ما الفرق بين شهادة لا إله إلا الله الركن الأول من الإسلام، والإيمان بالله الركن الأول من الإيمان ؟
الفرق بين الإيمان بالله وبين شهادة أن لا إله إلا الله المذكوران في حديث جبريل
السؤال: 291204
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الإيمان بالله تعالى أحد أركان الإيمان ، وأهمها.
قال الله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ البقرة/285
وفي حديث جبريل: “قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، قَالَ: صَدَقْتَ” رواه مسلم (8).
وفي هذا الحديث ذكر الإسلام أيضا، وجعل شهادة التوحيد أحد أركانه: “وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ، قَالَ: صَدَقْتَ”.
فالإيمان إذا قرن بالإسلام ، كان الإيمان مختصا بالباطن، وكان الإسلام مختصا بالظاهر، فيكون المراد بالإيمان بالله : الاعتقاد القلبي الجازم بأن الله واحد لا شريك له في ألوهيته ولا ربوبيته ولا أسمائه وصفاته .
ويكون المراد من الشهادة التي هي ركن الإسلام: النطق والتصريح بذلك.
والظاهر والباطن متلازمان، فلا يصح إيمانٌ باطنٌ بلا ظاهر يدل عليه، ولا يصح إيمان ظاهر بلا باطن يعتمد عليه.
وإذا انفرد ذكر “الإيمان بالله” فلم يقرن بالإسلام: شمل الظاهر والباطن ، وكان المراد منه: الاعتقاد بالباطن ، والشهادة الظاهرة : بأن الله واحد لا شريك له.فيجتمع الظاهر والباطن حينئذ، كما في حديث وفد عبد القيس وقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم:
آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ:
آمُرُكُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ؟
شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَتُعْطُوا مِنَ المَغْنَمِ الخُمُسَ.
وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ …
رواه البخاري (4368) ، ومسلم (17).
فجعل الشهادة من الإيمان؛ لأن الإيمان هنا ذكر مفردا غير مقرون بالإسلام، فيشمل الظاهر والباطن.
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً؛ فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ رواه البخاري (9) ومسلم (35) واللفظ له، من حديث أبي هريرة.
فأدخل الشهادة في الإيمان أيضا.
قال ابن رجب رحمه الله: ” اسم الإسلام والإيمان: إذا أفرد أحدهما، دخل فيه الآخر ، ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده.
فإذا قرن بينهما، دل أحدهما على بعض ما يدل عليه بانفراده، ودل الآخر على الباقي.
وقد صرح بهذا المعنى جماعة من الأئمة. قال أبو بكر الإسماعيلي في رسالته إلى أهل الجبل: قال كثير من أهل السنة والجماعة: إن الإيمان قول وعمل، والإسلام فعل ما فُرض على الإنسان أن يفعله إذا ذكر كل اسم على حدته ، مضموما إلى آخر ، فقيل: المؤمنون والمسلمون جميعا مفردين، أريد بأحدهما معنى لم يرد بالآخر، وإذا ذكر أحد الاسمين، شمل الكل وعمهم. وقد ذكر هذا المعنى أيضا الخطابي في كتابه ” معالم السنن “، وتبعه عليه جماعة من العلماء من بعده.
ويدل على صحة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الإيمان عند ذكره مفردا في حديث وفد عبد القيس بما فسر به الإسلام المقرون بالإيمان في حديث جبريل، وفسر في حديث آخر الإسلام بما فسر به الإيمان، كما في ” مسند الإمام أحمد “، عن عمرو بن عبسة، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك، قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: ” الإيمان ” قال: وما الإيمان؟ قال: ” أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت “، قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: ” الهجرة ” قال: فما الهجرة؟ قال: ” أن تهجر السوء ” قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: ” الجهاد “.
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان أفضلَ الإسلام، وأدخل فيه الأعمال.
وبهذا التفصيل يظهر تحقيق القول في مسألة الإسلام والإيمان: هل هما واحد، أو مختلفان؟ . فإن أهل السنة والحديث مختلفون في ذلك… وبهذا التفصيل الذي ذكرناه يزول الاختلاف، فيقال:
إذا أفرد كل من الإسلام والإيمان بالذكر، فلا فرق بينهما حينئذ. وإن قرن بين الاسمين كان بينهما فرق.
والتحقيق في الفرق بينهما: أن الإيمان هو تصديق القلب، وإقراره، ومعرفته، والإسلام: هو استسلام العبد لله، وخضوعه، وانقياده له، وذلك يكون بالعمل، وهو الدين، كما سمى الله في كتابه الإسلام دينا، وفي حديث جبريل سمى النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان والإحسان دينا، وهذا أيضا مما يدل على أن أحد الاسمين إذا أفرد دخل فيه الآخر، وإنما يفرق بينهما حيث قرن أحد الاسمين بالآخر. فيكون حينئذ المراد بالإيمان: جنس تصديق القلب، وبالإسلام جنس العمل”
“اسمُ الإسلامِ والإيمانِ: إذا أُفرد أحدُهما : دخل فيه الآخر، ودلّ بانفرادِه على ما يدلُّ عليه الآخرُ بانفراده .
