تنزيل
0 / 0

حول حديث ” اتركوا الحبشة ما تركوكم “

السؤال: 295487

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي قال: ” اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة ” رواه أبو داود . هل يصح هذا الحديث؟ لا أحد سوى الحبشي يمكن أن يهاجم الكعبة ، لكن في الماضي ، تعرضت الكعبة للهجوم عدة مرات. هل هذه نبوءة خاطئة؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

فقد تضمن السؤال نقطتين :

النقطة الأولى : حول درجة حديث : اتركوا الحبشة ما تركوكم   .

وجواب ذلك:

أن الحديث حسن بمجموع طرقه ، وبيان ذلك كما يلي :

الحديث رُوي عن أربعة من الصحابة ، وهم ( عبد الله بن عمرو ، أبي هريرة ، عمرو بن عوف المزني ، رجل من الصحابة لم يسم ) .

الطريق الأول : حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .

أخرجه أبو داود في “سننه” (4309) ، وأحمد في “مسنده” (23155) ، وابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” (2912) ، والبزار في “مسنده” (2355) ، والحاكم في “المستدرك” (8396) ، جميعا من طريق زهير بن محمد ، عن موسى بنِ جُبير، عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيفٍ ،

عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي – صلَّى الله عليه وسلم – قال:  اتركوا الحبشةَ ما تركوكم ، فإنه لا يستخرِجُ كَنزَ الكعبةِ إلاَّ ذو السُّوَيْقَتَينِ من الحبشة  .

وفي بعض الطرق ، قال :” عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : سمعت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ” . فلم يسم الصحابي .

والحديث إسناده ضعيف ، لجهالة حال موسى بن جبير .

فقد ذكره ابن حبان في “الثقات” (10882) ، وقال :” يخطئ ويخالف ” ، ووثقه الذهبي في “الكاشف” (5687) ، ، وقال ابن القطان في “بيان الوهم والإيهام” (3/257) :” حال موسى بن جبير لا تعرف ” . انتهى ، وقال الزركشي في “التذكرة في الأحاديث المشتهرة” (ص205) ، وابن حجر في “تقريب التهذيب” (6954) :” مستور “. انتهى

وأما زهير بن محمد التميمي : فهو صدوق ؛ إلا أن في رواية الشاميين عنه نكارة ، ورواية العراقيين عنه صحيحة ، نصّ على ذلك الإمام البخاري رحمه الله .

قال الترمذي في “العلل الكبير” (ص395) :” قَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَادِيثُ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ , مُقَارِبَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ ، وَلَكِنِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَأَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَأَهْلُ الشَّامِ : يَرْووُنَ عَنْهُ مَنَاكِيرَ “. انتهى

ونصّ الإمام أحمد على أن رواية عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر العقدي عن زهير بن محمد مستقيمة ، نقله المزي في “تهذيب الكمال” (9/417).

وهذا الطريق رواه عن زهير عبد الرحمن بن مهدي كما في “مسند الإمام أحمد” (23155) ، وأبو عامر العقدي كما في “سنن أبي داود” (4309) ، وكلاهما من أهل البصرة .

الطريق الثاني : عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

أخرجه أبو داود في “سننه” (4302) ، والنسائي في “سننه” (3276) ، والبيهقي في “السنن الكبرى” (18597) ، من طريق أَبِي زُرْعَةَ السَّيْبَانِيِّ ، عَنْ أَبِي سُكَيْنَةَ ، رَجُلٍ مِنَ الْمُحَرَّرِينَ ، عَنْ رَجُلٍ ، مَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  دعوا الحَبَشة ما وَدَعُوكم ، واتركوا التُّرك ما تَركوكم  .

وإسناده ضعيف أيضا ، لجهالة حال أبي سكينة .

قال فيه عبد الحق الإشبيلي في “الأحكام الوسطى” (2/348) :” أبو سكينة : اسمه زياد بن مالك ، ولم أسمع فيه بتجريح ولا بتعديل “. انتهى ، وقال الذهبي في “ميزان الاعتدال” (2/93) :” شيخ مستور ، ما وثق ولا ضعف ، فهو جائز الحديث ، روى عنه جعفر بن برقان ، وأبو بكر بن أبي مريم ، تفرد بحديث: دعوا الحبشة ما ودعوكم “. انتهى

الطريق الثالث : عن أبي هريرة رضي الله عنه .

أخرجه الفاكهي في “أخبار مكة” (764) ، من طريق ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ:  اتْرُكُوا الْحَبَشَةَ مَا تَرَكُوكُمْ ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَخْرِجُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ إِلَّا ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ  .

وإسناده ضعيف ، لإبهام الواسطة بين ابن جريج ، وصالح بن أبي صالح .

والحديث حسن بمجموع هذه الطرق الثلاث ، حيث إن علة الضعف في الطريق الأول : هي جهالة حال موسى بن جبير ، وهو من طبقة أتباع التابعين ، وعلة الضعف في الطريق الثاني هي جهالة حال أبي سكينة ، وهو من طبقة كبار التابعين .

