ما صحة حديث اذهبوا فأنتم الطلقاء؟
حديث : ( اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ ).
السؤال: 290672
ملخص الجواب
حديث : ( اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ )، ضعيف بهذا اللفظ ، ولكن تسمية من أطلقهم النبي صلى الله عليه وسلم وخلى عنهم يوم الفتح بالطلقاء: ثابت في السنة .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
هذا الحديث بهذا اللفظ ليس له إسناد ثابت ، فقد رواه ابن إسحاق ، كما في “سيرة ابن هشام” (2/ 412) : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ … إلى أن قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ .
وهذا مرسل أو معضل، مع جهالة المرسِل .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في “الأم” (7/ 382)
” قَالَ أَبُو يُوسُفَ – رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَفَا عَنْ مَكَّةَ وَأَهْلِهَا وَقَالَ: (مَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ) .
وَنَهَى عَنْ الْقَتْلِ ، إلَّا نَفَرًا قَدْ سَمَّاهُمْ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ أَحَدًا فَيَقْتُلَ، وَقَالَ لَهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ : (مَا تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟) قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: (اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ).
وهذا معضل أيضا .
وضعفه الشيخ الألباني في “الضعيفة” (1163)
ثانيا :
روى الأزرقي في “أخبار مكة” (2/ 121) من طريق مُسْلِم بْن خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ الْبَيْتَ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ، وَقَدْ لُبِطَ بِالنَّاسِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَأَخَذَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، مَاذَا تَقُولُونَ وَمَاذَا تَظُنُّونَ ؟ قَالُوا: نَقُولُ خَيْرًا وَنَظُنُّ خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، وَقَدْ قَدَرْتَ فَأَسْجِحْ قَالَ: فَإِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .
وهذا إسناد ضعيف ، مسلم بن خالد صدوق كثير الأوهام ، كما في “التقريب” (ص 529)، ثم هو مرسل .
ولكن له شاهد يرويه ابن السني في “عمل اليوم والليلة” (318) – أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا يَقُولُ فِيَّ قُرَيْشٌ ؟ فَيَقُولُونَ: ابْنٌ، وَابْنُ أَخٍ. قَالَ: أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
وهذا إسناد ضعيف ، عبد الله بن المؤمل ضعيف الحديث ، انظر: “التهذيب” (6/ 46)
وقال أبو الشيخ في “أخلاق النبي” (80): أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، نَا حُسَيْنُ بْنُ حَسَنِ بْنِ حَرْبٍ، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُهْرِيِّ، عَنْ بَعْضِ آلِ ابْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ ابْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ، أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ ابْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَقُلْتُ: قَدْ أَمْكَنَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ بِمَا صَنَعُوا، حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ: قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَانْفَضَحْتُ حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، إلا شيخ الزهري فإنه مجهول .
فلعل هذا القدر من الحديث بهذه الطرق يزداد قوة .
ثالثا :
تسمية الذين خلى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح : ” الطلقاء ” ، ثابت في السنة .
فروى البخاري (4333) ، ومسلم (1059)، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ” لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ، التَقَى هَوَازِنُ وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةُ آلاَفٍ، وَالطُّلَقَاءُ، فَأَدْبَرُوا، قَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ . قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ لَبَّيْكَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ . فَانْهَزَمَ المُشْرِكُونَ، فَأَعْطَى الطُّلَقَاءَ وَالمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا … ” الحديث.
وروى الإمام أحمد (19215) عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ أَوْلِيَاءُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَالطُّلَقَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالْعُتَقَاءُ مِنْ ثَقِيفٍ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وصححه محققو المسند.
قال في “النهاية” (3/ 136):
” الطلقاءُ: همُ الَّذين خَلَّى عَنْهُمْ يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ ، وأَطْلَقَهُم ، فَلَمْ يَسْتَرِقَّهم .
واحدُهم: طَلِيق، فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعول ، وَهُوَ الْأَسِيرُ إِذَا أُطْلِقَ سَبيله .
ومنه الحديث : (الطُّلَقَاء من قُرَيش) ” انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر في “الفتح” (8/ 48):
” الطُّلَقَاءِ: جَمْعُ طَلِيقٍ: مَنْ حَصَلَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنُّ عَلَيْهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعُهُمْ ” انتهى .
وينظر للفائدة : ” ما شاع و لم يثبت من أحاديث السيرة ” (190-191) .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب