .

ينظر : “التفسير من سنن سعيد بن منصور” رقم (818) ، وحاشية المحقق .

لكن ذهب الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (677) إلى أن : ” الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح “. انتهى .

وينظر : “المطالب العالية” ، لابن حجر (8/621-623) ، وحاشية المحقق .

وينظر ما جاء في عقوبة شارب الخمر : جواب السؤال رقم : (20037) .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android