ومعلوم أن مجهول الحال ، في طبقة التابعين : لا يرد حديثه إلا إذا كان فيه نكارة أو خولف ، فإن توبع ، كما هو الحال هنا فالحديث يكون حسنا إن شاء الله .

قال الإمام الذهبي في “ديوان الضعفاء” (ص478) :” وأما المجهولون من الرواة : فإن كان الرجل من كبار التابعين ، أو أوساطهم : احتمل حديثه ، وتلقي بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول ، وركاكة الألفاظ .

وإن كان الرجل منهم ، من صغار التابعين : فيُتأنى في رواية خبره ، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه وتحريه ، وعدم ذلك .

وإن كان المجهول من أتباع التابعين ، فمن بعدهم : فهو أضعف لخبره سيما إذا انفرد “. انتهى

ولأجل ذلك : فإن الحديث حسنه الشيخ الألباني بطرقه كما في “السلسلة الصحيحة” (722) .

الطريق الرابع : عن عمرو بن عوف المزني .

أخرجه ابن عدي في “الكامل” (7/195) ، من طريق عَبد اللَّه بن نافع ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبد اللَّهِ المزني ، عن أبيه ، عَن جَدِّهِ ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  اتْرُكُوا هَؤُلاءِ الحبشة ما تركوكم  .

وإسناده تالف ، فيه ” كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ” ، كذّبه أبو داود كما في “تهذيب الكمال” (24/138) ، وقال ابن حبان في “المجروحين” (2/221) :” مُنكر الحَدِيث جدا يروي عَن أَبِيه عَن جده نُسْخَة مَوْضُوعَة ، لَا يحل ذكرهَا فِي الْكتب ، وَلَا الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا على جِهَة التَّعَجُّب .

وَكَانَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يَقُول : كثير بن عبد الله الْمُزنِيّ ركن من أَرْكَان الْكَذِب “. انتهى

فتبين مما سبق أن الحديث حسن بمجموع طرقه الثلاث الأُول .

وأصل الحديث ثابت بأن تخريب الكعبة سيكون على يد ذي السويقتين رجل من الحبشة

والحديث أخرجه البخاري في “صحيحه” (1591) ،  ومسلم في “صحيحه” (2909) ، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ  .

النقطة الثانية :

وهي ما فهمه السائل من الحديث : أنه لا أحد يمكنه أن يهاجم الكعبة سوى الحبشي ، فكيف وقد تعرضت الكعبة للهجوم أكثر من مرة ؟

وجوابه :

أن الحديث لم يفد أبدا هذا المعنى ، ولا يدل عليه ، وإنما يُثبت أن من سيستخرج كنز الكعبة ، ويخربها : هو ذاك الحبشي ، وهذا لا ينفي تعرضها للهجوم قبل ذلك الحدث .

ومعلوم أنها تعرضت للهجوم على يد الحجاج بن يوسف الثقفي ، وإن كان لم يقصد الكعبة بالهدم ، ثم تعرضت للهجوم من قبل القرامطة .

لكن الذي تدل عليه الأحاديث : أن خراب الكعبة في آخر الزمان سيكون على يد هذا الحبشي .

قال أبو الطيب المكي في “شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام” (1/176) :

” وجزم السهيلي بأن تخريب الحبشي للكعبة يكون بعد رفع القرآن ، وذلك بعد موت عيسى عليه السلام ، على ما ذكر ابن جماعة . قال: وصححه بعض العلماء المتأخرين ، ونقل عن الحليمي أن ذلك في زمن عيسى عليه السلام “. انتهى

وقال ابن كثير في “البداية والنهاية” (19/242) :”  لِأَنَّ الْكَعْبَةَ يَحُجُّهَا النَّاسُ ، وَيَعْتَمِرُونَ بِهَا ، بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهَلَاكِهِمْ ، وَطُمَأْنِينَةِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ أَرْزَاقِهِمْ فِي زَمَانِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، فَيَقْبِضُ بِهَا رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ، وَيُتَوَفَّى نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ، وَيُدْفَنُ بِالْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

ثُمَّ يَكُونُ خَرَابُ الْكَعْبَةِ عَلَى يَدَيْ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ بَعْدَ هَذَا “. انتهى

فلعله قد اتضح المعنى بهذا البيان ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كلام الصدق ، لا ينطق عن الهوى .

والواجب على المسلم إذا جاءه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث أن يظن به الذي هو أهدى وأتقى .

ففي الحديث الذي رواه أحمد في “مسنده” (986) ، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : ” إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا ، فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْيَاهُ ، وَأَهْدَاهُ ، وَأَتْقَاهُ ” .

وإسناده صحيح .

رزقنا الله وإياكم حسن الاتباع ، وحفظ الله بيته الحرام من كل سوء ، آمين .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android