0 / 0
149,27130/07/2018

حول حديث ” لا يدخل الجنة نمام” ، وهل للنمام توبة ؟

السؤال: 291186

هل يغفر الله لمن وقع في ذنب النميمة إذا تاب ؟ وهل يوجد تعارض بين ذلك وبين قول الرسول صلي الله عليه وسلم :  لا يدخل الجنة نمام  ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

النميمة نقل الكلام ونحوه على وجه الإفساد .

قال النووي في “شرح صحيح مسلم” (16/159) :” هِيَ نَقْلُ كَلَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ ، عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ ” انتهى .

ومما لا شك فيه أن النميمة من كبائر الذنوب ، وفاعلها من شرار الناس .

وقد جاء في التحذير منها أحاديث كثيرة صحيحة ، منها ما يلي :

ما رواه البخاري في “صحيحه” (216) ،  مسلم في “صحيحه” (292) ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ” مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ ، أَوْ مَكَّةَ ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ: بَلَى ، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ .

ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ ، فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا .

وقد بوب البخاري على هذا الحديث فقال :” النَّمِيمَةُ مِنَ الكَبَائِرِ “.

ومنها ما رواه الإمام أحمد في “مسنده” (27599) ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ تَعَالَى.

ثُمَّ قَالَ:   أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ  .

والحديث حسنه الشيخ الألباني في “صحيح الأدب المفرد” (246) .

ومن أشد هذه الأحاديث ما ذكره السائل الكريم ، وهو ما رواه البخاري في “صحيحه” (6056) ، ومسلم في “صحيحه” (105) ، من حديث حذيفة رضي الله عنه ، قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ  .

وعند مسلم بلفظ : لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ   .

وهذا الحديث لا يتعارض مع ما عليه أهل السنة والجماعة أن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا ، إذا تاب منها العبد وأناب .

فإن العبد المسلم إذا أذنب ، ثم تاب إلى الله : تاب الله عليه ، وغفر له .

قال الله تعالى :   وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ   الأعراف/153.

حتى كبائر الذنوب ، بل والشرك بالله ، إذا تاب منه العبد ، وصحت توبته بتركه ما عليه من الشرك أو من هذه الكبيرة ، مع ندمه وعزمه ألا يعود ، فإن الله يقبل توبته ، ويغفر له ، ما دام أن هذه التوبة كانت قبل الموت .

قال الله تعالى :  قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ   الزمر/53-54 .

وقال تعالى :  وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا  الفرقان/68- 71.

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:  “أَرَأَيْتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلَا دَاجَةً إِلَّا أَتَاهَا ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ ، قَالَ: نَعَمْ , تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ ، وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ , قَالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى ” .

أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير” (7/314) ، وصححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (3391) .

والنميمة مع عظم جُرمها ، إلا أن العبد إذا تاب منها ، تاب الله عليه .

وأما معنى الحديث الذي أورده السائل :( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ ) :

فليس هذا في حق من تاب منها ، وأناب إلى رب العالمين ؛ بل الوعيد في الحديث في حق من مات ولم يتب من النميمة ؛ فإن هذا هو الذي يقال فيه “نمام” ، وهو الذي يتناوله الوعيد الوارد في الحديث ، كما هو حال أهل الكبائر ، وعصاة الموحدين .

وقد قيل في معنى الحديث ، أيضا : إن المراد أنه لا يدخل الجنة ابتداء ، بل قد يعذبه الله على ما فعل ثم يكون مآله الجنة إن كان من أهل التوحيد .

ومن أهل العلم من حمل الحديث على من فعل النميمة مستحلا لها .

قال ابن الجوزي في “كشف المشكل” (1/323) :” فَكَأَن المُرَاد: لَا يدْخل الْجنَّة ابْتِدَاء وَإِنَّمَا يدْخل النَّار ، وعَلى هَذَا تَفْسِير قَوْله: ” لَا يدْخل الْجنَّة قَتَّات ” . انتهى

وقال النووي في “شرح صحيح مسلم” (2/113) :” وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يدخل الْجَنَّةَ نَمَّامٌ ) : فَفِيهِ التَّأْوِيلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي نَظَائِرِهِ : أَحَدُهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ ، وَالثَّانِي لَا يَدْخُلُهَا دُخُولَ الْفَائِزِينَ ” انتهى .

ومن السلف والأئمة : من كان يترك أحاديث الوعيد كما هي ، ولا يتعرض لها بتأويل ، خشية أن تهون المعاصي في نفوس الناس ، بل يتركون أحاديث الوعيد على وجهها ، مع ما تقرر في أصول الاعتقاد من حال عصاة الموحدين ، وأنهم لا يدخلون النار على سبيل التأبيد ، ولا يحرمون من الجنة على سبيل التأبيد أيضا ؛ بل لا بد للموحد من الخروج من النار ، إن عذب بها ، ولا بد له أيضا من دخول الجنة ، وإن حرم منها ما شاء الله له .

جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” رقم (16362) :

 ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم :( لا يدخل الجنة نمام ) ؟

فكان الجواب :

 هذا الحديث من أحاديث الوعيد التي تجرى على ظاهرها ولا تؤول ، وهو يدل على تحريم النميمة ، وذم من تخلق بهذا الخلق الذميم .

ومن المعلوم أن كل ذنب دون الشرك بالله تحت مشيئة الله ، إن شاء سبحانه غفر لصاحبه لما مات عليه من التوحيد والإيمان ، وإن شاء عذبه على قدر معاصيه ، ثم مآله إلى الجنة برحمة الله تعالى ، إذا كان مات على التوحيد والإيمان بالله تعالى ، كما دلت على ذلك النصوص من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ، خلافا للخوارج والمعتزلة .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

الشيخ عبد العزيز بن باز ( الرئيس ) ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ( نائب الرئيس ) ، الشيخ عبد الله بن غديان ( عضو ) ، الشيخ صالح الفوزان (عضو) ، الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (عضو) .

انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء”.

إلا أنه يجب أن يُعلم أن للتوبة الصحيحة شروطا ، لا تصح إلا بها .

فالذنب إما أن يكون بين العبد وربه وليس لآدمي فيه حق ، أو يكون متعلقا بحق آدمي ، ومنه النميمة .

فإن كان من النوع الأول فيشترط لصحة التوبة ثلاثة شروط : الإقلاع عن الذنب لله ، والندم ، والعزم على عدم العود .

وإن كانت متعلقة بحق آدمي ، أضيف إلى ما سبق الخروج عن تلك المظلمة .

قال النووي في “الأذكار” (346) :” والتوبة من حقوق الله تعالى يشترط فيها ثلاثة أشياء : أن يقلع عن المعصية في الحال ، وأن يندم على فعلها ، وأن يعزم ألا يعود إليها ، والتوبة من حقوق الآدميين يشترط فيها هذه الثلاثة ، ورابع : وهو رد الظلامة إلى صاحبها أو طلب عفوه عنها والإبراء منها “. انتهى

وقال العراقي في “طرح التثريب” (8/238) :” وَالْأَكْثَرُونَ جَمَعُوا بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فَقَالُوا إنَّ لِلتَّوْبَةِ أَرْكَانًا : الْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ، وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى…. فَيُزَادُ فِي التَّوْبَةِ رُكْنٌ رَابِعٌ، وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ …

ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ ، إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِآدَمِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ خَامِسٍ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ تِلْكَ الْمَظْلِمَة “. انتهى .

وحتى يخرج العبد من ذنب النميمة عليه إصلاح ما أفسد إن أمكن ، مع استحلال صاحب الحق.

فقد ذكر ابن مفلح في “الآداب الشرعية” (1/80) في توبة المغتاب والنمام :” وَأَنْ يَسْتَحِلَّ مِنْ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَنَحْوِهِمَا “. انتهى .

فإن كان يترتب على استحلاله من صاحب الحق مفسدة، لم يستحله ، واستغفر لصاحب الحق .

قال السفاريني في “شرح منظومة الآداب” (1/88) :” فَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُمَا ( أي من الغيبة والنميمة ) وَاسْتِحْلالُ مَنْ اغْتَابَهُ أَوْ بَهَتَهُ أَوْ جَبَهَهُ بِأَنْ وَاجَهَهُ بِمَا يَكْرَهُ ، أَوْ نَمَّ عَلَيْهِ ، مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ فِتْنَةٌ ، فَيَتُوبُ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ “. انتهى

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (6308) ، ورقم : (218351) ، ورقم : (258708) .

ومما سبق يتبين أن رحمة الله واسعة ، لا يمنعها عمن ندم وتاب وأناب وأصلح ، فهو سبحانه الغفور التواب الرحيم.

والله أعلم .

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android