فإذا قُرِنَ بينَهُما : دلّ أحدُهما على بعض ما يدلُّ عليه بانفرادهِ، ودلَّ الآخر على الباقي .
وقد صرَّح بهذا المعنى جماعةٌ مِنَ الأئمّةِ.
قال أبو بكر الإسماعيليُّ في رسالته إلى أهل الجبل:
قال كثيرٌ مِنْ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة: إنّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ ، والإسلام فعل ما فُرِضَ على الإنسانِ أنْ يفعَله ؛ إذا ذكر كلُّ اسمٍ على حِدَتِه ، مضموماً إلى الآخر، فقيل: المؤمنونَ والمسلمونَ ، جميعاً، مفردين أُريدَ بأحدهما معنى لم يُرَدْ بالآخر . وإذا ذُكِرَ أحدُ الاسمين، شَمِلَ الكُلَّ، وعمَّهم.
وقد ذكر هذا المعنى أيضاً الخطابيُّ في كتابه ” معالم السنن “، وتَبِعَهُ عليه جماعةٌ من العُلَماء من بعده.
ويدلُّ على صحَّةِ ذلك أنَّ النَّبيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَسَّرَ الإيمانَ عند ذكرِه مفرداً ، في حديث وفد عبدِ القيسِ ، بما فسّر به الإسلامَ المقرونَ بالإيمانِ في حديثِ جبريلَ ، وفسَّر في حديثٍ آخرَ الإسلامَ بما فسّر به الإيمانَ .
كما في ” مسند الإمام أحمد ” عن عمرو بن عَبسة، قال: جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، ما الإسلامُ ؟ قال : أنْ تُسْلِمَ قلبَكَ للهِ، وأنْ يسلمَ المسلمونَ مِنْ لِسَانِكَ ويَدكَ ، قال: فأي الإسلام أفضلُ؟ قال: (الإيمان) . قال: وما الإيمان؟ قال: أنْ تُؤْمِنَ باللهِ، وملائكته، وكُتبهِ، ورُسلِه، والبعثِ بعدَ الموتِ . قال: فأيُّ الإيمانِ أفضلُ؟ قال: الهِجْرَةُ . قال: فما الهجرةُ؟ قال: أن تَهجُر السُّوءَ ، قال: فأيُّ الهِجْرةِ أفضلُ؟ قال: الجهاد .
فجعل النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – الإيمانَ أفضلَ الإسلامِ، وأدخلَ فيه الأعمالَ.
وبهذا التَّفصيل يظهرُ تحقيقُ القولِ في مسألةِ الإسلامِ والإيمانِ: هل هما واحدٌ، أو هما مختلفان؟
فإنَّ أهلَ السُّنَّةِ والحديثِ مختلفون في ذلك … ؛ وبهذا التَّفصيل الذي ذكرناهُ يزولُ الاختلافُ، فيُقالُ:
إذا أُفردَ كلٌّ مِنَ الإسلامِ والإيمانِ بالذِّكرِ : فلا فرقَ بينهما حينئذٍ .
وإنْ قُرِنَ بين الاسمينِ : كان بينَهما فَرق .
والتَّحقيق في الفرق بينهما: أنَّ الإيمانَ هو تصديقُ القلبِ، وإقرارُهُ، ومعرفته .
والإسلامُ: هو استسلامُ العبدِ للهِ، وخُضُوعُه، وانقيادهُ له . وذلك يكونُ بالعملِ، وهو الدِّينُ، كما سمَّى الله تعالى في كتابِه الإسلامَ ديناً ، وفي حديث جبريل سمَّى النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – الإسلامَ والإيمانَ والإحسان ديناً .
وهذا أيضاً ممّا يدلُّ على أنَّ أحدَ الاسمين إذا أُفردَ دَخلَ فيه الآخرُ، وإنّما يفرَّقُ بينهما حيثُ قُرِنَ أحدُ الاسمين بالآخر، فيكونُ حينئذٍ المرادُ بالإيمانِ: جنسَ تصديقِ القلبِ، وبالإسلامِ جنسَ العمل”. انتهى من “جامع العلوم والحكم” (1/ 106- 108).
والذي يجب علمه:
أن الإيمان قول وعمل، وأن الإيمان بالله لابد فيه من اعتقاد القلب، مع النطق باللسان – مع القدرة – ، مع تحقيق التوحيد ، بعبادة الله بالصلاة وغيرها، فمن فعل ذلك كان مؤمنا ؛ وهذا أيضا هو الإسلام الذي شرعه الله لعباده .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب