0 / 0

الرد على شبهة ما قالته عائشة رضي الله عنها :” ما أرى ربك إلا يسارع في هواك “

السؤال: 294993

هناك الكثير من الملاحدة وأعداء الإسلام يستشهدون على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تنزل عليه الرسالة بل ادعاها ـ عياذا بالله ـ بقول عائشة رضي الله عنها : “ما أرى ربك إلا يسارع في هواك ” ، أريد ردا مفصلا على هذا .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

من قرأ القرآن بقصد معرفة الحق: أيقن أنه من عند الله، ولا ريب ، لكن الذين في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابه كي يفتنوا الناس في دينهم .

قال الله :  وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ  يونس/37.

وقال الله :هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ آل عمران/7.

وننصح طالب العلم والحق في هذه المسألة : أن يراجع كتاب : “النبأ العظيم”، للعلامة الشيخ محمد عبد الله دراز، رحمه الله ، وهو متاح على الشبكة مصورا ، ومتاح بصيغة مسموعة أيضا، لمن شاء سماع الكتاب .

وينظر أيضا للفائدة: جواب السؤال رقم : (5105) .

ثانيا:

وأما ادعاء الملاحدة وأمثالهم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من ادعى الرسالة ، وأنه لم ينزل عليه شيء ، ويستدلون على ذلك بقول عائشة رضي الله عنها :”ما أرى ربك إلا يسارع في هواك ” ، فهو ادعاء كاذب ، وبيان كذبه كما يلي :

أولا : بالنسبة للحديث الذي أورده السائل الكريم: فهو من قول عائشة رضي الله عنها ، وقد صح ذلك عنها .

أخرجه البخاري في “صحيحه” (4788) ، ومسلم في “صحيحه” (1464) ، من حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت :” كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَقُولُ أَتَهَبُ المَرْأَةُ نَفْسَهَا؟ ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:  تُرْجِئُ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ  قُلْتُ: مَا أرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ ” .

والحديث لا إشكال فيه من حيث المعنى ، وإنما تكلم بعض أهل العلم في أن لفظ الهوى كان الأولى لعائشة أن تقول بدلا منه :” يسارع في رضاك “.

وإنما غفر لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لشدة غيرتها .

ينظر “المفهم” (13/59)  .

وقال ابن بطال في “شرح صحيح البخاري” (7/333) :” وفيه أن الغيرة للنساء مسموح لهن فيها، وغير منكر من أخلاقهن ، ولا معاقب عليها ولا على مثلها ، لصبر النبي عليه السلام لسماع مثل هذا من قولها ، ألا ترى قولها له: أرى ربك يسارع في هواك ، ولم يرد ذلك عليها، ولا زجرها، وعذرها، لما جعل الله في فطرتها من شدة الغيرة “انتهى.

ومعنى قول عائشة رضي الله عنها :” ما أرى ربك إلا يسارع في هواك ” : أي أن الله يوسع لك في الأمور ، ويوجد لك مرادك، بلا تأخير ، حيث جاءت الآية توسعة على النبي صلى الله عليه وسلم في ترك القسم بين زوجاته ، فأباح الله له أن يؤوي من يشاء من نسائه ، ويترك منهن من يشاء ، ويقسم لمن يشاء ، ويترك القسم لمن يشاء ، وكل هذا توسعة من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم .

قال النووي في “شرح مسلم” (10/49) :” قَوْلُهَا : ( مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ ) : هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، مِنْ أَرَى ، وَمَعْنَاهُ : يُخَفِّفُ عَنْكَ ، وَيُوَسِّعُ عَلَيْكَ فِي الْأُمُورِ ، وَلِهَذَا خَيَّرَكَ ” انتهى.

وقال ابن حجر في “فتح الباري” (8/526) :” قَوْلُهُ ” مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ ” : أَيْ مَا أَرَى اللَّهَ إِلَّا مُوجِدًا لِمَا تُرِيدُ، بِلَا تَأْخِيرٍ، مُنْزِلًا لِمَا تُحِبُّ وَتَخْتَارُ ” انتهى .

وقال القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن” (14/214) :” وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهَا : التَّوْسِعَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْكِ الْقَسْمِ ، فَكَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ .

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَا مَضَى ، وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ مَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ……… ثم ذكر حديث عائشة المتقدم” انتهى.

ولا ندري من أين أخذ هؤلاء الجاحدون الضالون، من هذا الحديث : إنكار الرسالة ؛ في حين أن الحديث دليل واضح ، لا لبس فيه على إثبات الرسالة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مبلغ لشرع ربه ، ووحيه إليه .

وبيان ذلك: أن عائشة رضي الله عنها:  أثبتت وجود الرب سبحانه وتعالى ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم مربوب له ، أي مملوك لربه ، وتحت قهره وسلطانه ، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يوسع على النبي صلى الله عليه وسلم، وليس النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يوسع على نفسه . وأن الله جل جلاله، من محبته لنبيه: لا يشرع له ما يضيق عليه ، ولا ما يوقعه في حرج ، بل يكرم نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا يكون شرعه لنبيه : مخالفا لما يهواه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحاشاه صلى الله عليه وسلم : أن يكون هواه ، أو محبته ورضاه : في غير ما يشرعه ربه ، أو يوحيه إليه.

فنفس هذا الحديث ، وقول عائشة رضي الله عنه : دليل واضح على  صدق الرسالة ، وأنها من عند الله تعالى ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو عبد الله ورسوله ، ليس له من أمر الرسالة شيء ، إلا البلاغ ، والبلاغ فقط .

ثالثا :

إن الله تعالى هو الحكم ، وله الحكم ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لأمره سبحانه ، ولا يسأل عما يفعل، وهم يُسألون ؛ فله سبحانه أن يوسع على أنبيائه ورسله ، ما شاء ، بما لم يوسعه لأممهم وعامة الناس سواهم ، أو يشرع لهم ما يخصهم ، لا يشركهم فيه غيرهم .

ومع ذلك ؛ فقد سبق أن عائشة رضي الله عنها حين قالت هذا القول ، كانت قد حملتها الغيرة على الإتيان بهذا اللفظ العام : (إلا يسارع في هواك) ، وليس مرادها بذلك العموم ؛ كما هو ظاهر ، وإنما أرادت رضي الله عنها ، هواه صلى الله عليه وسلم في أمر معين ، وهو أمر القسم بين النساء خاصة ، لأن الحديث ورد في هذا ؛ وسبب النزول يخصص العام ، ويقيد المطلق ، ويوضح المبهم من الألفاظ.
رابعا:

ومما يؤكد ذلك ، ويقطع اللبس والشبهة في هذا الباب : أن القرآن الكريم قد نزل في عدة مواضع بمعاتبة النبي صلى الله عليه وسلم ومخالفته في اجتهاده ، وهي قصص وآيات معروفة .

كقصة ابن أم مكتوم الأعمى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيها نزل أوائل سورة عبس .

وقصة أخذ الفداء من أسرى بدر بدلا من قتلهم ، وفيها نزلت آيات من سورة الأنفال  لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  الأنفال/68 .

وقصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله عنها بأمر الله تعالى بعد أن طلقها زيد بن حارثة :  وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً  الأحزاب/37 .

قال ابن القيم في “بدائع الفوائد” (4/7) :”وقد عاتب الله تعالى نبيه في خمسة مواضع من كتابه، في الأنفال وبراءة والأحزاب وسورة التحريم وسورة عبس “. انتهى.

وأيضًا : روى مسلم في “صحيحه” (2890) ، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا ، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً ، سَأَلْتُ رَبِّي: أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا  ..

والشاهد في الحديث ، ونحوه : أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه ثلاثة أشياء ، فاستجاب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في أمرين ، ولم يستجب له في الأمر الثالث . وهذا بين أن لم يجب رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما سأل ، وأن مراد عائشة لم يكن المسارعة في هوى النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء ؛ بل في الأمر الخاص الذي تتحدث عنه .

وختاما :

نوصي السائل بالحرص على العلم النافع ، وأن ينأى بنفسه عن شبهات المضلين ، فإنه مع كون جميع شبهات هؤلاء أوهن من بيت العنكبوت ، إلا أننا نهينا عن إتيان أبواب الفتن ، فإنها خطافة ، والقلوب ضعيفة ، نسأل الله تعالى أن يعيذنا وجميع المسلمين من مضلات الفتن ، اللهم آمين .

والله تعالى أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android