بخصوص جواب قوم لوط عليه السلام حينما وبخهم على جرمهم بإتيانهم الرجال ، وارتكابهم الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين ، وذلك في الآيتين الكريمتين: وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ الأعراف/82 . والثانية: أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ العنكبوت/29 . والظاهر أن بينهما تعارض حيث نجد أن الآيتين يتكلمان عن نفس الموقف ، وفي الحقيقة هذا الأمر استشكل علي ، وأتمنى منكم الإجابة .
اختلاف جواب قوم لوط
السؤال: 290980
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذان القولان من قوم لوط ، في جواب دعوة لوط عليه السلام لهم بترك ما هم عليها من الفواحش والمخازي ، والتوبة والإنابة إلى الله جل جلاله ؛ إنما صدر منهم في مقامات مختلفة .
فلما دعاهم ، وخوفهم عاقبة ما هم عليه من الكفر والفواحش ، كذبوه ، واستهزؤوا بما جاءهم به من النذارة والتخويف ، فطلبوا منه ، على وجه العناد والاستهزاء : أن يعجل لهم ذلك العذاب الموعود .
قال الخطيب الشربيني رحمه الله :
” فما كان جواب قومه ، أي: الذين فيهم قوّة ونجدة ، بحيث يخشى شرّهم ، ويتقى أذاهم ، لما أنكر عليهم ما أنكر .
إلا أن قالوا ، عناداً وجهلاً واستهزاءً : ائتنا بعذاب الله . وعبروا بالاسم الأعظم زيادة في الجراءة .
إن كنت من الصادقين أي: في استقباح ذلك ، وأنّ العذاب نازل بفاعليه …
فإن قيل: إنّ الله تعالى قال في موضع آخر : فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم (النمل، 56) ، وقال هنا: فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله ؛ فكيف الجمع؟
أجيب: بأنّ لوطاً كان ثابتاً على الإرشاد ، مكرّراً على النهي والوعيد ؛ فقالوا أولاً: ائتنا . ثم لما كثر ذلك منه ، ولم يسكت عنهم ، قالوا: ( أخرجوا ) …” انتهى من “السراج المنير” (3/136).
وقد قرر ذلك قبله ، أيضا ، فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير :
” فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي مَوْضِعٍ أَخَرَ : ( فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ) [النمل: 56] ، وقال هاهنا : ( فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا ) ؛ فَكَيْفَ الْجَمْعُ؟
فَنَقُولُ : لُوطٌ كَانَ ثَابِتًا عَلَى الْإِرْشَادِ ، مُكَرِّرًا عَلَيْهِمُ التَّغْيِيرَ ، وَالنَّهْيَ وَالْوَعِيدَ .
فَقَالُوا أَوَّلًا : ( ائْتِنَا ) ، ثُمَّ لَمَّا كَثُرَ مِنْهُ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَسْكُتْ عَنْهُمْ : ( قَالُوا أَخْرِجُوا ) ” .
انتهى من “تفسير الرازي” (25/50) .
وينظر : “ملاك التأويل” للغرناطي (1/209) ، “وتفسير الآلوسي”(10/ 358) .
وسبق إلى قريب من ذلك أيضا : الخطيب الإسكافي ، فإنه قرر أن اختلاف جوابهم ، إنما كان باختلاف المواقف التي وقعت نذارة نبي الله لوط لهم ، فجاءت حكاية النص القرآني لأجوبتهم المختلفة. ثم إنه زاد وجها آخر في جوابه ، قال :
” وأما المسألة السادسة : فعن اختلاف المحكيات، إذ كان في سورتي الأعراف والنمل: ( وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم ) ، و( أخرجوا آل لوط ) ، وقال في سورة العنكبوت: (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) ؟
والجواب عن ذلك :
أن هؤلاء لما كرر عليهم لوط عليه السلام الإنكار ، وأعاد عليهم الإعذار والإنذار، قال في موقفٍ ما حكاه الله تعالى عنه ؛ فكان جوابهم له في ذلك الموقف ما ذكره الله تعالى.
والجواب الثاني [وهو قول قوم لوط : (ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين)] ، وإن خالف الجواب الأول ، فهو من جهتهم، وإذا خالفوا بين الأجوبة تناولت الحكاية مختلفها .
على أنه : لو كان كل ذلك في موقف واحد ، لكان جائزا أن يكون جوابُ طائفةٍ منهم ما ذُكر أولا، وجوابُ طائفة أخرى ما ذكر ثانيا، وكل من الطائفتين قومه.
فإذا قيل: (وما كان جواب قومه) ، أي : بعض قومه ؛ فإذا كان قاله بعض ، ورضي به الآخرون ؛ فكلهم قائلون أو في حكم القائلين .
فلا يقدح ما جاء من اختلاف أجوبتهم في الآيات التي نزلت في هذه القصة ، على ما يظنه المعترض .
وإنما يتعلق بمثله ، من جهل للأنبياء عليهم السلام مواقفها، ولم يعرف اللغات ومصارفها .
وهذا كثير في قصة موسى عليه السلام مع فرعون ، وحكايتها في هذه السورة وغيرها..” . انتهى من “درة التنزيل” (639-640) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب