0 / 0

حول مدى صحة الأحاديث التي فيها ذكر وقوع القتل في الحج قبل خروج المهدي

السؤال: 292460

هناك بعض من الأحاديث حول سفك الدماء في منى أثناء الحج عند ظهور المهدي المنتظر، فما هي صحة تلك الأحاديث ؟ ومنها هذا الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( في ذي القعدة تجاذب القبائل وتغادر، فينهب الحاج ، فتكون ملحمة بمنى ، يكثر فيها القتلى ، ويسيل فيها الدماء ، حتى تسيل دماؤهم على عقبة الجمرة ، وحتى يهرب صاحبهم (المهدي) فيأتي بين الركن والمقام ، فيبايع وهو كاره، يقال له: إن أبيت ضربنا عنقك ، يبايعه مثل عدة أهل بدر يرضى عنهم ساكن السماء وساكن الأرض) المستدرك على الصحيحين .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

فقد ورد في سفك الدماء في منى ، أو عند جمرة العقبة ، أيام المهدي : أحاديث لا تصح .

وهذه الأحاديث جاءت من طريقين :

الطريق الأول : عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

وقد روي عنه من ثلاثة طرق :

الأول :

 أخرجه نعيم بن حماد في “الفتن” (986) ، ومن طريقه الحاكم في “المستدرك” (8537) ، من طريق أبي يوسف المقدسي ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  فِي ذِي الْقَعْدَةِ تُجَاذِبُ الْقَبَائِلُ وَتُغَادِرُ ، فَيُنْهَبُ الْحَاجُّ ، فَتَكُونُ مَلْحَمَةٌ بِمِنًى ، يَكْثُرُ فِيهَا الْقَتْلَى ، وَيَسِيلُ فِيهَا الدِّمَاءُ ، حَتَّى تَسِيلَ دِمَاؤُهُمْ عَلَى عَقَبَةِ الْجَمْرَةِ ، وَحَتَّى يَهْرُبَ صَاحِبُهُمْ فَيَأْتِي بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ، فَيُبَايَعُ وَهُوَ كَارِهٌ ، يُقَالُ لَهُ: إِنْ أَبِيتَ ضَرَبْنَا عُنُقَكَ ، يُبَايِعُهُ مِثْلُ عِدَّةِ أَهْلِ بَدْرٍ يَرْضَى عَنْهُمْ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْضِ  .

وإسناده مكذوب :

فيه : أبو يوسف المقدسي ، شيخ نعيم بن حماد ، ذكره نعيم في “الفتن” (599) ، وقال :” وكان كوفيا ” . انتهى .

واسمه محمد بن عبد الرحمن المقدسي ، ترجم له الذهبي في “ميزان الاعتدال” (7849) ، وقال :” وهو متهم ليس بثقة .. وقد قال فيه أبو الفتح الأزدي: كذاب متروك الحديث “انتهى .

الثاني :

أخرجه نعيم بن حماد في “الفتن” (987) ، ومن طريقه الحاكم في “المستدرك” (8573) ، من طريق أبي يوسف المقدسي ، عن محمد بن عبيد الله ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ” يَحُجُّ النَّاسُ مَعًا ، وَيُعَرِّفُونَ مَعًا عَلَى غَيْرِ إِمَامٍ ، فَبَيْنَمَا هُمْ نُزُولٌ بِمِنًى إِذْ أَخَذَهُمْ كَالْكَلَبِ ، فَثَارَتِ الْقَبَائِلُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، فَاقْتَتَلُوا حَتَّى تَسِيلَ الْعَقَبَةُ دَمًا ، فَيَفْزَعُونَ إِلَى خَيْرِهِمْ فَيَأْتُونَهُ ، وَهُوَ مُلْصِقٌ وَجْهَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَبْكِي ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى دُمُوعِهِ ، فَيَقُولُونَ: هَلُمَّ فَلْنُبَايِعْكَ ، فَيَقُولُ: وَيْحَكُمْ ، كَمْ مِنْ عَهْدٍ قَدْ نَقَضْتُمُوهُ ، وَكَمْ مِنْ دَمٍ قَدْ سَفَكْتُمُوهُ ، فَيُبَايِعُ كَرْهًا ، فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهُ فَبَايَعُوهُ ، فَإِنَّهُ الْمَهْدِيُّ فِي الْأَرْضِ ، وَالْمَهْدِيُّ فِي السَّمَاءِ “.

وإسناده تالف ساقط ، فيه كذاب ، ومتروك :

الأول : أبو يوسف المقدسي ، وتقدمت ترجمته في الطريق السابق .

الثاني : وهو محمد بن عبيد الله العرزمي ، ترجم له الذهبي في “ميزان الاعتدال” (7905) :” قال أحمد بن حنبل: ترك الناس حديثه. وقال ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال الفلاس: متروك. قلت: هو من شيوخ شعبة المجمع على ضعفهم “. انتهى .

قال الذهبي في تعليقه على المستدرك :” سنده ساقط ، وفيه محمد ، أظنه المصلوب ” . انتهى.

قال الشيخ سعد الحميد حفظه الله :

” الحديث أعله الذهبي بقوله: “سنده ساقط، ومحمد أظنه المصلوب”.

ومحمد هذا اسمه في الإسناد: محمد بن عبد الله، غير منسوب، والمصلوب الذي ظنه الذهبي هذا، اسمه: محمد بن سعيد بن حسان بن قيس الأسدي، المصلوب، وتقدم في الحديث (680) أنه: كذاب.

وإنما قال الذهبي قوله السابق مع الاختلاف في الاسم؛ لأن المصلوب هذا قلبوا اسمه على مائة وجه ليخفى -كما في التقريب (2/ 164 رقم 248) -.

وفي سند الحديث أيضاً نعيم بن حماد، وكذا في الحديث الذي قبله، الذي ساق الحاكم هذا الحديث شاهداً له، ونعيم تقدم في الحديث (751) أنه: صدوق يخطيء كثيراً . 

الحكم على الحديث:

الحديث بإسناد الحاكم موضوع إن كان محمد بن عبد الله الذي في سنده هو المصلوب، لنسبته إلى الكذب، وإلا فيكون ضعيفاً لجهالته، وضعف نعيم بن حماد من قبل حفظه، وكذا الحديث الذي قبله ضعيف لأجل نعيم، والله أعلم. ” انتهى من “مختصر استدراك الذهبي على مستدرك الحاكم” لابن الملقن ـ حاشية المحقق (7/3389) .

والحديث حكم عليه بالوضع القاري في “الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة” (ص 473) 

الثالث :

أخرجه نعيم بن حماد في “الفتن” (993) ، من طريق معتمر بن سليمان ، عَنِ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ فَزَارَةَ الْعَامِرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ: ” أَمَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ مَعًا ، وَيَحُجُّونَ مَعًا ، وَيُعَرِّفُونَ مَعًا ، وَيُضَحُّونَ مَعًا ، ثُمَّ تَهِيجُ كَالْكَلَبِ ، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى تَسِيلَ الْعَقَبَةُ دَمًا ، وَحَتَّى يَرَى الْبَرِيءُ أَنَّ بَرَاءَتَهُ لَنْ تُنْجِيَهُ ، وَيَرَى الْمُعْتَزِلُ أَنَّ اعْتِزَالَهُ لَنْ يَنْفَعَهُ ، ثُمَّ يَسْتَكْرِهُونَ رَجُلًا شَابًّا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ بِالرُّكْنِ ، تَرْعُدُ فَرَائِصُهُ ، يُقَالُ لَهُ الْمَهْدِيُّ فِي الْأَرْضِ ، وَهُوَ الْمَهْدِيُّ فِي السَّمَاءِ ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ فَلْيَتَّبِعْهُ “.

وإسناده ضعيف .

عطاء بن زهير ، ترجم له البخاري في “التاريخ الكبير” (6/468) ، وابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” (6/332) ، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا ، ولم يوثقه أحد .

وأبوه : زهير بن الأصبغ ، مجهول ، ترجم له البخاري في “التاريخ الكبير” (3/428) ، وابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” (3/587) ، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا ، ولم يوثقه أحد .

وأما نعيم بن حماد فهو ضعيف كثير الوهم ، قال الذهبي في “ديوان الضعفاء” (4396) :” وثقه أحمد ، وجماعة ، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة ، وقال الأزدي: قالوا: كان يضع الحديث ، وقال أبو داود: عنده نحو من عشرين حديثاً ليس لها أصل ، وقال الدارقطني: كثير الوهم “. انتهى .

الطريق الثاني : عن شهر بن حوشب .

أخرجه الداني في “السنن الواردة في الفتن” (493) ، من طريق خالد بن سلام ، عَنْ عَنْبَسَةَ الْقُرَشِيِّ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْقُرَشِيِّ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   يَكُونُ فِي رَمَضَانَ صَوْتٌ ، وَفِي شَوَّالٍ مَهْمَهَةٌ ، وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ تُحَارِبُ الْقَبَائِلُ ، وَعَلَامُتُهُ يُنْتَهَبُ الْحَاجُّ ، وَتَكُونُ مَلْحَمَةٌ بِمِنًى يَكْثُرُ فِيهَا الْقَتْلَى ، وَتَسِيلُ فِيهَا الدِّمَاءُ حَتَّى تَسِيلَ دِمَاؤُهُمْ عَلَى الْجَمْرَةِ ، حَتَّى يَهْرُبَ صَاحِبُهُمْ فَيُؤْتَى بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ فَيُبَايَعُ وَهُوَ كَارِهٌ ، وَيُقَالُ لَهُ إِنْ أَبَيْتَ ضَرَبْنَا عُنُقَكَ ، يَرْضَى بِهِ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْضِ  .

وهو حديث موضوع .

فيه عنبسة بن عبد الرحمن القرشي ، كذاب يضع الحديث ، قال أبو حاتم كما في “الجرح والتعديل” (6/403) :” هو متروك الحديث كان يضع الحديث “. انتهى .

والحديث قال فيه الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (13/397) :” حديث منكر ” انتهى .

ومما سبق يتبين أنه لا يصح في ذلك شيء.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android